فجأة أصبح بنيامين نتانياهو سياسيّاً معتدلاً وقادراً على اتخاذ قرارات ذات طابع سلمي! فمن قال إن رئيس الوزراء الإسرائيلي عاجز عن تقديم التنازلات إلى الجانب العربي، وهو الذي يستعد للإعلان هذا الاسبوع عن نية إسرائيل الانسحاب من الجزء المحتل من قرية الغجر على الحدود مع لبنان؟ وإذا كانت حكومة نتانياهو تسعى لإصابة عدة عصافير بحجر واحد، فإن العصفور الأهم هو التملص من استحقاقات السلام مع الفلسطينيين والتهرب من الالتزام بحل الدولتين، واستخدام خطوة الانسحاب من قرية الغجر لذر الرماد في عيون الأميركيين والأوروبيين وكل من «يزعم» أن هذا السياسي الإسرائيلي متعنت ومتطرف ويميني متشدد يرفض المقاربات والمفاتحات السلمية. وحسبما تقول المصادر السياسية المطلعة على ملف القرية المذكورة، فإن هناك هدفين آخرين يريد نتانياهو تحقيقهما، وهما الاستجابة لطلب من الولاياتالمتحدة التي دعته إلى الجلاء عن تلك القرية تنفيذاً لتعهد قطعته حكومة إيهود أولمرت، واعتبار الانسحاب بمثابة لفتة إلى حكومة فؤاد السنيورة قبل انتخابات «7» يونيو اللبنانية. وكانت الغجر قد ضمت إلى إسرائيل عام «1981» وأصبح سكان الجزء الشمالي منها إسرائيليين، ولكن بعد انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان عام «2000» قالت الأممالمتحدة إن الحدود بين لبنان وسوريا تمر عبر القرية. وكما تتوقع صحيفة «هآرتس»، سيجتمع المجلس الوزاري الأمني المصغر لبحث الموضوع وإصدار بيان يؤكد نية الانسحاب من القرية ليس فقط لتدعيم موقف «المعتدلين» في لبنان، ولكن لإرضاء باراك أوباما الذي سيلتقيه نتانياهو في واشنطن في «18» مايو الحالي. وتجدر الإشارة إلى أن أي قرار من هذا النوع لا يشكل مبادرة ولا لفتة في نظر الأميركيين وإنما يأتي استجابة لقرار مجلس الأمن رقم «1701» الذي أنهى حرب لبنان الثانية، ولسلسلة من الترتيبات الأمنية والمدنية التي تتفاوض إسرائيل بشأنها مع الأممالمتحدة ولبنان. وكان المبعوث الرئاسي الأميركي جورج ميتشيل قد أثار الموضوع مع القيادة الإسرائيلية قبل أسبوعين، معتبراً أن قرار الانسحاب سيدعم معسكر الاعتدال اللبناني. وقال مصدر غربي على علاقة بهذه المسألة إن نتانياهو مهتم بحل سريع لقضية الغجر، وهو حريص على اتخاذ قرار بشأن الانسحاب قبل أن يلتقي باراك أوباما. وتريد إسرائيل أن يستفيد فريق «14 آذار» وليس المعارضة اللبنانية من قرار الانسحاب، لذلك فإن الحكومة الإسرائيلية تفكر بتوقيع صفقة بهذا الخصوص مع الحكومة اللبنانية للتأكيد بأن حزب الله غير معني بالموضوع. غير أن هناك محللين يرون بأن صفقة من هذا النوع ستصب بكل الأحوال في سلة المقاومة اللبنانية حتى لو لم توقع على الصفقة. الوطن القطرية