لم يكن مستغرباً على خادم الحرمين الشريفين تقديره للعلماء وإصداره أوامره الكريمة باحترامهم وعدم النيل منهم أو التقليل من شأنهم بأي شكل من الأشكال؛ وذلك لأن هذه الدولة المباركة المملكة العربية السعودية قد تأسست على العلم منذ نشأتها الأولى على يد الإمام محمد بن سعود رحمه الله تعالى ثم على يد الإمام فيصل بن تركي في الدولة السعودية الثانية ثم على يد الملك الصالح والإمام العادل وداعية التوحيد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل آل سعود مؤسس الدولة السعودية الثالثة الذي لا تكاد تخلو مناسبة من المناسبات التي يحضرها إلا وهو يؤكّد أنه داعية للتوحيد وأنه أحد الجنود المخلصين لهذه العقيدة، حتى إنه كان يقسم بالله فيقول: والله وبالله وتالله إنني أنا وأبنائي وكل آل سعود فداء كلمة التوحيد لا إله إلا الله محمد رسول الله، ويقول رحمه الله: أنا داعية أدعو إلى عقيدة السلف الصالح وعقيدة السلف الصالح هي التمسك بكتاب الله وسنَّة رسوله وما جاء عن الخلفاء الراشدين، وقد صدق - رحمه الله- فقد جاهد بنفسه وبذل ماله وضحى بوقته وكل ما يملك في سبيل إعلاء كلمة لا إله إلا الله وتحقق له ما أراد فأصبحت راية التوحيد خفاقة بلا إله إلا الله محمد رسول الله، وكان الملك عبد العزيز - رحمه الله- يجلّ العلماء والمشايخ ويقدّرهم ويحذّر من يتعرّض لهم بالعقاب الشديد فيقول: بلغني أن أناساً يعترضون على مشايخنا وعلمائنا، فأما نحن ومشايخنا فلا عندنا شك في ديننا ولا حول ولا قوة إلا بالله، أما الآن فالإنسان الذي عنده نصيحة ويرى خللاً في الولاية ويريد مناصحة للمشايخ وهو كفء لذلك باعتقاده وعقله فيرفع الأمر إلينا وإليهم، والدين النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، وبحول الله يرى ما يسّره ونعينه على ما يوافق الشريعة المحمدية نحن ومشايخنا. وأما الذي ما قصده إلا كلمة حق يريد بها باطلاً فهو شيطان مارد منافق مقموع ويتكلم بكلام يشبه به على العوام، فيثبت عند جميع الناس معلوم الخاص والعام والكبير والصغير أن من تعاطى بكلام قذف على العلماء أو على الولاية بحق أو باطل على غير الطريقة التي ذكرنا أعلاه فلا يأمن العتبى وهو المسؤول عن نفسه ومن أنذر فقد أعذر. انتهى كلامه رحمه الله تعالى. ثم سار أبناء المؤسس من بعده على منهجه من تقدير للعلماء واحترام لهم وإنزالهم المنزل اللائق بهم، وكان خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله- يؤكّد ذلك في كل مناسبة من المناسبات من خلال استقباله للعلماء وتقديره لهم وزيارتهم في أماكنهم والسؤال عنهم، وكان هذا المرسوم بمنع الإساءة للعلماء هو من المراسيم المباركة التي تحفظ للعلماء منزلتهم التي أنزلهم إياها حين جعل لهم الرفعة والتقدير في الدنيا والآخر فقال في كتابه الكريم: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}، وبيَّن سبحانه أن العلماء هم أخشى الناس لله تعالى فقال جلَّ شأنه: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء}.وأشهد على شهادة التوحيد وهي أعظم مشهود فقال سبحانه: {شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}. حفظ الله خادم الحرمين الشريفين ووفَّقه إلى كل خير وأعانه على ما يرضيه وجعل ما يقدّم للعلم والعلماء رفعةً له في الدنيا والآخرة إنه سميع مجيب. (*) عضو الجمعية الفقهية السعودية [email protected]