عرفت البيروقراطية Bureaucracy بأنها نظام قاتل أو فاسد في كل الأنظمة الإدارية الحديثة بينما كان أساس القائلين بها منذ البداية هو ضبط المعاملات من قبل الموظفين أو المراجعين لكن في حقيقة الأمر وما يشهده الواقع نجد أن البيروقراطية في غالبية دول العالم الثالث والتي نحن من بينها للأسف مسيطرة سيطرة تامة إلى حد الذهول على مرافق الجهاز الإداري في القطاعين العام والخاص بل ومفعمة بالفساد بكل مسمياته وأجنداته المختلفة بطريقة بعيدة كل البعد عن ما أُريد لها أن تكون من أساس للتنظيم فلقد تحولت على يد البيروقراطيين إلى أداة للتعذيب وللأساليب الملتوية في أداء الواجبات وانجاز المهمات . وبدون عناء يستطيع المراجع لأي إدارة كانت وبالذات الحكومية منها إدراك أن الآية قد انقلبت من النظام والتنظيم إلى العُقد والتعقيد فمن أجل إجراء واحد يجب على المراجع في أي مرفق من المرافق سواء كان مستشفى أو إدارة تعليمية أو غيره (فلم يعد النظام البيروقراطي منحصر في فئة معينة) أن يدور ويلف المكان لكي يتعرف على الموظفين والموظفات " الأحياء منهم والأموات" إلى جانب أقسامه شبرا شبرا من أجل الفوز بتوقيع سعادة المدير أو لختم المعاملة بالختم البائس للجهة المعنية والأسوأ من هذا وذاك هو خلق الصعاب في وجه المعاملات من غير سبب أو التنصل من المسؤولية ومحاولة إلقاء العبء وتوجيه اللوم بين الموظفين أنفسهم أو حتى التدقيق في أمور تافهة قد لاتؤثر في مجرى المعاملة أيا كانت حين يصور الموظف للمراجع وكان هذا الشئ التافه أو ذلك الإجراء سوف يهدم المعبد إذا لم يكن موجودا أو إذا لم يسبق توقيعه المبجل ، والحكاية ومافيها أن جواله يرن ويريد أن يرد عليه ويتحدث مع من يريد ويهوى قلبه ، أما المراجع فان غدا وبعد بعد غدا لناظره قريب. وغالبا ما يصاحب البيروقراطية الروتين السام إياه والذي ربما وضع أيضا حتى لا يظل الموظفون بلا عمل فلو أنجزت المعاملات سريعا لأرتاح المراجعون والموظفون وهذا مالا يراد له أن يكون !! وفي ظل هذه الأجواء أتخيل لو دعي الناس إلى ميدان عام وطلبوا منهم التعبير عن رأيهم بالبيروقراطية والبيروقراطيين فستصرخ حناجرهم بصوت واحد يدوي في الأرجاء قائلين: لقد سئمنا البيروقراطية وأبطالها وعجزنا عن التعامل معها لأنها كالأفعى تلدغ وتجري سريعا ولم نستفد منها إلا تعطيل مصالح العباد والبلاد وصيرت الناس مجرد آلات تلهث وراء السراب حتى أصبح اليأس والقناعة بلا قناعة سمتان تميزنا عن غيرنا من سكان البلدان المتحضرة في بلاد الله الواسعة و الشئ الممل حقا و على المدى المنظور أنهما سوف يصاحباننا ولن يفترقا عنا في الأجل القريب إلا عندما تزول هذه البيروقراطية وصويحبها الروتين ويتم اقتلاعهما من أعماق أعماق جذور أفكارنا وتفكيرنا وجهازنا الإداري إلى غير رجعة. رؤى صبري كاتبة سعودية