يظل الموت هو الحقيقة الواضحة لنا في هذه الحياة وضوح الشمس والتي يؤمن بها جميع بني البشر ولا ينكرونها بالرغم من اختلاف أديانهم ومذاهبهم ومعتقداتهم، فهو حق على الجميع سواء كانوا صغاراً أو كباراً وأنه يأتي كما يأتي القدر المستعجل فلا نعرف موعد ساعة المنية،تعددت الأسباب والموت واحد ومن هنا نجد أن المسلم أكثر إيماناً بأن الموت هو نهاية البشر ويعرف أنه مطالب بأن يستعد له بالعبادة والتقرب إلى الله حتى إذا فاجأه هادم اللذات «الموت» يكون إن شاء الله من أصحاب النعيم. وعندما يفقد الإنسان عزيزاً عليه سواء كان هذا العزيز أخا أو أختا أو ابنا سيصدم به وسيحزن على فراقه ويتألم لموته فما بالنا لو كان هذا العزيز هو أغلى الحبايب أمه التي حملته تسعة أشهر وأرضعته وعاش بين زراعيها أياماً وليالي وأغدقت عليه الحب والحنان وضحت من أجله تخدمه كما يخدم العبد سيده تخدمه برموش عينيها كما يقولون وتمرض لمرضه وتشقى لشقائه وتفرح لفرحه وتدعو له في صلواتها. فأمي لم تكن أماً عادية لقد فاق عطاؤها وحبها وتضحياتها وحنانها ما تجود به الأم لقد كانت تملك قلباً مليئاً بالحب والحنان، قلباً يعطف على الصغير قبل الكبير قلباً لا يحمل الحقد على أحد ولا الضغينة لأحد قلباً يتمنى الخير لجميع الناس قلباً يدعو بالخير لكل الناس قلباً لا يعرف إلا الحب ولا يحمل إلا التسامح ولا يضم بين جنباته إلا مشاعر فياضة يعجز القلم عن وصفها. ففي الأسبوع الماضي كان للمرض موعد مع والدتي الحبيبة وقاست من خلاله الأمرين وكانت في عز مرضها على السرير الأبيض تحرص على التسامح منا نحن أبناءها وهي التي لم تسيء لأحد فينا يوما من الأيام ونحن الأحق بأن نطلب منها السماح فمهما قدمنا لأمي هذه المرأة العظيمة من حب أو عطاء فإنه لا يساوي جناح بعوضة مما قدمته لنا. هذا المرض لم يمهلها كثيرا لتفيض روحها إلى بارئها لنفقد أعز الحبايب ونفقد معها أشياء عظيمة أهمها بركة الدعاء الذي يصدر من قلب الأم التي تتمنى الخير لأبنائها. قال تعالى «يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية وأدخلي في عبادي وأدخلي جنتي» وقال تعالى «فإذا جاء أجلهم لا يستقدمون ساعة ولا يستأخرون» وقال تعالى «كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام». وبوفاتها فقدنا أماً حنونة لم تكن يوما غاضبة على أحد ولم تكن حاقدة على أحد ولم تكن تذكر الآخرين بالسوء وكانت تحسن إلى الجميع وتساعد الجميع وتسعد الجميع بروحها الطاهرة. لم أتذوق ألم الفراق كما تذوقته بفراقها لقد كانت نبراساً يضيء حياتي وكانت شمعة تحترق لتنير لنا الطريق. ليرحمك الله يا أمي ويرحم موتى أمهات المسلمين.