سلمان بن سلطان يرعى أعمال «منتدى المدينة للاستثمار»    استعراض أعمال «جوازات تبوك»    أمير نجران يدشن مركز القبول الموحد    المملكة تستضيف اجتماع وزراء الأمن السيبراني العرب.. اليوم    تباطؤ النمو الصيني يثقل كاهل توقعات الطلب العالمي على النفط    البنوك السعودية تحذر من عمليات احتيال بانتحال صفات مؤسسات وشخصيات    توجه أميركي لتقليص الأصول الصينية    إسرائيل تتعمد قتل المرضى والطواقم الطبية في غزة    الجيش الأميركي يقصف أهدافاً حوثيةً في اليمن    المملكة تؤكد حرصها على أمن واستقرار السودان    أمير الشرقية يرعى ورشة «تنامي» الرقمية    كأس العالم ورسم ملامح المستقبل    رئيس جامعة الباحة يتفقد التنمية الرقمية    متعب بن مشعل يطلق ملتقى «لجان المسؤولية الاجتماعية»    وزير العدل: نمر بنقلة تاريخية تشريعية وقانونية يقودها ولي العهد    اختتام معرض الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي    دروب المملكة.. إحياء العلاقة بين الإنسان والبيئة    ضيوف الملك من أوروبا يزورون معالم المدينة    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    «سلمان للإغاثة»: تقديم العلاج ل 10,815 لاجئاً سورياً في عرسال    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    ماغي بوغصن.. أفضل ممثلة في «الموريكس دور»    متحف طارق عبدالحكيم يحتفل بذكرى تأسيسه.. هل كان عامه الأول مقنعاً ؟    الجاسر: حلول مبتكرة لمواكبة تطورات الرقمنة في وزارة النقل    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    أجسام طائرة تحير الأمريكيين    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    مشيدًا بدعم القيادة لترسيخ العدالة.. د. الصمعاني: المملكة حققت نقلة تشريعية وقانونية تاريخية يقودها سمو ولي العهد    مترو الرياض    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    إن لم تكن معي    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    المشاهير وجمع التبرعات بين استغلال الثقة وتعزيز الشفافية    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل سفير جمهورية الصين لدى المملكة    الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في كتاب إدارة التوحش
نشر في أنباؤكم يوم 22 - 05 - 2009


نقد للحركيين في المنهج المتوحش والتأصيل والاستدلال
بقلم : د. عبد الله بن ثاني - موقع السكينة
حينما أعلنت وزارة الداخلية العثور على كتاب إدارة التوحش لأبي بكر ناجي (وأظنه اسما مستعاراً) الصيف الماضي ضمن مجموعة من الوثائق في يد مجموعات حركية استوقفني العنوان المدهش والمتوحش، فأحببت الاطلاع على مضمونه وبخاصة أنه منتشر في أيدي الحركيين وكان ذلك وعلى الرغم من مضي هذه الفترة لم نجر رداً لعالم أو هيئة أو جهة على ما في هذا الكتاب...
