هيبة الملفات (العلاقية) التي ترسخت في أذهان السعوديين بسبب مرافقتها لهم من مرحلة شهادة الميلاد إلى شهادة الوفاة من خلال حزم من الأوراق والنماذج والمستندات التي تؤصل لبيروقراطية التعامل الحكومي مع مصالح الناس، هذه الهيبة يمكن اليوم لمكتب خدمات عامة صغير ومنزوٍ في أحد الأحياء العتيقة أن يبددها، وأن يخترق تلك اللوائح والأنظمة والتعقيدات التي تجعل المواطن يروح ويغدو مرات عديدة حتى ينهي معاملته.. ترى كيف يحدث هذا؟ وما هي عوامل القوة التي تمكن تلك المكاتب من هذا الاختراق الكبير لكل تلك البيروقراطية والأنظمة العصية على المواطن والمقيم؟ من خلال زياراتنا لبعض المكاتب لا يبدو عليها مظاهر توحي بالقوة ولا بالوجاهة.. مكاتب بائسة في جلها، حين تدخل أحدها تشعر بالفوضى وقلة النظافة، إضاءة حزينة لغرف صغيرة مليئة بالدخان وأعقاب السجائر، طاولة قديمة يجلس وراءها مقيم يجمع المعاملات ويكتب سندات القبض، ويعطي الوعود بأن معاملتك سيكون لها أولوية.. وحين تكون معاملتك (صعبة) وتتعارض مع الأنظمة، سيطلب هذا المقيم منك الجلوس، وسيعد لك كأساً من الشاي، فأنت عميل ذي جدوى.. سيتصل على المعقب، وسيقول لك (خد كلم الباشا).. وحين تخلص من سرد معاملتك سواء كنت مواطناً أو مقيماً.. سيقول لك المعقب في نهاية المكالمة: معاملتك هذه لا يسمح بها النظام.. لكنه سيستدرك ويقول: لكن (فيه رجال بيخلصها ويأخذ حقه).. وذلك ضمن ما يعرف في المجتمع ب(دهن السير).. تلك أبسط حكايات مكاتب الخدمات العامة التي يبدأ فيها كسر الأنظمة العصية، ويعود إليها من وقفت البيروقراطية في وجهه ليستنجد بها من جديد. د.الرميح: يجب انتقاء الموظفين الصالحين لمقابلة الجمهور وتسهيل معاملاته المعقبون: نحن أبرياء هذا القطاع الكبير الذي تقول وزارة التجارة حسب آخر إحصائياتها التي تقف عن العام 1421ه والتي ذكرت فيها أن عدد مكتب الخدمات العامة بلغ آنذاك 22759 مكتباً تستحوذ الرياض على 27% منها فيما بلغت حصة جدة 22% تليها الدمام بنسبة 19%.. إلا أن متابعين لهذا القطاع يشيرون إلى أن هذا الرقم قد زاد كثيراً خلال العقد الأخير.. ورغم الفوضى الكبيرة التي تعتري هذا القطاع وعدم التنظيم، إلا أن هناك محاولات من بعض العاملين به من أجل ترسيخ شخصية مكاتب الخدمات العامة وتأصيل دورها في العملية الاقتصادية.. ورغم أنه يندر أن تجد مكتب خدمات عامة لديه موقع على الشبكة العالمية، إلا أن موقع WWW.MUAQEB.COM (اتحاد المعقبين) على الشبكة العامة يشير إلى رغبة التطوير لدى بعض العاملين في مجال التعقيب.. هذا الموقع الذي أسسه بندر العصيمي للتحدث باسم مكاتب التعقيب واستيعاب مشكلاتهم وهمومهم، يبدو محاولة جادة في هذا الاتجاه.. لكن بندر العصيمي مؤسس الموقع له رأي في مسألة اتهام مكاتب الخدمات العامة.. المحامي السهلي: يتعين التدخل لمعالجة سلوكيات بعض المعقبين قبل استفحال الظاهرة سألنا بندر العصيمي لماذا تتعطل معاملات الناس في بعض الدوائر الحكومية.. وإذا أُعطيت لمعقب سارت الأمور بشكل جيد؟ لكن بندر يجيبنا متسائلاً هو الآخر: لماذا تتعطل بعض القضايا بالمحاكم أو يتغير الحكم على المدعى عليه بمجرد تسليم القضية (لمحامي)؟ ويضيف العصيمي: هل معنى هذا انه تمت رشوة القاضي أو استخدمت بعض الأساليب الملتوية مع القاضي او استفاد المحامي من علاقته مع القاضي ؟ ويقول بندر العصيمي: طبعا الجواب سيكون (بالنفي)، وكذلك حال (المعقب) الوسيط بين صاحب المعاملة وبعض الموظفين. ويشير بندر أن السبب الرئيسي هو عدم معرفة المراجع ما له وما عليه في حالة تم رد معاملته أو تأخيرها، وهل فعلا تم ردها لسبب مقنع أم لا؟ مشيراً إلى أنه قد تجد معاملتين متشابهتين وفي المقابل تكون الطلبات مختلفة بين موظف وآخر، وهذا الأمر يجعل المواطن تائها حيال ذلك.. ويشير العصيمي إلى أنه عندما يتم تسليم المعاملة للمعقب، فلن يراجع بها إلا بعدما يكون استوفى جميع الطلبات ولن يستطيع الموظف إعادتها لمعرفته التامة بأن المعقب يعلم ويفهم النظام بجميع ثغراته النظامية التي ستذلل أي عقبه لإنهاء المعاملة.. ويؤكد بندر العصيمي جازماً بأن بعض المعقبين يفهمون النظام بحذافيره لكل دائرة حكومية أكثر مما يفهمه الموظف نفسه في بعض الأحيان. العصيمي: لو سهلت معاملات المواطنين لما وصل الحال إلى ما هو عليه وحول مسألة أن بعض المعاملات التي لا يجيزها النظام، تستطيع بعض مكاتب الخدمات والمعقبين إنجازها، قال العصيمي: إن هذا السؤال يجب أن يوجه للمعقبين غير (الرسميين) الذين لا ينتمون لمكاتب الخدمات العامة، والذين يعتبرون دخلاء على مكاتب التعقيب على حد تعبيره، واصفاً إياهم ب( معقبي شنطة) ومشيراً إلى أن لهم أساليبهم المختلفة كالتزوير والرشاوى مما أساء لمهنة التعقيب، وأكد بندر العصيمي بأنه لن يستطيع أي مكتب خدمات عامة استخدام أساليبهم الملتوية وذلك لإجبار جميع المكاتب قبل التسليم بختم كل معاملة يتضمنها تعهد بصحة البيانات ومرفقات المعاملة، مشيراً إلى أنه لن يخاطر أي مكتب خدمات عامة بالوقوع في طائلة القانون. الدريويش: السنوات الأخيرة شهدت تحولاً سلبياً في عمل بعض المعقبين ونفى مؤسس موقع اتحاد المعقبين بندر العصيمي تهمة أن يكون المعقبون، ومكاتب الخدمات وراء انتشار الفساد الإداري في بعض الدوائر الحكومية واصفاً هذا الأمر (بغير الصحيح) واستدرك العصيمي قائلاً: إن كنت تقصد بالفساد الإداري بعض المحسوبيات والمجاملات والواسطات والعلاقات الأسرية بين المعقب والموظف فإنه من الصعب التخلص من شيء اسمه الواسطة أو التخلص من تلك المحسوبيات، وأشار إلى أن الضغوط الاجتماعية كبيرة على أي موظف يعمل بدائرة حكومية ولا يخدم قريبه أو صديقه من باب النخوة، وشدد العصيمي على أن مثل هذا السؤال كان يجب أن يوجه للمعقبين غير (الرسميين) الذين وصفهم بندر بأنهم لا ينتمون لمكاتب الخدمات العامة متهماً إياهم بالإساءة لمهنة التعقيب.. مؤكداً بأنه في حالة ثبوت تعاطي الفساد في مثل هذه الحالة فإنها تكون قد صدرت من بعض ضعاف النفوس من الطرفين الذين قد لا تذكر أعدادهم ولن يستطيعوا الإساءة لباقي الشرفاء سواء كان معقباً أو موظفاً على حد تعبيره. أ.