أكد معالي إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس أهمية اغتنام الإجازة والاصطياف والترفية البريء بتثبيت دعائم الحق والخير. وقال في خطبة الجمعة اليوم بالمسجد الحرام "في استهلال هذه الأيام الوارفة، ذات الأطياف الجليلة الهادفة، يَتَبَدَّى لنا من الصَّيْف مُحَيَّاه، وتهب نسائمه ورَيَّاه، إذ الآمال إلى استِثماره مُشْرَئِبَّةٌ رَانِيَة، والآماق إلى اهتِبَالِه، متطلعة حانية، كيف وقد نشر علينا مطارفَه، ونَسَخَ للظل وارفَهْ، ونَثَر في الدُّنا أرجه، وبسط بشمسه قيْظه ووهَجه، مما يحمل على الادكار ويبعث على الاعتبار، ويذكِّر بحرِّ النار، في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"اشتكتِ النار إلى ربها، فقالت: يا رب أكل بعضي بعضا، فأذن لها بنفسين، نفس في الشتاء، ونفس في الصيف، فأشد ما تجدون من الحر من سموم جهنم، وأشد ما تجدون من البرد من زمهرير جهنم". وأضاف هذا يدعوا العبد إلى تَوَقِّي دخول النار، بالأخذ بالأسباب الشرعية، فقد عدَّها أهل العلم، ومنهم العلامة ابن أبي العز الحنفي، شارح العقيدة الطحاوية، عشرة أسباب، عُرفت بالاستقراء من الكتاب والسنة، وهي: التوبة، والاستغفار، والحسنات، والمصائب الدنيوية، وعذاب القبر، ودعاء المؤمنين واستغفارهم في الحياة وبعد الممات، وما يُهدى إليهم بعد الموت من ثوابِ صدقةٍ أو حجٍّ أو دعاءٍ ونحوه، وأهوال يوم القيامة وشداده، وشفاعة الشافعين، وعفو أرحم الراحمين. وقال الشيخ السديس أيها المسلمون: الصيف يحمل في أندائه إجازة صيفية، وهَدْأة نَفْسِيَّة، إثر شواغل الحياة، وكلال المسؤوليات والمهمات، حيث يستريح في مجاليها اللاغبُ والمحرور، ويمتح المكدود من فُسْحَتِها بَرْدَ الهدأة والسرور، ورَوْح الراحة الموفور. فيَا بُشْرَى لِمَن عَمَرَها بالبُرور والطاعات ووشَّاها، ويا سُعْدى لِمَن دَبَّجَها بِخَيْرِ الخَيْرِ وغَشَّاها. وأضاف يقول أمة الإسلام: ومن القضايا الموسميّة، المحورية والجوهرية، في فصل الصيف اللافح، ومع موسم الإجازة النافح، قضية السفر والارتحال، والسياحة والانتقال، حيث ينزع الناس إلى الأفياء الندية ذات الينابيع الدَّفَّاقة، وجداول الراوبي الرقراقة، دفعا للنمطية والرتابة والملال، ونشدانا لمواطن السكون والمسار، ومرابع الاعتبار والادكار، قال سبحانه: ?قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ?، والمراد: إجمام الفؤاد، بين النجود والوهاد. قال أهل التفسير: وذاك مباح في جميع الشرائع ما لم يكن دأبا. قال شيخ الإسلام ابن تيمية:"ومَن استعان بالمُبَاح الجميل على الحَقِّ، فَهَذا من الأعمال الصَّالحة". وبين معالي الشيخ السديس أنه مع غياب التأصيل الشرعي لفقه السياحة، وأحكامها وآدابها أزَّجَمًّا غفيرًا من المسلمين، للأسفار الوبيئة، والسياحة القميئة، وسوَّغ لهم الفهم المنعكس لمدلول السياحة البريئة والاصطياف، والتنصُّلَ من المثل والأخلاق والأعراف، وأهطعوا للاغترافِ من المساخطِ والخزي والإسفاف، إلى جانب الابتزاز والاستنزاف، وحسبكم من شرٍّ سماعه. وأكد إمام وخطيب المسجد الحرام أنه لِزَامًا عَلى الآباء والأمهات، ورجال التربية والإعلام، أن يتواردوا على مقتضى السَّفر البَرِيء