عُدت بذاكرتي للوراء في منتصف الشهر المنصرم جمادى الآخرة ، وتذكرت عندما كنت في الصفوف الدراسية الأولى ذلك الشاب الذي كان مواصلاً لنا دون انقطاع ، وكانت له في نفسي مكانة خاصة منذ ذلك الزمن ، وكنت أُعجب به وبلبسه العسكري ، ومرت سنين العمر ، وكل منا في تقدم مستمر حتى وصل إلى أعلى الرتب العسكرية ( لواء ) ولم تفرقنا هموم الحياة خلال تلك السنوات رغم مشاغل العمل التي كانت تحاصره طوال اليوم ، فحياته منذ بزوغ نوره للحياة عمل وكفاح ، مستسقي ذلك الاجتهاد من والده رحمة الله تعالى الذي غرس فيه صفات السمو والهمم العالية ، ومع إطلالة ساعات اليوم الأول من شهر رجب لهذا العام 1431ه ودع الوظيفة العسكرية بعد عطاء دام لأكثر من 37 عام تولى فيها مناصب عده قدم خلالها الكثير من العطاء ، وتحمل الكثير من العناء ، واكتسب بذلك خبرات متعددة حتى غدا معجماً عسكرياً في مجال عمله ، فالحق والحق يقال له الشكر الجزيل على ما قدمه من خدمة جليلة للدين والمليك والوطن أبان تواجده في السلك العسكري الذي قضاه منذ يوم التخرج وحتى التقاعد في خدمة أطهر بقاع الله كان معظمها ببيت الله الحرام ، وفي نهاية هذه الرحلة العملية أصبح اليوم اللواء حراً طليقاً بعد أن أُحيل للتقاعد ليلج مرحلة حياة جديدة بنمط يختلف اختلافاً كلياً عن ما مضى من أيام خلت قضاها في السلك العسكري ، أخي الحبيب اليوم آن الأوان لأخذ قسط عميق من الراحة والاسترخاء والاستجمام ، وعدم التفكير في أمور الحياة سى ما عُرِف عنك من طاعة لرب العباد ، ولا تنسى قول المصطفى عليه الصلاة والسلام : ( نعمتان مغبون فيهما كثيرٌ من الناس الصحة ، والفراغ ) فاحمد الله وأشكره على نعمائه ، وأغلق باب المتاعب ، وأنظر لأيامك القادمة من خلال نافذة ترى منها جمال الحياة الآتية ، والاستمتاع بها ، فأنت اليوم في بداية الحرية الشخصية ، وأولى خطوات الحياة المطلقة ، والتي أتمنى أن تبدأها بالتحضير لنيل شهادة الدكتوراه التي لا يبعدك عنها اليوم شغل شاغل ، وأن تعكف على كتابة مذكراتك ، فأنت سجل حافل أرخ التاريخ فيه أحداثه ، ومن ثم لك الاختيار بأن تواصل بعد فترة الراحة والاستجمام مسيرة العطاء والمساهمة في بناء المجتمع المكي الذي تنتمي إليه ، فأنت تمتلك أفكاراً ودراسات تقود للنجاح ، ونظرة مستقبلية ثاقبة لواقع الحياة بحكم خبرتك العسكرية ، وقد كانت ارتباطاتك العملية تقف أمام خروجها ، وقد حان الوقت للاستفادة منها على المستوى الفردي والعام ، فالتقاعد يجب أن يكون حافزاً لك على الاهتمام أكثر من قبل بالأمور الفكرية ، والإبداعات ، والتفرّغ للقضايا التي لم تكن متفرغ لها من قبل ، فالحياة يمكن أن تبدأ بعد سن التقاعد إذا كان الأمل والتفاؤل وحب الحياة يحتضنها ، ، وهذا هو سر الشباب الدائم . همسه : الرجال العظام ليسوا بحاجة لغير أسمائهم . ومن أصدق من الله قيلاً { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }.