_ أحمد صالح ذكر فضيلة إمام وخطيب المسجد النَبَوِيّ الشريف الشيخ الدكتور علي بن عبدالرحمن الحذيفي، في خطبة الْجُمُعَة اليوم، أن سنّة الله تعالى وشريعته جرت بأن يقترن الرجل بالمرأة بعقد النكاح الشرعي ليبنيا بيت الزوجية؛ تَلْبِيَة واستجابة لمطالب الفطرة والغريزة البشرية عن طريق النكاح، فطريق الزواج هو العفاف والبركة، والنماء والطهر، والرزق وصحة القلوب، وامتداد العمر بالذرية الصالحة، وطريق الزنا هو الخبث ومرض القلوب، وفساد الرجل والمرأة، وذل المعصية وآفات الحياة، والذهاب ببركتها والخلل في الأجيال، والعذاب في الآخرة، عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه عن النبي صَلَّى الَّلهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ليلة الإسراء والمعراج: "فيما أَتَى عَلَى قَوْمٍ تُرْضَخُ رُؤُوسهُمْ بِالصَّخْرِ، كُلَّمَا رُضِخَتْ، عَادَتْ كَمَا كَانَتْ لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، فَقَالَ: مَا هَؤُلاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلاءِ الَّذِينَ تَتَثَاقَلُ رُؤوسُهُمْ عَنِ الصَّلاةِ الْمَكْتُوبَةِ، ثُمَّ أَتَى عَلَى قَوْمٍ عَلَى أَقْبَالِهِمْ رِقَاعٌ، وَعَلَى أَدْبَارِهِمْ رِقَاعٌ، يَسْرَحُونَ كَمَا تَسْرَحُ الإِبِلُ وَالنَّعَمُ، وَيَأْكُلُونَ الضَّرِيعَ وَالزَّقُّومَ وَرَضْفَ جَهَنَّمَ وَحِجَارَتَهَا، قَالَ: مَا هَؤُلاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلاءِ الَّذِينَ لا يُؤَدُّونَ صَدَقَاتِ أَمْوَالِهِمْ، وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ شَيْئاً، وَمَا اللَّهُ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ، ثُمَّ أَتَى عَلَى قَوْمٍ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ لَحْمٌ نَضِيجٌ فِي قِدْرٍ، وَلَحْمٌ آخِرُ نيء قَذِرٌ خَبِيثٌ، فَجَعَلُوا يَأْكُلُونَ مِنَ النيء الْخَبِيثِ، وَيَدَعُونَ النَّضِيجَ الطَّيِّبَ، فَقَالَ: مَا هَؤُلاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا الرَّجُلُ مِنْ أُمَّتِكَ تَكُونُ عِنْدَهُ الْمَرْأَةُ الْحَلالُ الطَّيِّبُ، فَيَأْتِي امْرَأَة خَبِيثَةً، فَيَبِيتُ عِنْدَهَا حَتَّى يُصْبِحَ، وَالْمَرْأَةُ تَقُومُ مِنْ عِنْدِ زَوْجِهَا حَلالاً طَيِّباً، فَتَأْتِي رَجُلاً خَبِيثاً، فَتَبِيتُ مَعَهُ حَتَّى تُصْبِحَ". وأَوْضَحَ فضيلته أن الزوجة بيت يحتضن الذرية ويحنو عليهم ويرعاهم ويعلمهم، وأبوةٌ وأمومة تعد الأجيال للقيام بأعباء الحياة ونفعِ المجتمع ورقيه في كل شأن، وتوجه إلى كل خلق كريم وتمنع من كل خلق ذميم وتربي على الصالحات للدار الآخرة والحياةِ الأبدية، ويقتدي الصغير بما يرى فيتأثر بما يشاهد ويسمع حيث لا قدرة له على قراءة التاريخ وأخذ العبرِ منه والقدوة. وذكر فضيلته أن عقد الزواج ميثاق عظيم ورباط قوي وصلة شديدة قَالَ الله تعالى: "وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَاراً فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً ۚ أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبَيِّنَاً * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً" قَالَ المفسرون هو عقد النكاح وهذا العقد اشتمل على مصالح ومنافع للزوجين ومنافع ومصالح للأولاد ومصالح ومنافع لأقرباء الزوجين ومنافع للمجتمع ومصالح للدنيا والآخرة لا تعد ولا تحصى. وَتَابَعَ فضيلته: ونقض هذا العقد وإبطال هذا الميثاق وقطع حبل الزوجية بالطلاق يهدم تلك المصالح والمنافع كلها ويقع الزوج في فتن عظيمة تغره في دينه ودنياه وصحته، وتقع المرأة بالطلاق في الفتن بأشد مِمَّا وقع فيه الزوج ولا تقدر أن تعيد حياتها كما كانت وتعيش في ندامة، لا سيما في هذا الزمان الذي قل فيه الْمُوَافِق لحالها، ويتشرد الأولاد ويواجهون حياة شديدة الوطأة تختلف عما كانت عليه وهم في ظل اجتماع الأبوين فيفقدون كل سعادة تبتهج بها حياتهم ويكونون معرضين للانحراف بأنواعه المختلفة. بل ويتضرر المجتمع بالآثار الضارة التي تلحق