ببساطة، فإن من أكبر مشكلات البيروقراطية في الدنيا أنها ستضيف لقائمة الأنشطة التجارية المسموح بها في البلد أنشطة أخرى ما كانت لتنتشر لولا تغلغل البيروقراطية في جسد التعاملات الحكومية المختلفة! أنشطة تعتمد في الغالب على متانة العلاقة وجودة الارتباط مع الأطراف داخل المبنى الحكومي! أنشطة لن يكون بمقدور الفرد المجرد إنجاز معاملته في الظروف الاعتيادية والوقت الطبيعي دون المرور بمكاتبها! تفحصك بعينيك المجردتين فقط، عدد مكاتب الخدمات العامة التي تنتشر بالقرب من أغلب الدوائر الحكومية، لاحظ كيف يكتسب بعضها سمعة ذائعة في سرعة إنجاز المعاملات الشائكة، وقدرة فائقة في إنجاز ما لا يمكن إنجازه، واستطاعة لا يملكها أحد لإطلاق سراح أعتى الملفات وأضخمها حجما! بجانب تلك المكاتب التي تتخذ من سور الدوائر الحكومية ظلالها سيوسوس لك الشيطان الرجيم أن العلاقة تتناسب طرديا بين كمية البيروقراطية داخل تلك الأسوار وبين عدد المكاتب المنتشرة بجانبها! سيعود الشيطان الرجيم ليذكرك بمعاملتك البائسة التي لفّت كل مكاتب إحدى الدوائر الحكومية، معاملتك التي قضت في بعض الأدراج هناك نصف عمرها أو أكثر، معاملتك التي لم يطلق سراحها إلا بعد كمية كبيرة من التواقيع والأختام والهوامش و«الشروحات» وكمية مماثلة من الاتصالات! ثم في النهاية سيوسوس لك بأن «الشغلة» واضحة المعالم ولا ضير من زيادة مكتب خدمات جديد، تتربع وسط مكتبه! بيئة العمل البيروقراطية مثخنة بمفردات «ملف علاقي» و«تعريف من المرجع» و«راجعنا بكرة» و«الموظف المسؤول في إجازة» و«توقيع المدير ونائب المدير وباقي كتيبة المديرين»! الأجواء البيروقراطية ممتلئة ب«الختم مع المدير» و«المدير في اجتماع»! في العمل البيروقراطي يجب ألا تسأل عن مفردة «التعاملات الإلكترونية» يجب أن تنسى «الاستعلام عن طريق الموقع» يجب أن تحفظ ما فعلته اليوم بمعاملتك؛ لأنك حتما ستعيده في الغد!