صبيحة اليوم الذي أعلن فيه أن المجلس الأمني المصغر للحكومة الإسرائيلية سيصادق على قرار الانسحاب من شمال الغجر، قال مسؤولون إسرائيليون إن إسرائيل قررت التخلص من موضوع الغجر حتى لا يظل لدى حزب الله ذريعة لمواصلة الحرب وحمل السلاح. ومن بينهم أيضاً من أضاف على ذلك: «اليوم هو الوقت الأنسب لإسرائيل كي تنفذ القرار الدولي 1701 عبر الانسحاب من الشطر الشمالي للقرية، بالاتفاق مع الأممالمتحدة». وعلق آخرون على الانسحاب على الشكل الآتي: «من جهتنا الجيش الإسرائيلي سينسحب من هذه المنطقة مما يعني أنه لن يعود مسؤولاً عن الجوانب الأمنية التي ستنتقل الى قوات اليونيفيل المفترض أن تنتشر على طول الحدود». بمعنى أن القرية ستنقسم الى شطرين في الجهة الشمالية 1700 مواطن يسكنون على مساحة 300 دونم يلحقون بلبنان فيما النصف الآخر يبقى لإسرائيل. وقال مسؤول وزاري يتابع القضية في مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية: «القرار لن يحدث التغيير الذي يترجم قرار التقسيم. نحن نطمئن سكان الغجر أن القرار لن يمس بهم. فهم لن ينتقلوا الى لبنان. لن نقيم سوراً كما اقترح سابقاً وزير الخارجية افيغدور ليبرمان، ليفصل العائلات عن بعضها بعضاً بل سيواصل السكان حمل الهوية الإسرائيلية والحصول على خدمات مدنية من إسرائيل. وليس هذا فحسب، فهؤلاء السكان لن تتاح لهم فرصة الدخول الى لبنان ولا حتى التوجه الى قوات اليونيفيل لاستئذان الدخول أو الخروج...». وأضاف: «بموجب القرار الإسرائيلي تقام بوابة حدودية عند الخط الفاصل بين إسرائيل ولبنان وهي منطقة لا يصلها سكان الغجر. وخلف هذه البوابة من الطرف اللبناني تنتشر قوات من اليونيفيل. ما يهمنا هو ما طلبه بنيامين نتنياهو من الأمين العام للأمم المتحدة بأن لا يتسلل عناصر حزب الله الى الغجر ولا تتاح للحزب إمكانية السيطرة عليها... هذا كل شيء». وختم المسؤول الإسرائيلي: «المهم أننا لا نريد أن نبقى طرفاً يرفض تنفيذ قرارات دولية. وهذا القرار الذي شمله القرار الدولي 1701 ملزمون بتنفيذه. إسرائيل ستنفذه ويبقى على الحكومة اللبنانية أن توافق عليه». يؤكد الإسرائيليون أن مثل هذا القرار يرمي الكرة الى الملعب اللبناني. فالإسرائيليون يدركون بأن قوات اليونيفيل لن توافق على نشر قواتها طالما أن الحكومة اللبنانية ترفض القرار الإسرائيلي. ويدركون أيضاً أن لبنان لن يوافق على قرار يفقده السيادة والمسؤولية الأمنية أو المدنية. لكن ما الجديد في قرار المجلس الأمني المصغر؟ قبل صدور قرار الانسحاب تم الترويج، أن المجلس سيصادق عليه. وجرى الحديث عن مضمون هذا القرار بما يطمئن بالفعل السكان أن مضمونه لن يمس حياتهم اليومية. وكان واضحاً من صيغة الترويج الإسرائيلي أن المسألة باتت محسومة ولم يتبق من الأمر سوى إجراءات رسمية وتحديد جدول زمني للانسحاب. ولكن عند صدور القرار تبين أن لا جديد في المضمون سوى أن المجلس صادق عليه. والمعروف أن هذه المصادقة بحد ذاتها لا تعني تنفيذ القرار لأن قراراً كهذا يتطلب بعد المصادقة عليه في المجلس الوزاري المصغر تحويله الى الحكومة بكامل وزرائها ومن ثم الى الكنيست الإسرائيلي، وهناك حيث اليمين واليمين المتطرف يشكل الأكثرية سيواجه صعوبة في تمريره. وليس هذا فحسب، بل إن منطقة الغجر، بالنسبة لإسرائيل، مرتبطة بمنطقة الجولان السوري المحتل وبحسب مشروع القانون الجديد الذي يوشك الكنيست على إقراره، فان الانسحاب من أية منطقة تحتلها إسرائيل يتطلب مصادقة ثمانين نائباً من أصل مئة وعشرين في الكنيست. كما أن الاحتمال كبير في المصادقة أيضاً على إجراء استفتاء شعبي، بخاصة أن نتانياهو حرص قبل أيام من الإعلان عن قرار الانسحاب من الغجر أن يدعم إجراء استفتاء شعبي حول أية منطقة يتم الانسحاب منها. من جهة أخرى، فان القرار الجديد لا يشمل سوى الموافقة على