قلنا كثيراً أن صحافتنا المحلية تديرها وتسيطر عليها عقليات غايةً في البعد عن المهنية ولهذا تُعادي المجتمعَ الذي تنتمي إليه ، فتراهم دائماً في المكان الخطأ ؛ يُحاربون العلماء والدعاة ، و يحاربون هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ويحاولون بث الفساد وتلميع المفسدين. وقد جمعت جريدة الوطن إلى ذمِّها المستمر للفضلاء والعلماء مدحَها لإبليس الشيطان الرجيم الذي يستعيذ منه الناس مسلمهم وكافرهم ، وطبعاً ليس غريباً أن تشكر جريدة الوطن إبليس فمعظم كتابها يستقون كتاباتهم منه فيحاربون كل فضل وخير كما يفعل إبليس تماماً. وكأني برئيس تحريرها قد طار فرحاً بذلك المقال منذ رأى عنوانه ( شكراً إبليس ) . سوف نتحفكم ببعض مقاطع مما ورد في المقال المنشور في عدد يوم الأربعاء السابع عشر من رمضان عام 1429ه ، ولاحظوا أنهم في هذا الشهر الفضيل الذي يندحر فيه الشيطان كأنهم يحاولون مواساته بتقديم الشكر له ، ولعل جنود الشيطان في رئاسة تحرير الوطن قد انبسطوا جداً حين رأوا مقالاً يثني على الشيطان ويذكر مناقبه ويرفع معنوياته في ذكرى معركة بدر . طبعاً عنوان المقال ( شكراً إبليس ) ، و سيستغرب أي قارئ من وجود شخص يشكر إبليس ، فتعالوا لنقرأ المقال لنرى مدى الجهل ومدى التخليط والضعف من الناحية العلمية لدى كاتب المقال ولدى الجريدة الشيطانية. يقول في أول فقرة : شكرا يا إبليس لأنك علمتني قبح الكبر والعناد ... فحوارك مع الله سبحانه وإصرارك على عدم السجود لآدم أظهر لي كم أن العناد هو ضرب من ضروب الغباء! ترى الله أمامك يا إبليس وتكلمه بدون ترجمان ثم عندما يأمرك بأن تسجد لآدم تأخذك العزة بالإثم وتبدأ بالتبرير والتحليل القبيح! فبأي منطق استنتجت أن النار خير من الطين لتمتنع عن السجود وأنت تعلم أن الذي خلقهما (النار والطين) هو الذي يأمرك بالسجود!! ولكنه العناد الأعمى... فشكرا. ونقول للجاهل ولهيئة تحرير الوطن : إبليس الذي يعلمكم قبح الكبر والعناد !! عجباً لقد رفعتم شأن إبليس وجعلتموه معلماً للخير وأنى له ذلك ، ومن أين علم ذلك ؟ يقول ( فحوارك مع الله سبحانه ) ، ومن أخبرك بذلك الحوار أليس الله الذي أخبرك في كتابه فبدل أن تشكر الله الذي علمك تشكر عدوك إبليس !! ويقول في الفقرة الثانية : - شكرا يا إبليس لأنك علمتني مدى حلم الله وكرمه.. فعلى الرغم من جحودك إلا أنك عندما طلبت من الله المهلة (قال أنظرني إلى يوم يبعثون) أمهلك الله كما تريد (قال إنك من المنظرين) فيا لكرم الله وحلمه وصبره... وهذا أعجب من سابقه : لم تعرف حلم الله وكرمه أيها الجاهل إلا من القرآن الكريم وليس من إبليس . وفي كل الفقرات الأخرى يرتكب الكاتب نفس الخطأ حيث ينسب التعليم الذي ورد في القرآن الكريم إلى إبليس الشيطان الرجيم ، فسبحان الله وتعالى الله وتنزه عن ذلك. ثم لم يكتف بذلك بل زاد بأن نسب ما علمه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إلى إبليس أيضاً ، فقال : شكرا يا إبليس لأنك علمتني أن الحسد يأكل الحسنات أكلا! الذي علمك هذا هو محمد صلى الله عليه وسلم ففي سنن أبي داود : عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { إياكم والحسد فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب } أو قال { العشب } و يقول الجاهل : شكرا إبليس لأني عرفت أن التعري هو أحد أكبر غاياتك وأهدافك لإغواء بني آدم! (يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما!) شكرا لأنك نبهتني أن نزع اللباس والحياء هو من أكبر وسائلك وأسلحتك لإخراجنا من الجنة! هذا وهو يأتي بنص الآية ( يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان .. ) وكأنه لا يقرأ أو يفهم ، فالله سبحانه وتعالى هو الذي يحذر عباده من أن يفتنهم الشيطان وينزع عنهم لباسهم كما أخرج أبويهم من الجنة ثم يأتي هذا الكاتب الأحمق و يشكر الشيطان !! ثم يطلب الكاتب صلحاً مع الشيطان الذي أخبرنا الله أنه عدو لنا بقوله تعالى : { إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر : 6] فيقول : ما رأيك أن نتفق على أمر سيكون فيه صالحك وصالحي؟ تتركني وشأني فأعبد الله ولا أذنب وبالتالي أدخل أنا الجنة بإذن الله وتقل ذنوبك أنت مضحك جداً .. أليس كذلك ، يطلب من عدو أقسم بعزة الله أن يغويه { قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } [ص : 82] ؛ يطلب منه صلحاً بعد أن شكره شكراً حاراً ، فسبحان الله ما هذا ؟ ألا يفقه هذا قول الله تعالى : { لَّعَنَهُ اللّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً{118} وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُّبِيناً{119} يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً{120} } سورة النساء إن صحيفة الوطن بنشرها هذا المقال تكشف لنا عن مدى الضعف العلمي المسيطر على رئاسة تحريرها ، ومحرريها ومراجعيها ، وهي عينة من صحافتنا المحلية ، التي يكتب فيها كل من هب ودب ، ويكتب فيها غير المتخصصين ويتطاولون على العلماء وعلى علوم الشرع . فلو أن هذا المقال لم يكن عنوانه ( شكرا إبليس ) و كان ( شكراً لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) لما وجد طريقه إلى النشر . ولو أن هذا المقال كان عنوانه ( شكراً لجمعيات تحفيظ القرآن الكريم ) لما وجد طريقه للنشر ولو أن هذا المقال كان عنوانه ( شكراً للقائمين على المراكز الصيفية ) لما وجد طريقه للنشر ولو أن هذا المقال كان عنوانه ( شكراً للشيخ صالح اللحيدان لوقوفه ضد مفسدي القنوات الفضائية ) لما وجد طريقه للنشر فنحن نقول : شكراً لله رب العالمين أن كشف للناس حجم ثقافتكم وضعفكم في النواحي العلمية والشرعية يا رئيس تحرير جريدة الوطن ويا هيئة التحرير فيها وجعلكم مثالاً واضحاً ونموذجاً مكشوفاً لأولئك الذين ملأوا صحافتنا المحلية بأنواع الخزعبلات و المقالات التي تحارب الفضيلة وأهلها . ونصيحتي للأخ كاتب المقال بأن يطلب العلم الشرعي من مصادره من العلماء الراسخين ، وأن لا يكتفي بقراءات متفرقة حصلها بجهوده الشخصية دون الاستنارة بآراء أهل العلم وأن لا يغتر بظهوره في القنوات فيظن أن بإمكانه الحديث في كل شئ ومهما كانت خلفيته العلمية سالم الحمياني