العزوة هو الشخص الذي نعتد به ونتعضد به قبل الحاجة وساعتها وكان العرب في الماضي يعتزون أي يذكرون من أنصارهم وحلفائهم عند مرورهم في مناطق الخطر أو في ساعات اشتداد القتال وكان الملك عبدالعزيز رحمه الله يعتز بأخته نورة وهي كانت أخت رجال رحمها الله وكان في جدة نساء يعتز بهن كشعيبة رحمها الله، وكانت الحوائر في جدة قديما كأنها دول فذلك يعتز باليمن فيقول عبد يام وهذا يقول عبد اسطنبول وأبناء المدينة ينقسمون الى قسمين أولاد حارة وهؤلاء الذين يدافعون عن أعراض الحارة وأبنائها وأبناء خرقة وهؤلاء الأفندية أصحاب المال من الذوات والتجار وكبار موظفي الدولة، وكان لكل حارة كبير يرجع إليه وغالباً ما يكون كبير الحارة شيخها كما نقول في المثل الجداوي لا يزعل منك الحنبولي، والحنبولي كان شيخ حارتنا "المظلوم" وكان رجلاً موهوب الجناب صاحب موجب، وكان في حلبات المزمار يعتزي الرجال ويهزجون بالزومان وكثير من الزوامين فيها اعتزاز بالنفس وبالحلفاء وكانت بعض الحوائر في جدة لها حلفاء من حوائر مكة. ذلك تاريخ مضى بإقامة الدولة لسلطتها وازالة الفوارق بين الناس، وعودة للماضي اقول لقد كنت فتى اغلب أهله أولاد خرقة إلا أنا كنت أحب المزامير والمضاربات واتنقل من حارة لحارة للعب والمضاربة وكان لي في كل حارة عزوة ففي حارة البحر كان يوسف بالطوا حميتي وعزوتي وفي اليمن كان آل أبو زيد عزوتي أما في حارة الشام فآل عشماوي وآل حماد عزوتي وكنت اتنقل من حارة لحارة دون خوف وبعد ان انتهت هذه التقاليد وزالت الحوائر بتقاليدها وتغيرت الدنيا ظل في نفسي محبتي لعزوتي وللأسف انهم قد تركوا هذه الدنيا وقد توفي أخي نزيه أبو زيد منذ أيام يوم العاشر من محرم "عاشوراء" وهو رجل قل في الرجال مثله صاحب موجب رجل بكل مقاييس الرجولة وحسن الخلق وهو ابن بلد على حل ورمح تجده في الشدائد كما تجده في الأفراح رحمه الله، لا تفارق البسمة وجهه ولكن عندما يتصنع المعوج أمامه تتغير فورا تلك الابتسامة الى ذلك الوجه الجدي العابس وتتفتح تلك العينين المليئة بالذكاء والرجولة رحمه الله، كان صديق العمر عرفته في الحارة وفي مدرسة الفلاح وفي المدرسة الليلية نتعلم اللغة الانجليزية في بداية الثمانينيات الهجرية. عائلة آل أبو زيد عائلة محترمة أصحاب صنعة ووكلاء حجاج وهم محترمون، وكان العم بكر أبو زيد تربطه بوالدي صداقة عميقة وكان له بسطة بجانب دكان الوالد يبيع فيها دخان وكان يعمل لدى خاله العم محمد نور شنكار أمام العم محمود أبو زيد فقد كان صديقا لخالي عبدالوهاب حسوبة وهو رئيس المكتب الموحد للوكلاء رجل على خلق وكرم طبع الذي جعل كل الوكلاء يحبونه وهو صاحب أياد بيضاء. وكان بيت عم بكر أبو زيد في حارة المظلوم امام بيت عم عبدالسلام رضوان وكان له حوش وكانت البيوت في جدة قليلة التي لها حوش مثل بيت قابل وبيت عم أحمد مهندس وبيت جدي عبدالوهاب حسوبة، إن آل أبو زيد كآل عطية يشار إليهم في جدة بالبنان فهذا بيت رجال وشقاوية وذلك بيت علم، وقد كان لعوائل جدة مميزات جعلت هذه المدينة منسجمة ومترابطة فهم عائلة واحدة محترمة، رحم الله نزيه أبو زيد وكل من مات من أهل جدة في شهر المحرم شهر القيام الذي جعله الله محرما يوم خلق السماوات والأرض. ملاحظة: "عزوة" كلمة عربية صحيحة من لغة أهل الشحر، لغة مهرة بن لحيدان في جنوب الجزيرة.