الانسحاب وتوصية لوزارة الخارجية بمتابعة الموضوع مع الأممالمتحدة. وهنا أيضاً لا جديد. فقد سبق وأعلنت إسرائيل قبل سنتين أنها لا ترفض الانسحاب من الغجر وفي حينه شكلت لجنة برئاسة المدير العام لوزارة الخارجية، يوسي غال، لمتابعة القضية مع قوات اليونيفيل. وهذا بدوره أجرى جولات عدة في القرية والتقى السكان واجتمع مع قوات اليونيفيل وتم الاتفاق على أن لا مناص أمام إسرائيل إلا الانسحاب من الغجر. وفي حينه خرج السكان بحملة شعبية وبعثوا برسالة الى الأممالمتحدة والحكومة الإسرائيلية وجهات عدة أخرى يعلنون رفضهم تنفيذ الانسحاب الذي سيؤدي بالتالي الى تقسيم القرية الى شطرين. ويفترض أن يكون المجلس الوزاري المصغر الذي صادق على قرار الانسحاب قد بحث التفاهمات التي توصل إليها مدير عام وزارة الخارجية وممثلي اليونيفيل للمصادقة عليها ولكن شيئاً من هذا لم يحدث. ومن هنا يظهر في شكل واضح ولا يقبل التأويل أن طرح القرار في ذلك اليوم على المجلس الوزاري المصغر للمصادقة عليه لم يأت صدفة، والوزراء الذين صادقوا عليه يدركون أنهم لم يقدموا جديداً. ويدركون أيضاً، ومن دون إعلان عن ذلك، أن بحث الملف في ذلك اليوم جاء في محاولة للتخفيف من الضغط الدولي على بنيامين نتانياهو والمجلس الأمني للمصادقة على الصفقة الأميركية لاستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين والتي في مركزها يأتي تجميد البناء لمدة ثلاثة أشهر في الضفة الغربية، وعدم شمل القرار تجميد البناء في مدينة القدس مقابل حصول إسرائيل على «هدايا دسمة» من الإدارة الأميركية، سياسية وأمنية وأهمها عشرون طائرة من نوع «أف-35» من دون مقابل وهو عرض، كما قال مسؤول أمني: «لم تحلم به إسرائيل من قبل». وفي اليوم الذي تمت فيه المصادقة على قرار الانسحاب من الغجر كان يفترض أن يصوت المجلس الوزاري المصغر على العرض الأميركي. ولتنفيذ ذلك دعا نتانياهو ليلة السبت، التي سبقت التصويت، وزراءه الأعضاء في اللجنة السباعية التي تدير شؤون الحكومة الإسرائيلية في القضايا الكبرى والمصيرية لاجتماع امتد حتى ساعات ما بعد منتصف الليل في محاولة لإقناعهم بتأييد الصفقة الأميركية لكن جهوده فشلت. وبما أن جهات دولية كانت بانتظار المصادقة على هذه الصفقة في ذلك اليوم، الذي صودق على قرار الغجر، باعتبار أن ما تعرضه أميركا اليوم فرصة أخيرة لاستئناف المفاوضات، لم يكن أمام نتانياهو إلا البحث عن ملف آخر يشغل فيه هذه الجهات الدولية ووجد بالغجر «ورقة المراوغة» التي اعتاد على استخدامها أكثر من مرة منذ توليه رئاسة الحكومة. وقد نجح نتانياهو في ذلك. فقد انشغلت جميع وسائل الإعلام العالمية بالقرار. ولم تبق دولة صديقة لإسرائيل إلا ورحبت به وبالتالي ظهر نتانياهو كداعية للسلام في المنطقة. الترحيب تواصل على مدار ثلاثة أيام، كانت بالنسبة لنتانياهو فرصة لاستغلالها لعقد اجتماعات ماراتونية داخل حكومته وأحزاب الائتلاف، بخاصة حزب شاس، لضمان تأييدهم للصفقة الأميركية. ومن جهة أخرى ساهم قراره حول الغجر بتخفيف الغضب الأميركي عليه، وكما رأى البعض انه سهل عملية تفاوضه مع الأميركيين حول وثيقة التفاهمات التي تريدها إسرائيل. المنطقة الأسهل بين الأمنيين الإسرائيليين هناك نقاش وخلافات حول انسحاب إسرائيل من الشطر الشمالي للغجر، وإن كانوا على قناعة بأن ذلك لا يغير كثيراً من الواقع الذي تعيشه المنطقة حالياً. ويرى هؤلاء أن القوات الدولية التي فشلت في الحفاظ على مناطق الحدود الشمالية مع لبنان وانعكس ذلك في نجاح عدة عمليات إطلاق صواريخ الى بلدات الشمال في إسرائيل، بعد حرب تموز، لن تنجح في الحفاظ على أمن المنطقة الحدودية مع الغجر، خصوصاً أن هذه المنطقة تعتبر «خاصرة رخوة» لإسرائيل. وتدعي تقارير استخبارية نشرت في وسائل الإعلام الإسرائيلية، أن هذه المنطقة هي الأسهل لتسلل