مخيفة كلمة الموت لأن فيها انقطاع حياة الإنسان وانتقاله إلى دار أخرى ولكن ليس كل الناس موته انقطاع بل إن من الناس من يكون موته حياة. حياة له إذا كان قد ختم له بخاتمة يرجى له فيها أن يكون من الشهداء ، وحياة له لأن ذكره ينتشر ويفوح عبير فضله في العالمين فيعلم الناس أموراً لم يكن يعلمونها عنه فيكثر الدعاء له والترحم عليه . وحياة له لأن مثل هذا إذا انتشرت أخباره كان قدوة وربما كان ذلك سببا في حياة قلوب أصابها وهن أو ضعف أو تعلق بالدنيا..
وهكذا أحسب العميد الشهيد بإذن الله (عودة معوض البلوي ).
تربطني به علاقة قديمة منذُ أكثر من ثلاثين سنة خلت عرفته رحمة الله حسن السيرة نزيه السريرة وقتها كنا أنا ومجموعة من الطلاب الذين تخرجوا من الثانوية العامة قد ذهبنا لإكمال دراستنا في الرياض ومعظمنا أول مرة يترك أهله وبلده ويغترب فأوحشته الغربة وأرقه الشوق والحنين وكاد ذلك أن يعصف بمستقبل بعض الطلاب لولا الله ثم هذا الرجل فشد من أزرهم وثبتهم بعبارات المواساة الصادقة ولازلت أذكر تلك الكلمات الجميلة وافترقنا ومضت بنا الدنيا كل في طريقه حتى صدر قرار تعيينه قائدا لقطاع حرس الحدود بأملج فجئته مسلماً ومباركاً أحدث نفسي ماذا فعلت به تلك السنين وهل يذكرني بعد غياب دام أكثر من ربع قرن فما إن رآني حتى قام إلي فأعتنقني عناق الصديق الحميم بكل تواضع وإخاء لم تغيره المناصب ولم تغره المراتب فلله ما أطيبه من قلب وأكرمه طالما لمست فيه العطف الكبير وصدق النية وحسن الطويه لا أحصي والله ما لإبي محمد من أيادٍ بيضاء على محافظتنا أملج بل وعلى جميع المحافظات المجاورة فعلى يده الميمونة المباركة نال ضعفة المسلمين وفقراءهم خيرات فاقت أربعة ملايين ريال أو تزيد بل تسبب في بناء وقف من أفضل الأوقاف والصدقات الجارية وعاهدني أن يكون ذلك سراً وإن تعجب فعجبُ مايتمتع به هذا العلَم من إخلاص في عمل الخير نحسبه كذلك والله حسيبه كان يكفل مجموعة من الأيتام ويوصي أن لانخبر أحداً بذلك وهذا ليس بكثير من رجل حافظ على صيام البيض وشهد له الصالحون بالمحافظة على صلاة الفجر مع جماعة المسلمين حتى في أصعب الظروف فقد جاء المسجد ذات يوم وهو مريض منهك قد كسرت أصبعه وهو خارج إلى المسجد فواصل السير إلى الصلاة فأغمي عليه في المسجد وحُمل للمستشفى فياللشرف الكبير والعمل الجليل ( رجال لاتلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ) هذا هو عودة معوض البلوي الذي شهد له القاصي والداني بالصلاة والصيام والصدقة وحسن الخلق وكرم النفس وخدمة المسلمين من عرفه ومن لم يعرفه إخلاصُ عجيب شهد له به الكثير كان شديد الحرص على تثقيف جنوده وأفراده وتيسير لقاء الدعاة والمشايخ بهم عمله والله حتى مع المخطئ عمل المصلحين.
ومع هذا كله إمتدت له يد المكر الغادرة الجائرة التي لم ترتو بماء الهدى من معينه الصافي لتحصد نفساً زكيةً طيبة فتحرم أسرته منه فتترمل الزوجة ويتيتم الأطفال ويفقدون بذلك بهجة الحياة وفرحتها التي كان يحسون بها أثناء دخوله وخروجه عليهم لكن رب العزة والجلال لن يضيعهم فهل جزاء الإحسان الا الإحسان فهو لم تحرم منه أسرته فقط بل انحرم منه أرامل وفقراء كانوا ينتظرون سعيه وأيتام يتلهفون لعطفه وبذله بل إن الجميع بكى لفراقه لكن عزاءنا أنه مات بطلاً شهيداً بإذن الله. وعجبنا لا ينقضي من جرأة هؤلاء الأغرار على الدماء المعصومة أفبدم مثل هذا تنال الجنة؟
أتطلب الشهادة بالدماء المحرمة المعصومة؟ حسبنا الله ونعم الوكيل.
فيا إخوة العقيدة وياشباب المسلمين في كل مكان أفيقوا وأنظروا من يقتلون! فتعلمون إن كنتم تعقلون أضالون هم أم مهتدون؟ ألا تكفي بالله هذه الجرأة والتساهل في تكفير المصلين الصائمين وأن نعلم ماهم فيه من بدعة الخروج والضلال نعوذ بالله.
ونعود إلى ما ذكرناه في المقدمة أن موت بعض الناس حياة فأقول لعل ما جرى على أبي محمد عبر هذه الخيانة والغدر لعله يحي قلوباً وعقولاً ضلت فيعرفوا على أي منهج يسير هؤلاء فمن كان عنده تردد في تخطئة سلوكهم ومنهجهم فحسبه ما جرى للعميد وزملائه في أن يعلم أن هؤلاء لا يرعون ذمة ولا عهداً ولا يفرقون بين مستقيم وغيره فالجميع مستهدف فيكون ذلك دليلاً على ضلال منهجهم أما من مال معهم فقد مال إلى انحراف خطير عواقبه وخيمه فيه خسران الدنيا والآخرة ونسأل الله لفقيدنا الغالي العزيز أن يكون في الشهداء المقربين مع النبيين والمرسلين وعزائنا فيه حسن ظننا بربنا أن يكون ممن صدق فيهم حديث النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول في شأن قتال الخوارج ( طوبى لمن قتلهم وطوبى لمن قتلوه ) .
حازم سالم الرفاعي رئيس جمعية الرويضات بأملج و مرشد طلابي بالمدرسه السعوديه 18 / 3 / 1436 ه