احترت في اختيار عنوان لما سأسطره حول العميد عودة البلوي الذي اغتالته يد الغدر الآثمة في فجر يوم الأحد 1436/3/13 فلست أدري عن أي جوانب الخير والعظمة التي في الرجل لأجعلها عنوانا لحديثي عنه رحمه الله؟ فاخترت " شهيد الفجر " جعله الله في الشهداء ، لأنها خاتمة مباركة قد سبقه إليها أفذاذ يقدم قافلتهم - فاروق الأمة عمر بن الخطاب رضي الله عنه - الذي اغتالته يد المجوس عند الفجر وورث الظالمون طريقتهم ! لن تستطيع أن تتحدث عن جانب من حياة أبي محمد إلا ويلزمك يراع قلمك للحديث عن الجانب الآخر .
فهل أذكر عظيم صلته بربه وتعلقه بمولاه في أعظم فريضة وهي الصلاة في وقتها - خصوصا صلاة الفجر التي جاءت في فضلها الآثار والسنن - لقد تميز الرجل بها حتى لاتكاد تجلس مع أحد من الفضلاء من أئمة المساجد إلا ذكروه بهذه الخصلة المنيفة ، وتميزه بهذه المنقبة الرفيعة ، وحتى يظهر الله فضله بتميزه بصلاة الفجر يشاء الرحمن أن تكون خاتمته وقت صلاة الفجر فيلقى ربه ساعتها - نحسبه شهيدا - ويصلى عليه في خير بقاع الدنيا في المسجد الحرام - أيضا صلاة الفجر - فأي كرامة بعد هذه ! وأي عطاء فوق هذا العطاء !
أما الجانب الإنساني فلقد كان الرجل يعيش معاني الإسلام الرفيعة ،ويتمثلها في حياته ، فهو يكفل الأيتام والأسر ويعين على نوائب الدهر ، حدثني أخوه عند كتابة هذه السطور أنهم وجدوا تسعة استمارات لكفالات الأيتام قد سدد اثنتين منها قبل نهاية هذا الشهر مبادرا لفعل الخير وكأنه يشعر بدنو أجله ، وحدثني سائقه الخاص أنه يوصل بنفسه صدقات ( أبي محمد العميد عودة البلوي ) يوميا طيلة شهر رمضان ، وله صدقة دائمة كل أثنين وخميس ، ويكفل أسرا فقيرة كفالة تامة .
ومن مناقبه أنه كان حريصا على سقيا الماء ويساهم فيها مساهمة كبيرة فقد حفر آبارا في بعض القرى وساهم في إصلاح بعضها . يحدثني أحد خاصته فيقول : مررنا على برادة ماء وضعها (العميد عودة البلوي )ورأى رجلا يشرب منها ، ففاضت عيناه فرحا ، ورفع يده مرددا : يارب تقبل ، يارب تقبل . يعين في تزويج الشباب ، وفي تحجيج من لايستطيع الحج ، وكان حريصا كل الحرص على المشاركة في كل عمل خيري ويؤثر الآخرين على نفسه وأهله وهكذا شأن النفوس الشريفة . تواضعه جم وحبه للآخرين عجب عجاب يقول من كان ملازما له في أعمال البر : وزعنا يوما مساعدة وكان العميد عودة ينزل معنا بنفسه كل بيت ويوزع وكأنه من عامة الناس وليس بتلك الرتبة ( فلله دره كم أتعب من بعده ! ) ويكفيك أن تعرف عظيم مكانته ، وحب الآخرين له أنه قد بكاه كل من عرفه حتى وإن كانت معرفته به ضعيفة فقد بكاه الجميع ، وحزن لفراقه الأبعدون قبل الأقربين ، ولتعلم عظيم حسن خلق المرء أنظر لأثر فراقه على زملائه في عمله. لقد بكاه جميع أفراد إدارته السابقة وحزنوا عليه مع أنه لم يكن عندهم في وقت وفاته فقد نقل إلى منطقة أخرى من قرابة العام ، ولكنه البر وجميل الخلق الذي يغرسه الإنسان في الآخرين فلا يمحوه الزمان ولايغيره المكان..فما أطيبك يا أبامحمد حيا وميتا -طبت وطاب ذكرك في العالمين- أما إخلاصه في عمله فلا تسل عنه فهو القدوة في هذا المعترك ، وصاحب الزمام في هذا الباب ، وتفانيه في خدمة بيضة الإسلام ومأرز الإيمان وبلاد التوحيد والعقيدة مشهود له به ، ولا أحصي كلامه - عند جلوسي معه - عن خدمة هذه البلاد - حرسها الله - فالرجل قد عرف الحقيقة وأنها مستهدفة وأن واجبه كغيره من إخوانه أن تقدم أرواحهم رخيصة لحماية أهلها وحماية المسلمين من شر كل ذي شر، لأنه يعلم استهدافها من كل غاشم وضال ، وأكبر شاهد تلك النهاية المشرفة له وثباته الذي سطر فيها صورة البطل الشجاع بمداد دمه ، فلم يتأخر عن حمايتها حتى انتقل إلى الرفيق الأعلى في أحسن خاتمة وأعلى مقام - فلله دره - فلم يكن ( العميد عوده ) ذلك القائد الخالد لفراش الراحة وساعة الدعة ، بل تقدم وواجه الخطر بنفسه المباركة في ساعة يخلد فيها أهل البلاد كلهم للراحة إلا من عرف حقيقة دوره وواجبه في حماية المسلمين من كل عدو غادر وصائل ، جاء لذلك المخادع الذي أعطاه الأمان مدعيا الإستسلام لتحمل تلك الأقدام المباركة ( العميد عودة ) صاحب القلب الحنون ليستقبل ذلك الضال المتعهد بعهد الأمان - رحمة به وعطفا عليه - ولكن قابله الخائن بالخيانة التي تحرمها كل الشرائع فيفجر نفسه وقد ضم جسد العميد عودة الطاهر الذي ظنه تائب نادم على فعله ، فحسبنا الله ونعم الوكيل . فبأي دين يدينون ! وبأي عقل يفكرون !
رحمك الله ياأبامحمد فقد سمعت الدنيا بشجاعتك وأنت تفدي بروحك المسلمين وبلادهم . رحمك الله ياأبامحمد فهاهو العالم كله يدعو لك بعد مماتك . رحمك الله ياأبا محمد فقد فاح عبير فضلك في العالمين ، وطاب ذكرك بين الخافقين . اللهم تقبله ورفاقه في الشهداء ، اللهم ارفع درجاتهم في المهدين ، وأخلفهم في عقبهم في الغابرين ، واجمعنا بهم في جنت النعيم .
كتبه / عادل بن عبدالعزيز المحلاوي مدير مكتب الدعوة بأملج تويتر @adelalmhlawi