د. صالح الرميح ونفى بندر العصيمي نفياً قاطعاً إمكانية أن يتعرض المعقب للابتزاز من قبل موظف حكومي ليدفع له لتخليص معاملاته، وقال: طبعاً (لا) وأقولها بكل ثقة ومن خلال تجربتي لسنوات طويلة، فلله الحمد لم نصل بعد لهذه الحالة في مملكتنا الحبيبة بأن يقوم موظف بعرقلة معاملة لغرض ابتزاز معقب، وأضاف: بل بالعكس تنشأ بين المعقب والموظف علاقة صداقة واحترام لكثرة مراجعته له بشكل يومي. وعدد بندر العصيمي مطالبات جمة يرى أن مكاتب التعقيب في حاجتها لتمارس عملها بشكل سليم.. وقال: نطالب وزارة التجارة والصناعة بالسماح لمكاتب الخدمات العامة بفتح فروع لها في أي منطقة، وتوسيع نشاطها الاقتصادي أسوة ببقية الأنشطة التجارية. كما طالب وزارة التجارة والصناعة بالسماح لأصحاب مكاتب الخدمات العامة من فتح أنشطة تجارية أخرى أسوة ببقية القطاعات الأخرى. وطالب العصيمي وزارة العمل بإعادة النظر في قرارها بمنع هذه المكاتب من التعقيب للشركات والمؤسسات التي يتجاوز عدد عمالتها ال 50 عاملاً، مشيراً إلى أن هذا القرار تم تبريره بأنه يخدم سعودة الوظائف في القطاع الخاص، مؤكداً بأن مكاتب الخدمات تعتمد على سعودة الوظائف في التعقيب على معاملاتها وزيادة هذه المعاملات يساهم في زيادة أعداد فرص العمل للشباب السعودي الراغب في مزاولة مهنة التعقيب. محمد السهلي كما طالب بندر العصيمي وزارة العمل والجوازات أيضا بإيجاد حل للمشكلة التي يواجهوها المعقبون ومنها قلة عدد موظفي مكتب العمل أو الجوازات وقال: إن قلة عدد توزيع أرقام (السرا)، تضطر المعقبين إلى التجمهر حول أسوار مكتب العمل منذ الرابعة فجرا كل يوم للحصول على أرقام تمكنهم من تخليص معاملاتهم خلال فترة الدوام الرسمي. كما طالب العصيمي بأن تمكن مكاتب الخدمات العامة من الاستفادة من خدمات الحكومة الالكترونية.. وتساءل: بما ان هذه المكاتب مسجلة رسمياً بالدولة ولها ترخيص خاص بذلك، فلماذا لا يعطى لمكاتب الخدمات العامة الصلاحيات الكاملة في الاستفادة من خدمات الحكومة الإلكترونية في انجاز أغلب المعاملات الكترونياً وبأسرع وقت بدل التأخير والروتين. مشيراً إلى أن هناك معاناة يتكبدها المعقبون الذين يحضرون من مسافات بعيدة ومناطق نائية ومؤكداً على أنهم يتواجدون منذ ساعات الصباح الباكر حتى يتم إنجاز عملهم قبل الظهر ليتمكنوا من مراجعة الجوازات مطالباً بوجود مكاتب فرعية في تلك المدن الصغيرة. سنوات الفساد الأخيرة كيف هي مسيرة مكاتب التعقيب، وهل كان عملها