أصبح مصطلح (البيروقراطية) مرادفاً للتقصير في الأداء، أو عنواناً للإدارة التي تعاني من المشكلات، وضعف الإنجاز. الكل يشتكي من البيروقراطية والكل يتمسك بها. المستثمرون يشتكون من البيروقراطية.. الطلاب ينتقدون البيروقراطية الأكاديمية مثل إجراءات القبول.. نناقش أزمة البحث العلمي ونلوم البيروقراطية.. نبحث في أسباب تأخر إنجاز بعض المشروعات فلا نجد غير البيروقراطية سبباً.. نحتاج إلى القروض فنسلك طريق البيروقراطية.. نذهب إلى المستشفى للعلاج فنمر بإجراءات بيروقراطية.. نبحث عن الوظيفة لنكتشف أننا بحاجة إلى خريطة بيروقراطية. البيروقراطية، لا أحد يريدها ولا أحد يستطيع التخلص منها.. البيروقراطية مصطلح ثابت في الأدب الإداري لنقد الأداء.. البيروقراطية، رأي جاهز لتقييم مستوى أداء الأجهزة والمؤسسات وحكم مسبق يوجه لكل جهاز إداري يخضع للتقييم.. البيروقراطية، خطبة مكررة، جرب أن تستمع إليها وأن تتابع صاحبها لتجد أنه فنان في ممارستها.. من هي هذه البيروقراطية التي لا تفارق كتاباتنا الإدارية والثقافية والاجتماعية؟ كلمة البيروقراطية تعني في الأصل "قوة المكتب" أو "سلطة المكتب" وقد ارتبطت بشكل محدد بالإدارة العامة أو الإدارة الحكومية، كما ارتبطت بالأداء غير المرن وبما يسمى بالروتين.. البيروقراطية تشير إلى وجود نظام أو تنظيم، وهذا يتضمن وضع إجراءات وأساليب ونماذج، وضوابط يحتكم إليها الموظف الذي ينتسب إلى هذا التنظيم. ليس هناك عمل في الدنيا يمكن أن يتم بدون نظام، وبدون ضوابط وإجراءات أي ليس هناك عمل بلا بيروقراطية سواء كان هذا العمل يتبع للقطاع العام أو للقطاع الخاص، لا فرق فالبيروقراطية موجودة هنا وهناك وجرب أن تبدأ أي مشروع حتى لو كان مشروعاً صغيراً وسوف تجد نفسك تضع خطوط البيروقراطية وتبدأ بممارستها، وقد تسميها النظام أو التنظيم، أو أي مسمى آخر ولكنها في النهاية هي البيروقراطية التي نعتقد أنها هي خلف كل مشكلاتنا الإدارية وأكبر معوقات التنمية! إذا كانت هذه هي البيروقراطية وإذا كانت لها إيجابيات مثل تقسيم العمل حسب التخصص، ووجود تنظيم مكتوب، ووضوح خطوط السلطة، وخطوط الاتصال، ونظام واضح للتوظيف والترقية وعلاقات العمل، إذا كان الأمر كذلك فما هي البيروقراطية التي نتحدث عنها؟ لعلنا نتفق في الإجابة على هذا السؤال أن المشكلة ليست في البيروقراطية بل في تطبيقها عندما نبالغ في مسألة الإجراءات والمتطلبات. ولعلنا نتفق أيضاً أن البعض صار يلجأ إلى البيروقراطية لإسقاط أسباب تأخر الإنجاز على أجهزة أخرى. قلنا ان البيروقراطية ليست من اختصاص أجهزة القطاع العام ونضيف إلى ذلك، أنها ممارسة موجودة في كافة الدول مهما كان تصنيفها في سلم التقدم وجرب أن تذهب إلى سفارات الدول التي توصف بأنها متقدمة لتتعرف على ما يمكن تسميته ب(بيروقراطية السفارات) والمشكلة هنا أيضاً ليست في الإجراءات والمتطلبات بل في المبالغة فيها. هل نتطلع إلى عالم بلا بيروقراطية؟ نعم فالتغيير يبدأ بالحلم.