من اختطاف لمصطلحات إسلامية ومغالطات عقدية وقواعد حركية أثارت الاهتمام العالمي ومنها وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) وترجم إلى لغات عدة، وهو منشور في مواقع حركية ليكون جزءاً من الحرب الإلكترونية التي توجه اتباع التيار الحركي في مواجهاته سعيا إلى استقطاب مزيد من الشباب الجدد ليصلوا بالمجتمعات إلى حالة الفوضى والاضطراب، قال ناجي: (جر الشعوب إلى معركة بحيث يحدث بين الناس كل الناس استقطاب..) ليصلوا بالمجتمعات إلى التوحش ثم يديرونها على طريقتهم بعد نشر العنف والدماء والقتل والتدمير والوحشية في المجتمع المسلم قبل غيره تحت مبدأ (الدم الدم والهدم الهدم) كما جاء في الفصل الخامس من تحقيق الشوكة (ص 34) وهذا القول جواب رسول الله للأنصار حينما قالوا إن نحن فعلنا ذلك ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا؟ قال «فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال بل الدم الدم والهدم الهدم، أنا منكم وأنتم مني، أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم» وهذا القول لرسول الله صلى الله عليه وسلم للأنصار في مقابلة الكفار واليهود وغير المسلمين ولكن الحركيين طبقوا هذا ونزلوه على المؤمنين كما فعل الخوارج إذ أخرج البخاري في صحيحه معلقا 6-9352 باب قتل الخوارج والملحدين بعد إقامة الحجة عليهم وقول الله تعالى: âوَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَá، كان بن عمر رضي الله عنهما يراهم شرار خلق الله وقال إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين في صورة تسعى بالعالم إلى الفناء الحضاري من خلال الحرب على النفط والاقتصاد، قال ناجي: (إن الضعف الاقتصادي الناشئ عن تكاليف الحرب أو الناشئ عن توجيه ضربات النكاية مباشرة إلى الاقتصاد هو أهم عوالم الفناء الحضاري) وهذا أشار إليه بيان وزارة الداخلية الذي أكد أن تلك المجموعات المقبوض عليها كانت تخطط لاستهداف المنشآت النفطية في شرق الوطن فضلاً على انتشار القرصنة واختطاف السفن واستهدافها في اليمن والصومال والبحار والمحيطات، ولا شك أن تلك الصورة هي أبعد ما تكون عن نهج النبي صلى الله عليه وسلم الرحمة المهداة للبشرية جمعاء وصحابته والسلف الصالح، صورة شوهاء تكمل ما رسمته كتب الحركات الأصولية في فترة الستينات من نمط صعب ونمط مخيف ابتداء بمقدمة تعبوية تعتمد على لغة التصعيد مع الآخر والشحن النفسي للعاطفيين من فئة شباب الأمة ليكونوا وقوداً لحروب خاسرة، وهناك وقفات موضوعية تتلخص في نقد مضمون الكتاب كما يلي:
1 - ذكر ناجي في المقدمة (ص1) أن بعض الشباب اتبع المنهج الحركي (السلفية الجهادية كما يزعم) بسبب الحيرة التي أصابته من تعدد المشاريع لحل قضية حسمت حلها النصوص الشرعية في أعين النابهين على الأقل فقال: (من كل تيارات الحركة الإسلامية لم يضع مشاريع مكتوبة إلا خمسة تيارات فبعد إخراج تيار التبليغ والدعوة وتيار سلفية التصفية والتربية (السلفية الصوفية) وتيار سلفية ولاة الأمر وغيرهم سنجد أن التيارات التي وضعت مشاريع مكتوبة وتصلح للنقاش لما لها من واقع عملي، هي خمسة تيارات: وذكر منها: تيار السلفية الجهادية، وتيار سلفية الصحوة ولا بد من وقفات أمام هذا النص:
أ - الخلط الواضح في مفهوم السلفية، حتى ظنها ناجي ومن يحطب في حباله مصطحباً لجماعة حزبية تقابل التنظيمات السرية التي ذكرها وإنما هي في الحقيقة منهج حياة وعقيدة أهل السنة والجماعة وأهل الأثر والحديث والفرقة الناجية والطائفة المنصورة وأهل الاتباع، وقد جاء في فتاوى اللجنة الدائمة رقم (6149) (2-164).
س: أريد تفسيراً لكلمة السلف ومن هم السلفيون؟
ج- السلف هم أهل السنة والجماعة المتبعون لمحمد صلى الله عليه وسلم من الصحابة رضي الله عنهم ومن سار على نهجهم إلى يوم القيامة، ولما سئل صلى الله عليه وسلم عن الفرقة الناجية قال: «هم من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي..» وجاء في الفتوى رقم (1361) (1-165):
س: ما هي السلفية وما رأيكم فيها؟
ج: السلفية نسبة إلى السلف والسلف هم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأئمة الهدى من أهل القرون الثلاثة الأولى -رضي الله عنهم- الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخير في قوله: «خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يجيء أقوام تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته» رواه الإمام أحمد في مسنده والبخاري ومسلم، والسلفيون جمع سلفي نسبة إلى السلف، وقد تقدم معناه وهم الذين ساروا على منهاج السلف من اتباع الكتاب والسنة والدعوة إليهما والعمل بهما فكانوا بذلك أهل السنة والجماعة، وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم).