في السابق نظيفاً ومهنياً، أم أن هذا وضعها منذ وجدت؟.. علي الدريويش مؤسس موقع المعقب السعودي saudimuaqib.com وأحد العاملين في هذا القطاع منذ العام 1418ه، والذي بدأ العمل كمعقب في إحدى الشركات، لكنه عام 2004م فتح مكتباً خاصاً به للخدمات العامة، يقول علي الدريويش: إن لديه اليوم مجموعة مؤسسات، استطاع أن يؤسسها من عائد التعقيب، مشيراً إلى أن دخل السنوات الأولى كان جيداً.. وقال الدريويش إنه خلال الثلاثة عشر عاماً الماضية قد تغيرت الأمور، حيث كانت مهنة التعقيب في السابق تدر أرباحاً جيدة، لكن الأمور ساءت منذ العام 1423ه حيث بدأت تكثر المكاتب.. وقد بلغت ذروتها عام 2007م وسط كثرة العمالة وانتشار مسألة التعقيب وتخليص المعاملات التي لا يجيزها النظام خاصة في مجال العمالة.. وأضاف: لقد أصبح الأجانب يعرضون مبالغ كبيرة في سبيل تخليص معاملات غير نظامية، وهذا أغرى الكثيرين للتوجه لمجال التعقيب.. فقبل انتشار ظاهرة التعقيب على المعاملات غير النظامية، كان مبلغ 500 ريال و1000 ريال على المعاملة يعتبر جيداً، لكن الوضع اختلف الآن، فقد يُعرض على المعقب مبلغ 5000 ريال لتخليص معاملة لأجنبي بطريقة غير نظامية، وهذا ما جعل الأمور تتغير في هذا المجال بشكل سلبي. بندر العصيمي وأشار علي الدريويش إلى أن موضوع الدفع لتخليص الأمور التي لا تسير بالنظام هي ثقافة لدى كثير من البلدان التي لديها رعايا في المملكة، فهذه الثقافة بدأت تُنقل إلينا اليوم بشكل واضح. وأكد الدريويش على أن هذا القطاع كان قبل عام 2005 نظيفاً ومهنياً، وبه أخلاقيات، مؤكداً على أن الأجهزة والإدارات الحكومية هي الأخرى كانت تتعامل بحزم في تطبيق النظام، وبطريقة فيها سلاسة لكل أمر نظامي وسليم، وأكد أن الوضع اختلف اليوم، فالموظف في الدائرة الحكومية أصبح هو الذي يعقد الأمور، وقال الدريويش: تجد معاملة نظامية وسليمة، ولكن الموظف يعقدها.. لماذا؟ لكي يطفش المواطن ويضطر المراجع إلى تسليم المعاملة لمعقب، عندها تسير الأمور على أحسن ما يرام.. ويستدرك علي الدريويش: لكن مثل هذا الوضع ما زال في حدود معينة، ولم يصل بعد إلى حالة الظاهرة المخيفة.. لكنها ملفتة للنظر على حد تعبيره، وأشار إلى أن هذه الظاهرة أفرزت مكاتب بعينها، يأتيها العميل بمعاملة نظامية فتعتذر عن قبولها لأنها غير مجدية بالنسبة لأصحاب تلك المكاتب الذين كما يقول الدريويش قد لا يتورعون في القول بأنهم مختصون في المعاملات غير النظامية، مشيراً إلى أنهم يتقاضون أجرة أعلى بكثير مما يأخذونه على المعاملات النظامية التقليدية.. ويؤكد علي الدريويش على أنه لو لم يوجد موظفون فاسدون لما استطاع بعض المعقبين تخليص معاملات غير نظامية وتقاضوا عليها أجوراً تصل إلى السبعة آلاف.. وأشار إلى أن نسبة هؤلاء الموظفين الفاسدين قد لا تزيد على 30% من موظفي تلك الإدارات حسب تقديره.. وقال