بين يديّ ورقتان؛ الأولى منهما قرار من وزارة التعليم في المملكة العَرَبِيّة السعودية، والورقة الثَّانِية قرار من وكالة التدريب والتطوير للمدارس في بريطانيا، وأدعو القرّاء الأكارم إلى مشاركتي محاولة فهم هذين القرارين من خلال هذا المقال.. وسأبدأ بالورقة الأولى، التي تم نَشرها في موقع وزارة التعليم يوم الأربعاء الموافق: 3/11/1438ه كخبر بعنوان: وزير التعليم يصدر قَرَارَاً بتشكيل لجنة لدراسة دمج مرحلة الطفولة المبكرة (تمهيدي 2، تمهيدي 3) مع الصفين الأول والثَّانِي الابتدائي، ونصّ القرار في فقرته الثالثة: على أن تختصّ اللجنة بعدد من المهام منها: (تحديد الاحتياج من المدارس للدمج، إِضَافَةً إلى تحديد الفائض المتوقع من المعلمين، وإعداد خطة للتحوّل يحدد بها الجدول الزمني، مع مراعاة إمكانية التطبيق)، وفي الفقرة الرابعة منه: طالب بأن ترفع اللجنة الدراسة وآلية تنفيذها خلال ثلاثة أشهر من تاريخه، أما منطلقات القرار كما بدا واضحاً في بدايته أنه يتمثل في الرغبة في تطوير مرحلة الطفولة المبكرة، والارتقاء بمستوى أدائها. وكمحاولة لفهم هذه الورقة سأطرح بعض التساؤلات بين يدي الوزارة وجميع الفئات المستهدفة لتطبيق القرار، ولعلّ القرّاء يشاركونني فهم هذا القرار والتفكير بصوتٍ عالٍ من خلال هذه الأسطر: – ثمة مادة من سياسة التعليم في المملكة العَرَبِيّة السعودية، تنصّ على: (يُمنع الاختلاط بين البنين والبنات في جميع مراحل التعليم إلَّا في دور الحضانة ورياض الأطفال)، المادة رقم (155)، والمعتمدة بقرار مجلس الوزراء رقم: 779، وتاريخ: 17/ 9/1389ه، فكيف يتمّ إِصْدَار قرار يدرس دمج مرحلة الطفولة المبكرة مع الصف الأول والثَّانِي الابتدائي مع تقديم آلية التنفيذ في ظل وجود هذه المادة التي تمنعها؟ – هل الرغبة في تطوير مرحلة الطفولة المبكرة، والارتقاء بمستوى أدائها يتطلب مخالفة سياسة تعليم تُنَظِّم عمل الوزارة ابتداءً، وتؤطر كلّ أَعْمَالها المنبثقة منها؟ وعلى أَي المنطلقات النظامية والقانونية استندت في ذلك؟ – وهل هناك منهجية علمية موضوعية أكدت على خطورة الوضع التعليمي التربوي السابق لطلاب وطالبات الصف الأول والثَّانِي الابتدائي، واقتضت تغييراً عاجلاً من خلال خطة تحول ذات آليةٍ تنفيذية خلال ثلاثة أشهر من تاريخ إِصْدَار القرار؟ – وهل نحتاج عند تطبيق بعض القرارات أن يكون هناك متضررون منها؟ والفئة المتضررة التي أعنيها: هي فئة المعلمين، حيث ذكر القرار – كما أشرتُ في بداية المقال – (اختصاص اللجنة بتحديد الفائض المتوقع من المعلمين!)، ما معنى هذا التوجيه؟ هل هو استغناء؟ هل هو إيقاف استحداث وظائف لهم؟ يا تُرى ماذا سيحلّ بالخريجين منهم وهم عاطلون الآن؟ وماذا سيحلّ أكثر بهم بعد تنفيذ قرار كهذا! وهم أرباب أسرٍ يحدوها الأمل في فتح نافذة رزق تكفيهم متطلبات الحياة الأساسية؟! – وقبل أن ننتقل إلى الورقة الثَّانِية، ثمة تساؤل ختامي بين يدي هذه الورقة الأولى؛ ما هو المستند العلمي المنهجي الذي استندت الوزارة إليه في منطلقاتها التطويرية، حيث ارتأت أَنَّ التنشئة المشتركة الواحدة هي التي تسهم في الارتقاء بمستوى أداء الطلاب والطالبات في الصف الأول والثَّانِي الابتدائي؛ وبالتَّالي لا وجود لفروق نفسية سلوكية بين الجنسين في هذه المرحلة؟! والآن سأنتقل مع القرّاء إلى الورقة الثَّانِية؛ والتي تتضمن تجربة بريطانيا، حيث ارتكزت التجربة على توجه بحثي علمي في السنوات الأخيرة يدرس" أثر غياب المعلّم الرجل على شخصية الطالب في الصفوف