من المشتهر جدا عن الملك عبدالعزيز رحمه الله تعالى انه كان كثيراً يقول في دعائه : اللهم إن كنت تعلم أن في عزي عز للإسلام والمسلمين فأعزني وإن كان في عزي هوان للإسلام والمسلمين فأعز من في عزه عز للإسلام والمسلمين . هكذا كان يقول رحمه الله تعالى في دعائه ويبدوا والله أعلم :أنه كان صادقا مع الله تعالى حين تضرع إليه بهذه الكلمات فقد ولدت المملكة العربية السعودية في زمن خلا من دولة تنادي بالإسلام وتحكم بشريعته , حتى الدولة العثمانية التي تأسست على جمع الناس على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم غيرت جلدها واستبدلت الليبرالية بالشريعة حين أجبر حزب الاتحاد والترقي السلطان عبد الحميد على توقيع الدستور تمهيدا لعزله سنة 1909 م وكان هذا الدستور إضافة إلى الفكرة الطورانية التي سكنت أفئدة القادة الاتحاديين سببا رئيسا في تخلي أكثر رعايا هذه الدولة عنها يوم أن كانت في أمس الحاجة إليهم بعد أن انجرت قدماها إلى منزلق الحرب العظمى سنة 1914م حينها بحث حزب الاتحاد والترقي عن الرعايا العرب والكرد والبوشناق وناداهم باسم الإسلام , لكن هذا النداء لم يحقق منفعة تذكر, فإعلان الدستور وحملات التتريك ظلا يذكران الناس كل يوم أن الإسلام ليس سوى ورقة يشتتري الاتحاديون بها دماء شعوبهم ريثما تنتهي الحرب . إذاًَ لم يبق سوى عبد العزيز ينادي صادقا بالإسلام حتى إنه لفرط صدقه نسي أو تناسى ما فعل العثمانيون معه ومع آبائه من قبل فوقف معهم في الحرب العالمية الأولى وقفة قصر عن مجاراتها كل من كان يدعي محبتهم , وذلك حين دفع الإمام عب العزيز إلى قائد الجيش العثماني الرابع أنور باشا أربعة عشر ألف جمل معونة للدولة على حرب قناة السويس التي شنها العثمانيون على الإنجليز . هذا الصدق والله أعلم كان سببا في إجابة الدعوة وتمام النعمة على عبد العزيز وأسرته بأن أعز الله بهم الإسلام في تلك الفترة المظلمة من تاريخ الأمة , فقد كان لهذه الدولة القدح المعلى في تصحيح عقائد المسلمين التي عبثت البدعة والخرافة فيها سنين طوالا , وأعادت إلى الإسلام ما تميز به من يسر العقيدة بعد أن جعلتها الخرافة في كثير من بلاد الإسلام أعسر من عقيدة النصارى في المسيح , كما أعادت إلى السلف الصالح مكانتهم في القدوة بعد أن انقسم المسلمون فيهم بين محب لهم جاف لعملهم , ومبغض لهم ولما كانوا يعملون . قدم الملك عبد العزيز نفسه للعالم مسلما سلفيا عربيا فخورا بجميع تراثه , لم يشعر بشيء من النقص وهو يقابل زعماء العالم بلباسه التراثي ولهجته الصحراوية مقدما نفسه لسدنة السياسة العالمية على أنه قادم من أعماق التاريخ بفهم يخصه لما يجب عليه تجاه العالم وتجاه أمته , لا يستوحيه من ثقافة الغرب ولا يتنازل عنه من أجل المستعمر . يقول رحمه الله : (فالواجب على كل مسلم وعربي، فخور بدينه، معتز بعربيته، ألا يخالف مبادئه الدينية، وما أمر به الله تعالى، بالقيام به لتدبير المعاد والمعاش، والعمل على كل ما فيه الخير لبلاده ووطنه، فالرقي الحقيقي هو بصدق العزيمة، والعلم الصحيح، والسير على الأخلاق الكريمة، والانصراف عن الرذيلة، وكل ما من شأنه أن يمس الدين، والسمت العربي، والمروءة، وأن يتبع طرائق آبائه وأجداده، الذين أتوا بأعاظم الأمور باتباعهم أوامر الشريعة، التي تحث على عبادة الله وحده، وإخلاص النية في العمل، وأن يعرف حق المعرفة معنى ربه، ومعنى الإسلام وعظمته، وما جاء به نبينا: ذلك البطل الكريم والعظيم من التعاليم القيمة التي تُسعد الإنسان