إن هناك موظفين أزيلوا من مواقعهم في بعض الإدارات الحكومية التي لها علاقة بالعمالة الوافدة حيث أقصتهم المباحث الإدارية جراء الفساد، وأشار أن هذا الجهد الرسمي في محاربة الفساد سيأتي ثماره بلا شك.. مشيداً بإعلان وزارة الداخلية تخصيص رقم هاتف للإبلاغ عن الرشوة والفساد الإداري.. ويرى الدريويش أن معالجة مثل هذا الوضع تكمن في تبسيط الأمور في الدوائر الحكومية وتسهيلها للمواطن والمقيم لكي لا يحتاج إلى مكاتب التعقيب التي قد تمارس مثل تلك الأعمال.. وقال إن النظام في مجمله يعطي للمواطن حقوقه، لكن هذا النظام بحاجة إلى أن يفهمه المواطن بشكل جيد ليعرف كيف يحصل على حقوقه تلك.. وأكد على الدريويش أن مهنة التعقيب مهددة بأن يتقلص عدد العاملين بها خلال السنوات الخمس القادمة، وذلك جراء التسارع الحكومي في تقديم خدمات الحكومة الإلكترونية، حيث أن ذلك سيتيح للمواطن تخليص كثير من معاملاته الاكترونية بسهولة ويسر. علي الدريويش خطورة الظاهرة هل تشكل ظاهرة اختراق بعض مكاتب الخدمات العامة للأنظمة والقوانين خطورة على نظام التعاملات الرسمية في المملكة.. وهل يمكن أن تساهم في اتساع رقعة الفساد في الدوائر الحكومية..؟ في هذا الصدد قال الأستاذ الدكتور صالح بن رميح الرميح أستاذ علم الاجتماع بجامعة الملك سعود بالرياض: إن المملكة قد مكنت القطاع الخاص مساحة كافية لتولي العديد من الأمور الحياتية والاقتصادية من أجل خلق مشاركة فاعلة لهذا القطاع، وأضاف: إلا أن الإشكالية في بعض القطاعات ومن ضمنها قطاع مكاتب الخدمات العامة والتعقيب إنها حادت عن الهدف الذي أنشأت من أجله، وقال: لقد كان الهدف من الترخيص لتلك المكاتب هو توفير الوقت والجهد على الأفراد والمؤسسات الذين يرغبون في أن تُنجز معاملاتهم من خلال تلك المكاتب التي تقدم خدمة التعقيب.. على أن تتقاضى تلك المكاتب أجوراً معقولة مقابل تلك الخدمات.. وقال الدكتور الرميح أن تنامي أعداد هذه المكاتب طيلة السنوات الماضية يعد مؤشراً على الحاجة لخدماتها.. وشدد الدكتور صالح الرميح على أن بعض تلك المكاتب قد أساءت فيما يبدو إلى هذه المهنة من خلال سلوكيات دخيلة على هذا القطاع.. وقال: إنه رغم عدم توفر إحصائيات أو أرقام عن واقع حال مكاتب الخدمات العامة إلا أن هناك قصصاً تروى مفادها أن سلوكيات سلبية تعتري عمل بعضها.. وأشار الرميح إلى أنه رغم أن النظام يشدد على أن هذه المهنة مقصورة على السعوديين، إلا أنه يعمل بها الكثير من المقيمين الذين تطمح غالبيتهم في الكسب المادي السريع مما أوجد شيئاً من الخلل في أدائها.. وأكد الدكتور الرميح على أن مستوى التعليم المتدني لغالبية العاملين في هذا القطاع له دور كبير في جنوح سلوكيات بعض تلك المكاتب.. وقال" إن تداول صور الأوراق الثبوتية الشخصية للأفراد بين تلك المكاتب يثير بعض المحاذير في هذا الشأن، حيث أنه قد يُساء