الوريف، النَّزِيه العفيف، ومَا مُقْتضَاه إلاَّ تثبيتُ دَعائم الحَقِّ والخير والجمال في نفوس الجيل، مع الاعتزاز بالإسلام مَنْهج حَيَاةٍ: رسالة، وعقيدة، وشريعةً وأخلاقًا وقيما، وشعائر ومشاعر وحضارة. وأنْ يُوَجِّهوا اغتنام الإجازة والاصطياف، والترفيه البريء، والسِّيَاحة الإسلامية، صَوْبَ المَنْهج المُنْضبط بالقواعد الشرعيّة، والآداب السَّنِيّة، عبر برامج عملية ومشروعات إيجابية أصالة ومعاصرة، في توازُنٍ وتواؤمٍ مع التّكاليف الرَّبَّانِيّة، وسَوْسِ الأنشطة والبرامج والخُطط، نَحْو تهذيب النَّفْسِ، وإرهافِ الذِّهن والحِسِّ، وإلهاب الذّكاءِ واللُّبِّ، تَصَعُّدًا بِطَلائع النَّشْء الصّالح، في مَدَارات العُلا والنُّبْل، ومَدَارِج العَزائم والفَضْل. وقال معالي الشيخ عبدالرحمن السديس: ومع الانْسِرَابِ في صَوَارِف الإجازة الصيفية التي تخلع على المجتمعات مظاهر البهجة والاسترواح، ومطارف الحَبْرة والانشراح، فإنه لامعدى لنا -والمآسي تقضِمُ أمَّتنا- أن نتذكر الأحوال المُعرِقة، والمحن المحرقة في أرض الإسراء والمعراج، فلسطين الجريحة المَرِيعة، وبلاد الشام الملتاعة الصريعة، حيث الدم الثجاج، والطغيان الأرعن المهتاج، الذي هصر إخواننا في العقيدة من قِبَلِ عُصبة التقتيل والتدمير، سعيا لنصرة قضاياهم، وتخفيفا من رزاياهم. فرَّج الله كربتهم، وجمع فرقتهم، وحمى بالتآزر بيضتهم، وقَيَّضَ الغُيُرَ لِنُصْرَتِهِم، إن ربي سميع رحيم، جواد كريم. وكذا من يتعرضون للهيب الشمس الحارقة، ويعملون ويكدحون تحت سياطها اللافحة، فلهم حق الرفق والعطف والمواساة، وعدم نسيانهم من اللمسات الإنسانية الحانية، والتعاملات الشفيفة الحادبة. ومضى الشيخ السديس يقول إلى مَن وَلَّوْا وُجُوهَهُم صَوْبَ السياحة والأسفار، ويمَّموا نواياهم شطر المنتجعات والأقطار، يبغون الفُسحة والإيناس، والترويحَ بين الخمائل والغِراس، أنْ كونوا للإسلام خير رادة، وللشريعة أنبل قادة، ولبلادكم أمثل سفراءٍ وسادة، تُحققوا لأنفسكم وأمتكم الخير والسعادة، ولتكن أسفاركم دومًا مُفعمةً بالعزَّة والطاعة والبر والاغتنام. وأضاف ولتحذروا أن تشدُّوا رحالكم للضِّعة والتِّرة والاغتمام، ومباءات الفجور والأقتام، مع الحرص الأكيد، على الإزدلاف إلى المولى –العزيز الحميد- وذلك بالمحافظة على الفرائض والسُّنن، وأقوم الآداب وأطهر السَّنن، ساعتئذ ما أبهى السفر والسياحة، في رَوْحِ إيمانٍ وراحة، ومَعَاني بالخير والهُدَى نَفَّاحة. ودعا الشيخ السديس من عزموا على إقامة مناسبات الأفراح والزواجات، إلى رعاية الضوابط والآداب الشرعية في هذه المناسبات، من الاقتصاد والترشيد والطاعة، والبعد عن الإسراف والبذخ وسائر المعاصي. وفي المدينةالمنورة أوضح فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ عبدالباري الثبيتي أن المسابقة في البر وحب التنافس المحمود يثري الحياة ويظهر أثره في الآخرة ويمتد إلى الصعود إلى المراتب العليا في الجنة, موصيًا المسلمين بتقوى الله عز وجل مستدلا قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا اتقوا لله وقولوا قولا سديدا, يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما). وقال فضيلته في خطبة الجمعة