عناصر من الطرف اللبناني، ولتحديد مواقع الإسرائيليين ولتجارة المخدرات أيضاً. وعليه، يرى هؤلاء أن التغيير الشكلي الذي سيحصل في استبدال الجيش الإسرائيلي بقوات اليونيفيل خارج بوابة حدودية، هو أمر يهدد أمن إسرائيل. ووصل البعض الى أبعد من ذلك، فهناك من رأى أن الانسحاب من الغجر قد يفتح ملف مزارع شبعا من جديد. وقد كان الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي، غيورا ايلاند، قد رأى أن «على إسرائيل التمسك باتفاق تقسيم القرية منذ عام 2000، وهذا بحد ذاته سيترك لها شرعية مواصلة تمسكها بمزارع شبعا أيضاً». وبحسب ايلاند فان إبقاء الوضع الراهن هو أفضل الحلول. أما سكان الغجر، فيشكلون المعارضة الأكبر للقرار والمتوقع أن تتصاعد. فهم الآن ينتظرون رداً رسمياً من الحكومة الإسرائيلية وتظاهراتهم التي أقيمت تحت شعار مركزي «نرفض تقسيمنا» و «سوريون وسنواصل الحفاظ على هويتنا السورية» هي مقدمة لسلسلة أعمال احتجاج شعبية على مختلف الأصعدة، المحلية والدولية والمؤسسات القانونية وجمعيات حقوق الإنسان وفي مقدمها مطالبة الأممالمتحدة بالتوجه الى الحكومة السورية لتقرير مصيرهم. فهم يرون أنها المخولة الوحيدة في حسم مصير القرية. ولكن الخطوات المقبلة ستنفذ فور تبليغ الأهالي القرار الرسمي، سواء من القوات الدولية أو الحكومة الإسرائيلية. وبحسب الناطق بلسان المجلس المحلي، نجيب الخطيب، فان السكان لن يتركوا باباً إلا وسيطرقونه لمنع تنفيذ القرار مهما كان مضمونه، وأكد من جديد على موقفه: «على جثثنا ستدخل قوات اليونيفيل. لن نسمح لها بالدخول»، واستطرد: «نحن طبعاً لا نريد أيضاً الجيش الإسرائيلي على أرضنا. نريد أن نبقى موحدين. وبالنسبة لنا أفضل الحلول هو تجميد ملف الغجر الى حين بحث ملف الجولان بكامله وإذا حصل ورفضت إسرائيل أو أي طرف ذي صلة ووصلنا الى وضع يتم فيه تنفيذ القرار فسيكون مطلبنا بحل أقل ضرراً لنا هو ضم القرية كلها بسكانها وأراضيها الى لبنان. يعني أن نصبح كلنا تحت السيادة اللبنانية ولكن أن يدخل اليونيفيل ويقسمنا فهذا أمر مرفوض ولن نسمح به». وبحسب الخطيب فان ترويج إسرائيل لتقديم الخدمات المدنية ما هو إلا تصريحات دعائية وقال: «هذا الحديث ينحصر في إطار التصريحات. نحن هنا لا نحصل منذ عام 2000 على الخدمات. القرية كلها تعيش داخل سجن كبير بعد أن أعلن عنها منطقة عسكرية مغلقة. ندخل إليها ونخرج منها بإذن من الجيش وبتفتيش دقيق. الجيش ينتشر في كل مكان. الطلاب والأطفال والنساء وكل مواطن في الغجر يتجول الى جانب بيته وفي حيه والجيش الإسرائيلي يحيط به. وضعنا يتراجع بما لا يمكن تحمله». وأضاف: «إذا كان هناك ما يجب أن يهز أي طرف محلي أو عربي أو دولي فهو وضعنا. وإذا كان هناك ما يجب إثارته اليوم محلياً ودولياً، فهو كيفية إنقاذنا من السجن الكبير الذي نعيشه منذ عام الفين». وماذا ينتظر الغجر؟ السياسة الإسرائيلية لن تتغير... وزارة الخارجية التي تحول إليها الملف لمتابعتها لن تتخذ إجراءات جديدة. فاللجنة موجودة ومدير عام الوزارة يوسي غال سيواصل مهمته التي بدأها منذ عامين. وقوات اليونيفيل، وفق مسؤول إسرائيلي لن تقبل القرار الإسرائيلي بل إن قائدها عرض اقتراحاً ينسف كل ما تم الاتفاق عليه خلال السنتين الفائتتين. عرضه، الذي لم يكشف عن تفاصيله، بحسب الإسرائيليين، يعيد الوضع في هذه المنطقة إلى ما كان عليه قبل حرب تموز عام 2006 الى منطقة التي تشكل «ثغرة أمنية جديدة» حيث لا يشمل ترتيبات أمنية واضحة وحاسمة تمنع دخول عناصر حزب الله إليها من الأراضي اللبنانية، باستثناء التزامات شفهية من قبل قوات الطوارئ الدولية». أما بالنسبة لنتانياهو ومجلسه الوزاري المصغر فسيبقى ملف الغجر «ورقة المراوغة» تظهر الصفة التي تتسم بها سياسة نتانياهو والتي يتنقل عبرها من جهة الى أخرى في شكل غير مفهوم.