استخدامها في بعض الأحيان مما يسبب مشكلات للبعض.. وأشار الدكتور الرميح إلى إن بعض هذه المكاتب بدأت تحيد عن النهج السليم من خلال تكوين خلايا داعمة لها ولوبي داخل بعض الإدارات الحكومية لتخليص معاملات معينة مقابل مبالغ مغرية، وقال إن وجد بالفعل فإنه يشكل منحى خطيراً وظاهرة سلبية يجب التدخل لاستئصالها بشكل سريع .. وأشار إلى أن الدولة والأجهزة الأمنية والإدارية تبذل جهوداً كبيرة في هذا الشأن وقال إننا ندرك جميعاً الجهود التي تُبذل من أجل محاربة مثل هذه السلوكيات في بعض الإدارات الحكومية، مشيراً إلى أهمية مواجهتها بشكل حازم.. وقال الدكتور صالح الرميح إنه يتعين على الأجهزة الحكومية الخدمية التي يتعامل معها الناس بشكل يومي أن تعين أناساً مؤهلين لمقابلة الجمهور، وتحمل الضغط ولديهم قدرة على التعامل من خلال تقديم خدمات لمراجعيها بشكل سلس وخال من التعقيدات.. وأكد على أنه من المهم أن يكون الرجال الذين يقابلون الجمهور منتقين بعناية، وتتوفر لديهم مقومات الرجال الناجحين الذين يجعلون تقديم الخدمة للمواطن أمراً سهلاً وممتعاً.. مؤكداً على أهمية توفر صفات مهمة في أولئك الموظفين أهمها القدرة على التحمل والنزاهة وحسن الخلق ومستوى التدين.. وطالب الجهات المختصة بوضع آلية واضحة وسهلة وشفافة في مسألة تعامل الجهات الرسمية مع المواطنين، وذلك من أجل تجنيب تعطيل مصالح العباد وعدم اضطرارهم للبحث عن من يخلص أمورهم. وحذر الدكتور الرميح من استشراء هذه الظاهرة قبل أن تعم بقية الجهات.. وقال: إنه عند التهاون في معالجة مثل هذه الظاهرة فإنها ستتوسع وستصبح أكثر شراسة، مؤكداً على أن لا أحد يرغب في دفع ماله لأحد إلا إذا وجد نفسه مضطراً لذلك، مؤكداً على أن تعقيد أمور الناس هو الذي يؤدي إلى بروز مثل هذه الظواهر. التنظيم القانوني لمهنة التعقيب رغم اللائحة التنظيمية لمزاولة مهنة التعقيب صدرت عام 1424ه، إلا أن المهنة كانت قد عرفها مجتمع الأعمال منذ وقت مبكر.. ترى ما هو الواقع التنظيمي والقانوني لهذه المهنة في هذه المرحلة..؟ يشير المحامي والمستشار القانوني محمد بن عبدالله السهلي إلى ذلك بقوله: يجدر بنا التنويه في البدء أن التعقيب كمهنة حظيت بالتنظيم القانوني لممارستها، حيث صدرت اللائحة التنظيمية لمزاولة مهنة التعقيب بموجب قرار مجلس الوزراء رقم (157) وتاريخ 13/6/1424ه، وأضاف: لقد عرّفت اللائحة مهنة التعقيب بانها " القيام على سبيل الاحتراف بمتابعة المعاملات وإنهائها لدى الدوائر الحكومية نيابة عن أصحاب المعاملات والحاجات فيما لا تستدعي طبيعة المعاملة حضور صاحبها بنفسه". ونصت اللائحة على عدد من الإجراءات التي تنظم المهنة ومزاولتها بما يكفل حقوق المتعاملين مع أصحاب المهنة. وقال المحامي السهلي: بحكم طبيعة مهنة التعقيب وما تتطلبه من الحضور اليومي للدوائر الحكومية، أصبحت هناك علاقة