الطلاق، ولتعلم مفاسد الطلاق وكثرة أضراره الخَاصَّة والعامة تأمل في حديث جابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه، عن النبي صَلَّى الَّلهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا فَيَقُولُ مَا صَنَعْتَ شَيْئاً قَالَ ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ – قَالَ – فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ نِعْمَ أَنْتَ" . قَالَ الأَعْمَشُ أُرَاهُ قَالَ "فَيَلْتَزِمُهُ" رواه مسلم. وأَوْضَحَ فضيلته أن بعض الناس استخف بالطلاق فاستسهل أمره فوقع في أمور خطيرة وشرور كثيرة، وأَوْقَعَ غيره فيما وقع فيه، وقد كثر الطلاق في هذا الزمان لأسْبَاب كثيرة ومن أكبرها الجهل بأحكامه في الشريعة، وعدم التقيد بالْقُرْآن وَالسُّنَّة، وقد أحاطت الشريعة الإسلامية عقد الزواج بكل رعاية وعناية وحفظته بسياج من المحافظة عليه لئلا يتصدع وينهدم ويتزعزع أمام عواطف الأهواء، وعلى الزوج والزوجة أن يصلحا أمور الخلاف في بدايته لئلا يزداد خلافاً، وعلى الزوجين أن يعرف كل منهما صاحبه فيَأْتِي كل منهما مَا هو أرضى لصاحبه ويجتنب كل منهما ما لا يحب الآخر. وأَوْضَحَ فضيلته أن من أسْبَاب دوام الزواج وسعادته الصبر والتسامح فمرارة صبر قليل يعقبه حلاوة دهر طويل، وما استقبلت المكروهات بمثل الصبر قَالَ الله تعالى: "إنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ"، ومن أسْبَاب دوام الزواج تقويم الزوج مَا اعوج من أَخْلَاق المرأة بما أباحه الشرع وأذن فيه، قَالَ تعالى: "فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ۚ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً". وَأكَّدَ فضيلته أن على القضاة الإصلاح بين الزوجين فيما يرفع إليهم من القضايا حتى يتم الاتفاق وينتهي الطلاق وحق المرأة على الزوج عشرتها بالمعروف وسكنها الذي يصلح لمثلها، والنفقة والكسوة وبذل الخير وكف الأَذَى والضرر عنها، وقد يكون السبب في الطلاق من المرأة لبذاءة لسانها وسوء خلقها وجهلها؛ فعليها أن تقوّم أَخْلَاقها وتطيع زوجها وتبذل جهدها في تربية أولادها التربية الصحيحة، عنْ عبدالرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الَّلهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا صَلَّتْ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا وَصَامَتْ شَهْرَهَا وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَي أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ". وفي الخطبة الثَّانِية، ذكر فضيلته أن الطلاق صار جَارِيَاً على ألسنة بعض الشباب مِنْ دُونَ مراعاة ولا اعتبار لأحد، وقد يقع بتكراره في أزمنة متباعدة أو تكراره في مجلس واحد ثم يتلمس الفتاوى وقد يحتال وقد تغلق عليه الطرق، ويندم ندامة لا تنفعه والله تعالى يقول: "وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ" ومن اتقى الله في طلاقه على الوجه الشرعي جعل الله له مخرجاً، ومن عظم عقد الزوجية ولم يستخف به بارك الله له في زواجه ونال عاقبة حسنة، وبعض أنواع الطلاق الخَاصَّة والحالات يكون الطلاق فيها إثماً كما قَالَ صَلَّى الَّلهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأبي أيوب: "إِنَّ طَلاقَ أُمِّ أَيُّوبَ لَحوبٌ". واختتم فضيلته الخطبة بالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ على أشرف الأنبياء والمرسلين، دَاعِيَاً أن يصلح الله أحوال المسلمين في كل مكان، ويقوي عزائم المستضعفين وينصرهم بنصره، ويتقبّل شُهَدَاءهم، ويشفي مرضاهم، ويحفظهم في أهليهم وأموالهم وذرياتهم، ودعا فضيلته: اللهم فرج كربهم، وارفع ضرهم، وتولى أمرهم، وعجل فرجهم، واجمع كلمتهم يا رب العالمين، اللهم وَفْقَ خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين لما تحب وترضى، واحفظ ولاة أمور المسلمين وأعز بهم الدين، ووفقهم لما فيه خير للإسلام والمسلمين، ولما فيه صلاح البلاد والعباد يا رب العالمين، الله هم تُب علينا واغفر لنا إنك أنت الغفور الرحيم.