وهذا الخلط والتشويه افتراء يقصده بعضهم تحقيقاً لأهداف لا تخفى على كل ذي لب فقالوا إنها لم يمض عليها إلا عقود معدودة من الزمن، ويزعم بعضهم أن مؤسس هذه الدعوة هو شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - وكأنها لم تعرف قبله، كما جاء في كتاب الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة ص(273)، وما هو إلا داعية من دعاتها ومجدد من مجدديها، قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - (فنحن والحمد لله متبعون غير مبتدعين، مقلدون للكتاب والسنة وصالح سلف الأمة على مذهب أهل السنة والجماعة الذي هو أمر الله ورسوله). (عقيدة الشيخ محمد عبد الوهاب السلفية للشيخ صالح العبود ص 220).
ويقول الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب (مذهبنا في أصول الدين مذهب أهل السنة والجماعة، وطريقتنا طريقة السلف التي هي الطريق الأسلم بل والأعلم والأحكم خلافاً لما قال: طريق الخلف أعلم) (الدرر السنية 1-126).
فالسلفي من لزم الكتاب والسنة على فهم السلف الصالح الذين رضي بالانتساب إليهم، وهم ورثة النبي صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان ومن تبعهم من أئمة الدين والهدى، ولذلك لا يطلق هذا المصطلح على الخوارج والمعتزلة ومن سار على نهجهم من التنظيمات والأحزاب في التكفير والخروج، وخير رد على ناجي قول شيخ الإسلام بن تيمية - رحمه الله - في الفتاوى ج(4-149) في رده على قول العز بن عبد السلام: (والآخر يتستر بمذهب السلف)، قال: (لا عيب على من أظهر مذهب السلف وانتسب إليه واعتزى إليه، بل يجب قبول ذلك منه بالاتفاق، فإن مذهب السلف لا يكون إلا حقاً، فإن كان موافقاً له في الظاهر فقط دون الباطن فهو بمنزلة المنافق، فتقبل منه علانيته وتوكل سريرته إلى الله، فإنا لم نؤمر أن ننقب عن قلوب الناس ولا نشق بطونهم)، وقال في الفتوى الحموية ص(34): (واعلم أنه ليس في العقل الصريح ولا في شيء من النقل الصحيح ما يوجب مخالفة الطريقة السلفية أصلا).
ب - هذا المنهج الحركي المتمثل ب(تنظيم القاعدة) الذي يدعي السلفية ويدعي ناجي أنه حسم الحيرة في ذهن الشباب بسبب اعتماده على النصوص الشرعية كذب وافتراء على تلك النصوص وفهمها على غير واقعها وتنزيلها على غير أهلها وما هو إلا إعادة ترتيب للصفوف في حروب طويلة من خلال إدارة التوحش، ليحصلوا على الشرعية والتعاطف من العوام على إرهابهم وعنفهم وتكفيرهم وتسويق تلك الرؤى والأفكار العنيفة من البوابة الدينية، ومسمى السلفية الجهادية قرارا من الصورة السلبية المرسومة في أذهان الناس عن تنظيم القاعدة الذي يكفيه فساداً وتشويها أنه يحارب هذه الدولة السعودية بولاة أمرها وعلمائها ومؤسساتها وهي دولة سلفية ودعوتها سلفية كما نص على ذلك مؤسس دورها الثالث - على أساسها الأصل - قال المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود - رحمه الله - في الخطاب الذي ألقاه في منى خلال موسم الحج للعام 1365ه وذلك في اليوم العاشر من ذي الحجة: إنني رجل سلفي، وعقيدتي هي السلفية التي أمشي بمقتضاها على الكتاب والسنة وقال في الخطاب نفسه: (يقولون إننا وهابية) والحقيقة أننا سلفيون محافظون على ديننا, ونتبع كتاب الله وسنة رسوله، ولقد صدق القائل: فليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب) (المصحف والسيف ص 135 - 136).
وقال في خطاب أرسله إلى أبي يسار الدمشقي وناصر الدين الحجازي: (وهذه هدية نهديها إليكم من كلام علماء المسلمين وبيان ما نحن ومشايخنا عليه من الطريقة المحمدية والعقيدة السلفية ليتبين لكم حقيقة ما نحن عليه وما ندعو إليه، نحن وسلفنا الماضون. نسأل الله لنا ولكم التوفيق والهداية، لأقوم منهج وطريق، والسلام. (الدرر السنية 1-303-305).