في الدارين، وتُعلمُه أن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، وأن يقوم بأمر عائلته، ويصلح من شأنها، ويتذوق ثمرة عمله الشريف، فإذا عمل، فقد قام بواجبه، وخدم وطنه وبلاده) قدم عبد العزيز نفسه للعالم كما هو وكما يريد في زمن تساقط الزعماء من حوله وهم يقدمون أنفسهم كما هو غيرهم وكما يريد منهم الأقوياء . يقول رحمه الله أنا مسلم عربي،رأست قومي بعد مصاعب طويلة،ولا فخر في ذلك،وتسير الآن ورائي جيوش،وهؤلاء هم جنود التوحيد إخوان من أطاع الله،يقاتلون ويجاهدون في سبيل الله.ولا يريدون من وراء ذلك إلا إرضاء الباري جل وعلا،وأن هذه القوه هي موقوفة لتأييد الشريعة ونصرة الإسلام في الديار التي ولاني الله أمرها،أعادي من عادى الله ورسوله،وأصالح فيها من لا يعادينا ولا ينالنا بسوء،وإنني وجندي جنود في سبيل جعل كلمه الله هي العليا ودينه هو الظاهر ( هذه العزة في سلوك الملك رحمه الله كانت على رأس عوامل عدة أكسبت شعبه مناعة ضد التغريب لم نجد لها نظيرا في العالم الإسلامي بأسره , مما جعل الشعب السعودي مميزا في كل شئ بدءا من لباسه وانتهاء بمعتقده مرورا بسلوكه وعاداته وتكوينه الأسري والاجتماعي بل ومميزا حتى في عباداته . وقف الملك عبد العزيز منذ أعلن رسميا عن دولته عام 1351ه وحتى وفاته عام 1373ه وراء الأنظمة المؤسسة لهذه الدولة ليجعل منها حصنا للإسلام كما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم في حين كان قبل نشوئها يشكوا مرارة الغربة فلا دار ولا قرار حتى مكن الله لهذا القائد فجعل من الخليج والبحر خندقان يعيش بينهما الإسلام شرعة ومنهاجا . إذاَ فقد تأسست المملكة العربية السعودية على أساس أنها دولة إسلامية , هذا ما يقوله التاريخ , بل هو ما يقوله جميع أبناء الملك عبد العزيز الذين تولوا الملك من بعده ابتداء من الملك سعود وحتى خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله الذي لا يزال يردد في كل مناسبة أن مرجعيته هي الكتاب والسنة , وكذلك أبناؤه الآخرون الذين سمعت عن بعضهم أنه ما زال يردد دعاء والده الذي صدرت به هذا المقال . نعم : هناك أخطاء وتجاوزات حدثت وما زالت تحدث للنظام الإسلامي , لكنها في المجموع لا تخرج الدولة من مشروعها الأساس وهو الإسلام و لأنها كثرت أم قلت لا تشكل منهجا للدولة ولا تأتي من استحلال للمنكر والبغي , وأسوأ أحوالها أن تكون من جنس المعاصي التي تقع فيها الدول كما يقع فيها الأفراد . هكذا كنت أفهم ولا زلت أفهم هكذا وآمل أن أضل على هذا الفهم , فحين يقول أحد دعاة الفضيلة : إن الحكم لنا , أو أننا نحن السلطة فقد صدق , لأن الدولة تحكم بكتاب الله وسنة رسوله وفق المنهج السلفي الذي أكد عليه الملك عبد العزيز في أكثر من مناسبة ومن ذلك قوله : (أنا أدعو لدين الإسلام ، ولنشره بين الأقوام ، و أنا داعية لعقيدة السلف الصالح و عقيدة السلف الصالح هي التمسك بكتاب الله ، و سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ) ولهذا لن تكون الليبرالية في المملكة إلا مولودا خديجاً جاء نتيجة سفاح ثقافي أوجده نظام العولمة المفروض على العالم بأسره قسرا , وسوف يموت هذا المولود بعد عمر قصير إن شاء الله لأن ظروف البقاء ليست متاحة له , ومن أجمل ما قرأت للملك الراحل يرحمه الله هذه الكلمة التي أختم بها (أنا ترعرعت في البادية .. فلا أعرف أصول الكلام و تزويقه .. و لكن أعرف الحقيقة عارية من كل تزويق .. إن فخرنا و عزنا بالإسلام ). محمد بن إبراهيم السعيدي