[COLOR=green]محطات الحلقة الثامنة "شباب الفَيَّة 2 " [ALIGN=RIGHT]وقفت في المحطة السابقة، عند الدور الأهم الذي مثلته "الفية" في ذلك الوقت دون دون ترتيب مسبق أو تخطيط لذلك الدور الذي جاء عرضاً. فقد كانت "الفية" في طريق الذاهب إلى المعرض النسائي الوحيد، حيث تباع الأزياء النسائية، الذي كان يعد في ذلك الحين، بيت الأزياء والموضة النسائية بأملج، وكأنه "بييركاردان"، أو "فيرساتشي" لنساء أملج، وكان يمتلكه العم عاشور أبو الحسن عثمان، الشهير باسم عاشور "الرسام"، وكانت مصادفة أن تلتقي النظرات عابرة فيحدث الإعجاب البريء المتبادل أو من طرف واحد بين العابرات في حشمة ووقار، والشباب الغيور عليهن كأخواتهن، وكانت الصدفة وحدها سبب هذا الالتقاء، الذي لم يكن من نوع : نظرة فابتسامة فسلام *** فكلام فموعد فلقاء كما هو حاصل الآن، من نظرة، فهاتف فلقاء فتلاعب بالعواطف، من بعض المستهترين والمستهترات، ممن لا يحسبون لعواقب الأمور. أما شباب "فيتنا" فلم يكن منهم غير تلك النظرات الخفية المسروقة الخجلة، التي كانت سببا بعد توفيق الله سبحانه، في زيجات ناجحة كان حصيلتها أبناء وبنات فأحفاد. مرت عبر الطريق إلى دكان العم عاشور إذ لم يكن هناك سوق مخصص للنساء غير سوق "القرقاع" الذي كانت تبيع فيه النساء أشياء مختلفة عما يوجد في دكان العم "عاشور"، وسمي سوق "القرقاع" بهذا الاسم، حسبما يقول الأستاذ "منصور أبو عطي" لأنك تسمع صوت "قرقعة" الخطوات على الأرض المنبسطة الكلسية النظيفة، وكان موقعه مقابل دكان العم "خضر المحلاوي" من الشرق، وكانت منطقة السد مابين البطحاء والصيادلة موقعاً ل "سوق الجمعة" الذي تباع فيه جميع منتجات البادية والحاضرة التي تأتي من البر والبلد ، مثل "الدجاج والبيض والمضير" إضافة إلى "الأغنام والبح والبط"، والفحومات والحطب وجميع ما لا توفره الأسواق على مدار الأسبوع. وسوف تكون لنا محطة قادمة بإذن الله مع أسواق أملج، التي اندثرت ولم يعد لها أثر، إلا في ذاكرة الناس. هناك موقع من نوع آخر، فارساته من بعض الفتيات الصغيرات اللواتي صرن جدات الآن، تقع ما بين بيت الشيخ حامد أبو عطي وبيت عمتنا نفيسة ونلاحظ هنا أن ذكر اسم البيت منسوبا للمرأة لم تكن شيئا معيباً حيث كانت الفتيات في تجمعهن الليلي ذلك يتسلين بالحجاوي، واللعب البريء، الذي قد يشابه بعضه لعب الصبية، ولا تخلو تلك الليالي وبشكل دائم من الطبل والغناء، وكان بعض بعض من الرجال أثناء، مرورهم بجوارهن ممن عرفوا بطيبتهم وفزعتهم، وبأبوية حميمة، لا يستنكفون من الرقص الرجولي على إيقاع غنائهن، ليدخلوا عليهن السرور، ولم يكن ذلك ينقص من هيبتهم، واحترام الآخرين لهم، ولولا الحرج لذكرت أسماء بعض أولئك الرجال الرائعين رحمهم الله. وقبل أن نكمل، أود الإشارة إلى أن هذه المحطات التي ترصد بعض العادات الاجتماعية، التي انتقل بعضها إلى أملج مع من جاء إليها واستوطنها، ونقل إليها عادات لبلاد مجاورة ، توطنت في أملج، وكانت تمارس بعفوية تامة، ولا ترتبط بما يمس العقيدة الصافية التي جبل عليها الناس ، إذ إنه كان هناك رجال لهم باع طويل في العلوم الشرعية والعقدية، ولم يكونوا ينكروا ما يرونه من صنيع هؤلاء البسطاء، إلا ما يجرح جوهر العقيدة، لإيمانهم العميق بأنهم لا يقصدون بها خلطا في الدين، بما يمس جوهره النقي الصافي، فتصدوا له ونبهوا الناس إلى فساده. ولعلي أذكر هنا ما قام به جدي "عبد الكريم عثمان" عندما جدد بناء مسجد الزاوية، حيث حرص على تلييس جداره الخارجي، بعد أن وجد في شقوقه قطعا من الخرق الملونة، يضعها بعض النسوة بجهل، ولو علموا أنه يخالف الدين لما أقدموا عليه. وقد جمع تلك الخرق وأعطاها لأخته وقال لها اصنعي منها "كرتاً" للبنات الصغيرات، لأنها كانت أقمشة جديدة. ومن ثم جمع كل النسوة اللواتي كن في الزاوية حينها، وشرح لهم خطأ ما يفعلونه، وأن ذلك محرم لا يجوز فعله. فامتثلن للأمر. نكمل حديثنا عن ملامح لألعاب الفتيات الخاصة بهن، والتي نلاحظ أنها منتشرة في محافظات (أملج الوجه ضبا) على حد سواء، لما بينها من تقارب وما بين أهلها من صلة رحم وقرابة. وكان بعضها مرتبط بحدث معين، مثل نزول المطر. إذ عندما تتلبد السماء بالغيوم، وتوشك السماء أن تمطر، يقمن بعمل عروسة من الخشب ويرسمن لها وجها، ويصنعن لها شعراً، ويكحلنها، ويلبسنها فستاناً، تحملها القائدة منهن، ويدرن بها على البيوت وهن ينشدن: يا أم الغيث (بلينا) *** وبلي ثوب راعينا راعينا شرد عنا *** يبغاله طبق حنة اتحنينا واتنقشنا *** وليوم العيد اتلبسنا ومما روته لي والدتي أطال الله في عمرها وأعمار القارئين وكانت قد تربت عند أخوالها في محافظة ضبا، أنه عندما يظهر في عين إحدى البنات (أبو جليجل) وهو دمل يظهر في العين، تقمن الفتيات بالدوران على بيوت الحارة القريبة، وهن ينشدن: أعطوا الجليجل حقه *** خلوه يرجع شَقُّه أعطوا الجليجل بتاوة *** خلوه يروح يداوى والشق أي الجحر أي يختفى من حيث ظهر، والبتاو لمن لا يعرفه هو فطير غليظ يصنع من الدخن ويخبز في الفرن. وأن أهل البيوت التي يمررن عليها، يعطونهن رزا وبصلا وسمنا، يقمن بطبخه وأكله في زاوية من زوايا الحارة، والعجيب أن " الجليجل" يختفي في اليوم الثاني، وكن يقمن بعمل بيت من الطين أو الحجارة في طريق المارة، ويعتقدون أن من يمر به، ويهدمه، سوف يصيبه "الجليجل". وعندما ينتصف الشهر، ويطلع البدر، وعلى تهادي المراجيح كنت تسمعهن وهن ينشدن: القمرة القمرة طلعت وسطاني يا شال أبويا فرد وغطاني غطى الجنينة و القصرالعالي عمال اتمرجح ولقيت لي جنيه يا بويا زوجني على أيد البيه وللحديث صلة بأذن الله .