وقال: (أنا داعية لعقيدة السلف الصالح. وعقيدة السلف الصالح هي التمسك بكتاب الله وسنة رسوله وما جاء عن الخلفاء الراشدين، أما ما كان غير موجود فيها، فأرجع بشأنه إلى أقوال الأئمة الأربعة فآخذ منها ما فيه صلاح للمسلمين). وقال - رحمه الله - في خطبة له بمكة (يسموننا بالوهابيين، ويسمون مذهبنا بالوهابي باعتبار أنه مذهب خاص، وهذا خطأ فاحش، نشأ عن الدعاية الكاذبة التي كان يبثها أهل الأغراض. نحن لسنا أصحاب مذهب جديد، أو عقيدة جديدة، ولم يأت محمد بن عبد الوهاب بالجديد، فعقيدتنا هي عقيدة السلف الصالح التي جاءت في كتاب الله وسنة رسوله وما كان عليه السلف الصالح... نحن نحترم الأئمة الأربعة، ولا فرق بين الأئمة مالك والشافعي وأحمد وأبي حنيفة، كلهم محترمون في نظرنا) (الوجيز في سيرة الملك عبد العزيز للزركلي ص 214)، وقال عند الشيخ أحمد شاكر في مقدمة عمدة التفسير (1-7) (إمام أهل السنة، ومحيي مذهب السلف، وباعث النهضة الإسلامية..).
ج3 - تيار سلفية ولاة الأمر الذي نص عليه ناجي لم يعرف في الواقع المعاصر، والإضافة ليست سبة ونقصاً بل إضافة تشريف واعتقاد ولعله يقصد به من يرى شرعية ولي الأمر، وهذا لا يسمى تياراً أو حزباً بل هو منهج وعقيدة إذ يجب على كل مسلم وبخاصة في هذه البلاد التي تحكم بشرع الله طاعة ولي الأمر في غير معصية الخالق، ولا يرى السلفي عصمتهم بل يقدم لهم النصح والإرشاد سراً حفاظاً على هيبة الدولة وولي أمرها من الغوغاء والدهماء والسفهاء تمسكاً بالنصوص الشرعية التي تؤكد ذلك ومن أهمها: نقل ابن حجر رحمه الله الإجماع على عدم جواز الخروج على السلطان الظالم: فقال قال ابن بطال (وفي الحديث حجة على ترك الخروج على السلطان ولو جار وقد اجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه وأن طاعته خير من الخروج عليه لما في ذلك من حقن الدماء وتسكين الدهماء) فتح الباري 13-7، ونقل الإمام النووي -رحمه الله- الإجماع على ذلك فقال في (وأما الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين وإن كانوا فسقة ظالمين وقد تظاهرت الأحاديث على ما ذكرته وأجمع أهل السنة أنه لا ينعزل السلطان بالفسق...) شرح النووي 12-229.
قال الرسول صلى الله عليه وسلم (من أطاعني فقد أطاع الله ومن يعصني فقد عصا الله ومن يطع أميري فقد أطاعني ومن يعص أميري فقد عصاني) رواه مسلم. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «عليك السمع والطاعة في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك وأثرة عليك» رواه مسلم (1836). قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله -: (فطاعة الله ورسوله واجبة على كل أحد، وطاعة ولاة الأمور واجبة لأمر الله بطاعتهم، فمن أطاع الله ورسوله بطاعة ولاة الأمور لله فأجره على الله ومن كان لا يطيعهم إلا لما يأخذه من الولاية فإن أعطوه أطاعهم وإن منعوه عصاهم، فما له في الآخرة من خلاق، وقد روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: رجل على فضل ماء بالفلاة يمنعه من ابن السبيل، ورجل بايع رجلاً سلعة بعد العصر فحلف له بالله لأخذها بكذا وكذا فصدقه وهو غير ذلك ورجل بايع إماماً لا يبايعه إلا لدنيا، فإن أعطاه منها وفا وإن لم يعطه منها لم يف» الفتاوى (35-16-17) وقال أبو جعفر الطحاوي (ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا ولا ندعو عليهم ولا ننزع يداً من طاعتهم ونرى طاعتهم من طاعة الله عز وجل فريضة ما لم يأمروا بمعصية وندعو لهم بالصلاح والمعافاة). وقال الشيخ أبو محمد عبد الله بن أبي زيد القيرواني (والطاعة لأئمة المسلمين من ولاة أمورهم وعلمائهم وأتباع السلف الصالح واقتفاء آثارهم والاستغفار لهم)، وقال الإمام أحمد بن محمد بن حنبل (والسمع والطاعة للأئمة وأمير المؤمنين البر والفاجر ومن ولي الخلافة فاجتمع الناس عليه ورضوا به) وقال ابن قدامة (ومن السنة السمع والطاعة لأئمة المسلمين أمراء المؤمنين برهم وفاجرهم ما لم يأمروا بمعصية الله)، وقد استدلوا بأدلة كثيرة ليس هذا المقام سردها.