بالمسجد النبوي "ينافس المسلم في الطاعة ويسارع في الخير لأن الأعمار قصيرة والآجال محدودة واللبيب العاقل يبادر قبل العوائق والعوارض فلا يستوي مبارد إلى الخير ومتباطئ ومسابق في الفضل ومتثاقل, التنافس المحمود يثري الحياة ويجعل المسلم يطمح إلى السمو بنفسه والارتقاء بعلمه وعمله للسعي إلى الكمال, سرت روح التنافس في نفوس أصحاب الهمم وأعلاهم قدرا أنبياء الله فنبي الله موسى عليه السلام بكى لما تجاوزه النبي صلى الله عليه وسلم غبطة، فقيل له ما يبكيك فقال أبكي لأن غلاماً بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي". وأضاف فضيلته أن رسولنا عليه الصلاة والسلام بث روح التنافس في أصحابة ورسم لهم أهدافا في أحاديث لا حصر لها، منها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا تنافس بينكم الا في اثنتين، رجل أعطاه الله عز وجل القرآن فهو يقوم به الليل والنهار فيتتبع ما فيه فيقول الرجل،لو أعطاني الله مثل ما أعطى فلانا فأقوم به مثل ما يقوم فلان، ورجل أعطاه الله مالاً ينفق ويتصدق, فيقول رجل مثل ذلك). ومضى فضيلته يقول إن روح المنافسة الشريفة تأججت بين الصحابة رضوان الله عليهم فاغتنموا الأوقات واستثمروا الأعمار وصاروا أعلى شأنا وأرفع علما وعملا بل غدو أصحاب فضل وسبق، ففي يوم أحد استثار النبي صلى الله عليه وسلم روح المنافسة الشريفة بين أصحابة فقال (مَنْ يَأْخذ هَذَا السيفَ بحقه)، فَقَامَ أَبو دجَانَةَ سِمَاك بن خَرَشَةَ، فَقَالَ: (يَا رَسولَ اللَّهِ، أَنَا آخذه بحَقِهِ فَمَا حَقه)، قَالَ (إلا تقتل مسلما ولا تفر به عن كافر), فربى رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه على المبادرة إلى الخيرات والتسابق في الطاعات والتنافس في أعمال البر. وبين الشيخ الثبيتي أن التنافس في الخيرات يظهر أثره في الآخر ويمتد إلى الجنة فيصعد أهل القرآن درجات الجنة بمقدار ما يقرأون ويرتلون، فيسمو التنافس بصاحبه إلى المراتب العليا حين يؤسس على نية خالصة ويطهر من لوثات القلوب التي تفسد العمل،محذراً من أن موت روح التنافس يحول الأمة إلى مجتمع متهالك يسوده التواكل والتخلف ويفرز البطالة والقعود وينشئ جيلا هزيلا فاتر لعزيمة. وقال فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي إن التنافس على الدنيا مذموم حين يلهيك عن الله الدار الآخر ويحملك على القبائح والمنكرات ويقودك إلى منع واجب أو أخذ حرام أو اعتداء على حقوق الآخرين، فالتنافس على الدنيا أدي إلى التصارع بين الأخوة والأقارب سبب القطيعة والبغضاء فكثرت الخصومات, مبينا أن الحسد من أشد أسباب التنافس المهلك الذي يقوض بناء الأخوة الإسلامية ويفقد المسلمين الأمن لأن الحاسد يتمنى زوال نعمة أخيه وقد يتسبب في زوالها بالقوة. وأشار الشيخ عبدالباري الثبيتي إلى أن من المنافسة المذمومة ما يحصل بين المتقاربين في الفضائل بذم المرء غيره بذكر مساوئه وغض الطرف عن محاسنه لوجود عداوة أو بغضاء،فقد تقع المنافسة المذمومة في التجارة لذا ضبط الإسلام المنافسة في الأعمال التجارية بقواعد وأحكام شرعية فحرم الاحتكار بكل صوره وحرم الحيل والغش والغرر والخداع والتدليس قال صلى الله عليه وسلم (من غشنا فليس منا).