طوى صفحات حياته القصيرة على عجل، مقتفياً أثر جده الأديب المكي الراحل محمد سعيد عبد المقصود خوجة، .. هكذا مثل نيزك باهر مضى السيد إباء عبدالمقصود خوجة "رحمه الله" إلى رحاب بارئه .. آخذاً النصيب الأوفى من اسمه الجميل .. مضى وفي حوزته رصيد وافر من تربية والده الرجل الصالح الصابر المحتسب الشيخ عبدالمقصود محمد سعيد خوجة. أيها العلاجان .. خذ مني سلاماً أجل .. لا أقول "وداعاً" وأنت تلوي عنان فرسك عن عالمنا الهلامي الصغير.. ففي عليين مقامك بإذن الله، غير أنك في قلوب محبيك مقيم، ناصب خيمة الحب على أمدائها الشاسعة .. حب تجذر في قلوب الكثيرين رغم حداثة سنك الذي سكبت سنواته نوراً على دروب الفتوة والشباب والعطاء الخيِّر، كنت أرى فيك دائما سمات النبل الذي يفوق سنواتك التي لم تتجاوز عتبة الثمانية والعشرين .. هكذا رحلت دون وداع، فأنت أعجل من جدك "رحمكما الله" فقد انطفأ ألقه وهو ابن ست وثلاثين سنة، تاركاً وسماً لا يمحى في مسيرة الأدب السعودي المعاصر. أيها العجلان.. خذ منى سلاماً دخلت معترك العمل الحر غض الإهاب رطب العود .. ثم سعيت جهدك لمواساة شريحة أبناء الوطن المعاقين فساهمت بجهد مبرور عضواً في مجلس إدارة مركز الأمير سلمان لأبحاث الإعاقة.. ولم تحملك شواغلك المتعددة عن زيارتهم في مقرهم بجدة، وكأنها إطلالة وداع أرادها المولى عز وجل مشكاة نور في طريق الشباب الذي يعرف واجبه تجاه وطنه ومواطنيه، وعمل الخير لم تقصره قط على فئة دون أخرى، ويشهد كثير ممن عرفوك أنك البلسم الذي داوى جراحاً كنت طبيبها والبصير بعلاجها بالكلمة الطيبة، والفكر المستنير، والعون المادي المباشر وغير المباشر، لم تكن الحياة في قاموسك أكثر من رسالة تؤديها بإتقان، أما زخرفها الذي يخدع المستجدين في عرصاتها فقد جعلته دوماً خلفك، وكأني بك تنظر إلى ما هو أسمى وأثمن منه بكثير .. وكثير جدّاً. أيها العجلان .. خذ مني سلاماً عرس مساء كل يوم اثنين الذي كنت تنير زواياه، وتحمل عبئه بجدارة بجانب والدك، تحول إلى عزاء وألم يقطع نياط القلوب .. فالدمع الذي حسبت أني نسيت مذاقه المالح منذ أمد طويل بعد أن ودعت أغلى من أحب، عاد مثل سيل يعرف طريقه رغم التيه واليباب .. عاد ليؤكد لي حقيقة جفلت منها أكثر من مرة في السويعات التي اعقبت النعي والنظر إلى الجثمان المسجى .. مثل أي حلم مزعج وددت نفض عيني ليزول إلى غير رجعة، لكن المالح الآتي من الآماق يأبى إلا أن يشير إلى صحو لا تخالطه سنة أو نوم.. إنها إرادة الله سبحانه وتعالى التي لا رادّ لها، تغشاها في ذات الوقت رحمته التي وسعت كل شيء. أيها العجلان .. خذ مني سلاماً ولك أيها الشيخ الجليل ، يا من قبضت على الصبر بالنواجذ، راسياً كطود شامخ، والحزن الشفيف ينغل دواخلك، تردد: "الحمدلله .. الحمدلله" في السراء والضراء.. نسأل المولى عز وجل أن يجعل الخير كله في إخوته بنين، وبنات، وحفدة .. وأن يلهمك ووالدته، وجميع أفراد العائلة والمحبين الصبر وحسن العزاء، وأن يسكن الفقيد الغالي واسع جنانه مع الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً .. فالعين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي الرب. "إنا لله وإنا إليه راجعون"