الحياديّة .. استقطاب حركي والاستقطاب خيانة
ومن ثم لابد من الوقوف على سؤالين مرتبطين بفهم أبواب الكتاب:
1- ما علاقة نشر التوحش في مجتمعاتنا الإسلامية بالفوضى الخلاقة التي طرحت بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، والتأكيد على أن هذه التنظيمات الحركية السرية تطل في كل أزمة لتؤدي دورا بامتياز للقوى الأخرى من حيث لا تشعر؟
2- لماذا يعد التنظيم من يلتزم الحياد في المواجهات مع الدول من الفئة الثانية ممن نجح معهم الاستقطاب؟ ومما يعيننا عن جواب السؤال الأول فهم الفوضى الخلاقة (المنظمة) التي طرحت للمساعدة في تغيير واقع العالم الإسلامي بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر لتتناول الدين والثقافة والأخلاق وتعتمد عليها بمنهجية وبرامج (منظمة).. تخلق (الفوضى) في الواقع كرغبة وتوجه للتغيير والتطوير، في العقول، وأنماط التفكير، والتوجهات الاجتماعية والسياسية والثقافية لتسود الفوضى في كل مكان وركن ذاتي وعام، ليتم بعدها (لملمة الخيوط) وخلق نظام جديد من هذه الفوضى السائدة والمنتشرة والرضا بأي مخلص تنتهي على يده الفوضى ومثل هذا يسعى إليه المتوحشون، قال ناجي ص 7: وعوامل انهيار هذا الكيان عديدة تتلخص في عبارة (عوامل الفناء الحضاري) مثل الفساد العقدي والانهيار الخلقي والمظالم الاجتماعية والترف والأنانية وتقديم الملذات وحب الدنيا على كل القيم.. وقال أيضا: إن الضعف الاقتصادي الناشئ عن تكاليف الحرب أو الناشئ عن توجيه ضربات النكاية مباشرة إلى الاقتصاد (البترول) هو أهم عوامل الفناء الحضاري.. وقال أيضا ص 19( ينبغي علينا ضرب جميع أنواع الأهداف الجائز ضربها شرعا إلا أننا يجب أن نركز على الأهداف الاقتصادية وخاصة البترول..) ومن ينعم النظر ويمعن الفكر يجد أن من أهم أدوات الفوضى الخلاقة التي بدأت تعمل معاولها الصلدة على أرض الواقع نشر الثقافة القبلية المقززة والعصبيات الطائفية وتفكيك النسيج الوطني عن طريق توزيع الولاءات للأقاليم والقبائل والطوائف وتعميم ثقافة التخلف ويجد مثل هذه السياسة في المقابل على يد رموز تنظيم القاعدة الذين يؤججون الصراع الطائفي ضد الشيعة في العراق ثم يؤيدون حزب الله في لبنان في صورة متناقضة تؤكد عدم وضوح الرؤية الشرعية، ويدرك ناجي مؤلف إدارة التوحش والقوى التي طرحت الفوضى الخلاقة أن الحاجز الرئيس أمام تحقيق مشروعات كهذه في المجتمعات الإسلامية تنمية الوطنية ومفهومها في نفوس المواطنين، ولذلك لا يجد حرجا من الضرب على هذا الوتر حينما ينقل قول الشيخ العلامة (بزعمه) عمر محمود أبو عمر فك الله أسره على حد زعمه (وهنا لابد من التنبيه على ضلال دعوة بعض قادة الحركات المهترئة بوجوب الحفاظ على النسيج الوطني أو اللحمة الوطنية أو الوحدة الوطنية، فعلاوة على أن هذا القول فيه شبهة الوطنية الكافرة، إلا أنه يدل على أنهم لم يفهموا قط الطريقة السننية لسقوط الحضارات وبنائها. وأما الجواب عن السؤال الآخر فنبدأ به من فهم مصطلح الاستقطاب قال ناجي: جر الشعوب إلى معركة بحيث يحدث بين