الدنيا في بريطانيا"، وَأَكَّد هذا التوجه على خطورة هذه الظاهرة، وحاجة الطالب إلى المعلم بَدَلاً من المعلمة، ومدار هذه الأبحاث تدور حول بناء الثقة لدى الطالب، وتقديم البيئة التعليمية قدوةً تتناسب مع شخصية الطالب. وعليه، استندت إلى نتائج هذه الأبحاث المؤسسة الرسمية المعنية بذلك في بريطانيا والمتمثلة في وكالة التدريب والتطوير للمدارس (TDA) مقررة زيادة أعداد المعلمين للمساهمة في التكوين التربوي السليم لطلاب الصفوف الدنيا، وتشجيع وإقناع المعلمين من خلال حملات تربوية على الالتحاق بتدريس ذات الصفوف. (1) وقدّم كل من (كيفن ماكجراث، مارك سنكلير) بحثاً يحاول الإجابة عن تساؤل رئيس مفاده: لماذا نحن بحاجة المزيد من المعلمين الذكور في المدارس الابتدائية؟! وتوصل إلى تفضيل الطلاب الذكور للمعلمين بَدَلاً من المعلمات؛ الأمْر الذي يعزز الثقة، ويكسبهم مزيداً من الخبرات وطرق التفكير (November 20، 2013) (2) وفِي ذَاتِ السِّيَاقِ نشرت صَحِيفَة الإندبندنت البريطانية يوم الاثْنَيْنِ الموافق: 29 September 2008 خبراً عن بحث منشور في ذات اليوم، يؤكد تطور أداء الطلاب في المرحلة الابتدائية عندما يدرس لهم المعلمون، حيث أَشَارَ الطلاب إلى التأثير الكبير من قبل المعلمين عليهم في حياتهم الدراسية في ذات المرحلة، إِضَافَةً إلى تعزيزهم الثقة في قدراتهم. (3) ويعاضد التجربة البريطانية ميدان علم النفس، حَيْثُ إِنَّ الطفل يتوحد مع دوره الجنسي في الحياة وذلك في مرحلة الطفولة المتوسطة ما بين (6 – 8)؛ وَهُوَ مصطلح يقصد به علماء النفس بأنَّه: مرحلة يبدأ فيها الطفل الذكر والأنثى على حدّ سواء معرفة فروقاتهم عن بعضهم البعض ودور كلّ منهما في الحياة، فيبدأ الذكر يقلِّد والده وأشقاءه ومعلمه والذكور من حوله، وكذلك تحاكي الطفلة الأنثى سلوكيات والدتها وشقيقاتها ومعلمتها والإناث المحيطات بها (الغامدي، 2002م، مراحل النمو المعرفي)، ويضيف (الزهراني، 2010م، مرحلة الطفولة المبكرة) أنّه إذا لم يتمّ التوحد بشكل سوي فقد يَحْصُل للطفل اضطرابات نفسية سلوكية أكبر، ومنها ازدواج شخصية الذكر وشخصية الأنثى. وأتساءل بين يدي الورقة الثَّانِية؛ ما العوائد الاقتصادية، والاجْتِمَاعِيّة، والتربوية، والتعليمية التي جعلت وكالة التدريب والتطوير للمدارس (TDA) في بريطانيا، وبعد عِدَّة عقود من تجربة تدريس المعلمات للصفوف الدنيا من المرحلة الابتدائية تقرر زيادة أعداد المعلمين الذكور لذات المرحلة، والتشجيع عليها من خلال حملات تربوية واسعة؟ وفي ختام هذا المقال؛ هل نصل إلى أهمية المقارنة بين القرارين؟ من حيث المنطلقات؟ والمبررات؟ ورصد الواقع التربوي؟ وآلية التطبيق؟ ومستوى التأهيل؟ وُصُولاً للنتائج التربوية التعليمية المأمولة؟ سأترك الإجابة عن ذلك إلى اللجنة المخولة من قبل وزارة التعليم بدراسة قرار الدمج من مُدِيرِي التعليم، وممثلي الإشراف، ومُدِيرِي سياسات المناهج والتخطيط، ولمن يسعى إلى الإصلاح التربوي مبنى ومعنى. فنحن نريد أن نفهم فقط! بقلم/ قمراء مقبل السبيعي أكاديمية وكاتبة سعودية @QmraALsubeai – – – – – – – – – – – – – – – (1) https://www.gov.uk/government/organisations/training – and – development – agency – for – schools (2) https://www.sciencedaily.com/releases/2013/11/131120081236.htm (3) http://www.independent.co.uk/news/education/education – news/boys – do – better – when – they – are – taught – by – men – study – finds – 946109.html