وثيقة بين المعقبين والموظفين الحكوميين، استغلت من قبل البعض من الطرفين لتحقيق مآرب وأهداف غير مشروعة، فأنشئت قنوات تعامل بينهم قوامها الفائدة المالية المتبادلة دون اكتراث بالاعتبارات الدينية أو القانونية. وأضاف: إن هذا الارتباط الوثيق أسهم بلا شك في تفشي ظاهرة الفساد الإداري والمتجسد بشكل رئيسي في الرشوة. فكلنا يعلم أن إنهاء أي معاملة في الأجهزة الحكومية تتطلب استيفاء عدد من الإجراءات النظامية التي تنص عليها الأنظمة واللوائح والقرارات الإدارية، وهي معلومة ومنشورة للجمهور سواء في مقر الجهة الحكومية أو في المواقع الإلكترونية الرسمية وخلافه. وأشار إلى أنه حين يحاول المراجع (مواطن أو مقيم) إنجاز تلك المعاملة قد يواجه تعقيد ومماطلة في التنفيذ تحمله مكرهاً غير طائع إلى الاستعانة بأحد المعقبين والذي بدوره يستعين بنفوذه وعلاقاته داخل الجهة الحكومية لإنجاز المعاملة بأقل وقت ممكن، وقال المحامي محمد السهلي: إنه يحدث هناك نوع من الاتفاق السري بين الموظف الحكومي والمعقب بتعقيد الإجراء حتى يستفيد المعقب ويُفيد الموظف. لذا لا غرابة أن يتداول الناس قاعدة في التعامل مع بعض الأجهزة الحكومية، مفادها إذا أردت أن تنجز معاملتك بسرعة حتى وإن شابها ما شابها من مخالفات نظامية فاعهد بها إلى معقب وكفى. وقال المحامي محمد بن عبدالله السهلي: كما لم نعد نستغرب أن تختلف أتعاب المعقبين تبعاً لمدى مطابقة المعاملة الحكومية للنظام من عدمه، فكل معاملة لها سعرها، وكلما زادت درجة المخالفة النظامية زاد مقدار أتعاب المعقب، أخذاً في الحسبان نسبة الموظف المرتشي. وأشار أنه لا يجب أن نأخذ هذا التصور وفقاً لمبدأ التعميم، داعياً إلى التركيز على كلمة "بعض"، مؤكداً في الوقت ذاته على أنها أصبحت ظاهرة تستدعي الحل. وقال: إن الحل متاح بتوافر الإرادة، فأحكام الشريعة الإسلامية والأنظمة المطبقة في المملكة تكفل بلا شك القضاء على هذه الظاهرة، وأشار إلى نظام مكافحة الرشوة على سبيل المثال مؤكداً بأنه يضمن عقوبات قاسية على مرتكبي جريمة الرشوة تصل في بعض حالاتها إلى السجن عشر سنوات وغرامة مليون ريال. كما أن نظام تأديب الموظفين نص كذلك على عقوبات عدة على الموظفين المخالفين لواجباتهم الوظيفية. مشيراً إلى أنه لا يبقى سوا تطبيق نصوص الأنظمة ومعاقبة المخالفين بلا هوادة. وقال المحامي والمستشار القانوني محمد بن عبدالله السهلي إن تفعيل دور هيئة الرقابة والتحقيق والمباحث الإدارية كلاً حسب اختصاصاته يعد من أنجع الحلول في هذا الشأن، وشدد على أن المواطن نفسه يلعب دوراً كبيراً في القضاء على هذه الظاهرة من خلال عدم تعامله مع المعقبين المخالفين للأنظمة، ومن خلال الإبلاغ عن أي مخالف سواء كان معقباً أو موظفاً حكومياً. مشيراً إلى أن السكوت عن المخالفات والتغاضي عن الإبلاغ عن مرتكبيها سبب رئيسي لتفشي الظاهرة.