الناس كل الناس استقطاب، فيذهب فريق منهم إلى جانب أهل الحق وفريق إلى جانب أهل الباطل ويتبقى فريق ثالث محايد ينتظر نتيجة المعركة لينضم للمنتصر، وعلينا جذب تعاطف هذا الفريق وجعله يتمنى انتصار أهل الإيمان (كما يزعم)، خاصة أنه قد يكون لهذا الفريق دور حاسم في المراحل الأخيرة من المعركة الحالية، وحينما نفحص واقعنا بموضوعية وتجرد نجد أن المحايدين كثير من حيث لا يشعرون وبخاصة في ظل نشر ثقافة أن الذي يحارب هذا الفكر ممن يؤمن بالتصنيف ويثير الفتنة وبناء عليه يتم إقصاؤه وإبعاده بطريقة لا تخلو من دهاء حزبي وذكاء حركي يحتم علينا مراجعة دقيقة لمعايير الولاء الصريح والكفاءة الحقيقية، وليس على ما يبدو أنه ولاء، بل إننا نجد أنفسنا أمام تيارات باطنية تتقلب وتتلون حتى اختلط علينا الصدق بالكذب فتشجب وتستنكر ما تؤمن به في شيفرات يفهمها الأتباع جيدا حتى قال صلاح الصاوي في كتابه الثوابت والمتغيرات ص 265: هذا ولا يبعد القول بأن مصلحة العمل الإسلامي قد تقتضي أن يقوم فريق من رجاله ببعض هذه الأعمال الجهادية ويظهر النكير عليها آخرون، ولا يبعد تحقيق ذلك عمليا إذا بلغ العمل الإسلامي مرحلة من الرشد، أمكنه معه أن يتفق على الترخيص في شيء من ذلك ترجيحا لمصلحة استمرار رسالة الإسلاميين في هذه المجالس (مناصب الحكومة) بغير تشويش ولا إثارة والأخطر من ذلك دخولهم في تلك المجالس بباطنيتهم ونفاقهم وولائهم المزيف تحت مبدأ التصالح والاحتواء مع أن كثيرا من فقهاء الإسلام ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية تكلموا في مسألة تمكين هؤلاء إذ لا ثقة بمن كان منهجه التقية والباطنية. أن الحيادية في التحذير من هذا الفكر والتستر على أتباعه لا تقبل من بعض الدعاة والأئمة والخطباء والمدرسين والإعلاميين وشيوخ القبائل وعمد الأسر والمسؤولين على السواء بحجة أنه من مسؤولية الجهات الأمنية لأن القضية قضية مجتمع وكل مواطن شريف هو رجل أمن ابتداء مع ضرورة تحرير المصطلحات وتحديد مفهومها حتى لا تختلط الأوراق وتلتبس على الأحداث، ومن ذلك استعمال مصطلح (الحرابة) بدل (الإرهاب)، وبخاصة أن الحركيين يفرحون بإطلاق أي مصطلح إسلامي عليهم وعلى فعلهم كالسلفية الجهادية مثلا تسويغا لمشروعهم عند الدهماء والغوغاء وعامة الناس، ويستدلون بقوله تعالى âترهبون به عدو اللهá والصواب أن ما يفعلونه حرابة واعتداء، والحرابة هي خروج طائفة مسلحة في دار الإسلام لإحداث الفوضى وسفك الدماء وسلب الأموال والاعتداء على الأعراض وترويع للآمنين، والحكم الشرعي للحرابة ثابت ومعروف وبخاصة أن ولي الأمر قد طلب منهم التوبة وتسليم أنفسهم وهذه يفسره قوله تعالى: âإِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌá (34) سورة المائدة. وفي مقابل ذلك نجح المسؤولون بإطلاق مصطلح الفئة الضالة على هؤلاء لأنهم يقاتلون ويروعون ويتوحشون بلا تأويل سائغ بدل مصطلح الخوارج والبغاة الذين يقاتلون بتأويل سائغ، ويمكن رصد عدد من الملحوظات المهمة في التمهيد، المبحث الموسوم ب(النظام الذي يدير العالم منذ حقبة سايكس بيكو ص 5-10): 1- التباكي على سقوط الخلافة العثمانية بذكاء يشحذ همم الشباب الأحداث لعودة الخلافة عن طريق الثورات والتخريب والتفجير والبغي وتفسير موقف الإمام عبد العزيز منها على غير هدى، وهذه شنشنة نعرفها من أخزم، روج لها الحركيون لتسويغ توحشهم وخروجهم مع أن الفرق بين حالة العالم الإسلامي في تلك الفترة تختلف عن حاله في هذه الفترة التي لا يقبل الحق فيها تزييفا أو تسويغا، ولو فحصنا بموضوعية تلك الحقبة من تاريخ الإسلام لأدركنا ما يلي:
أ- أن الخلافة العثمانية التي كانت تنشر البدع وخرافات القبور والأضرحة بالأدلة الوثائق وإرسالها جيوش محمد علي باشا للقضاء على دعوة التوحيد في (الجزيرة) واعتقال أئمة الدعوة السلفية وسجنهم في مصر والأستانة كانت ضعيفة حتى سميت بالرجل المريض قبل تأسيس الملك عبد العزيز ناصر التوحيد والسنة للدولة السعودية الثالثة بدخوله الرياض عام 1902، وبعد ذلك بست سنوات في عام 1908م - 1326ه، تهدمت فيه حقيقة الخلافة الإسلامية المتمثلة بالخلافة العثمانية، على يد بعض الجمعيات العلمانية بحركات ضد السلطان عبد الحميد، تحت أسماء مختلفة أهمها حركة تركيا الفتاة، وحركة حزب الاتحاد والترقي ولا يمكن لمسلم موحد مثل الإمام أن يتبع هذه الحركات والأحزاب الكافرة وهؤلاء العلمانيين.. وتمكنت هذه الجمعيات أخيرا من الثورة سنة 1326ه وإسقاط السلطان عبد الحميد 1327ه ووقف أتاتورك يقول وهو يفتتح جلسة البرلمان التركي عام 1923م (نحن الآن في القرن العشرين لا نستطيع أن نسير وراء كتاب تشريع يبحث عن التين والزيتون)، ومما يؤكد ضعف السلطان العثماني إرغام العلمانيين منذ وقت مبكر السلطان على الوقوف مع ألمانيا بدليل بعض وثائق الحرب العالمية الأولى عام 1914م ومن أهمها وثيقة في 14 أيلول: اطلب من ستوزر أن يرسل من قبلي رسولا سريا يجري اختياره بحذر إلى الشريف عبد الله للتأكد هل سيقف هو ووالده وعرب الحجاز إلى جانبنا أو سيكون ضدنا فيما إذا تمكن النفوذ الألماني المسلح في إسطنبول من إرغام السلطان رغم إرادته وإرغام الباب العالي للقيام بأعمال عدوانية وحربية معادية لبريطانيا العظمى. ب- كانت السيطرة في وسط (الجزيرة) لبعض الأسر والقبائل، وأما الأطراف فكانت تحت وصايات بريطانيا ومندوبيها ولا أدل على معاهدتها العسكرية عام 1318ه قبل فتح الرياض بسنة مع حكومات خليجية، وكان الإمام يراقب ذلك بحذر. ج- أدرك الإمام عبدا لعزيز أهمية السياسة والدهاء في الاستفادة من جميع الأطراف، ولم يختر عداوة العثمانيين إذ اعترف العثمانيون بضمه الأحشاء والقطيف وتصالحوا على شروط ومنحوه الوسام المجيدي من الدرجة الأولى عام 1914 وتجاهل الثورة العربية الكبرى في مايو عام 1916م التي أعلنها الشريف حسين الذي وعدته بريطانيا أن يكون ملكا على العرب بل إنه رفض طلب بريطانيا على لسان السير برسي كوكس في أواخر عام 1916م مساعدته ليكون خليفة على المسلمين محتجا أن الخلافة الإسلامية لا تقررها بريطانيا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.