أكد إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس أهمية اغتنام الإجازة والاصطياف والترفيه البريء بتثبيت دعائم الحق والخير. محذرا في الوقت نفسه من شد الرحال للضِّعة والتِّرة والاغتمام، ومباءات الفجور، مع الحرص الأكيد على المحافظة على الفرائض والسُّنن، وأقوم الآداب وأطهر السَّنن، بحسب ما نشرته "الشرق". وقال السديس إن من القضايا الموسميّة، المحورية والجوهرية، في فصل الصيف اللافح، ومع موسم الإجازة النافح، قضية السفر والارتحال، والسياحة والانتقال؛ حيث ينزع الناس إلى الأفياء الندية ذات الينابيع الدَّفَّاقة، وجداول الراوبي الرقراقة، دفعا للنمطية. قال سبحانه: «قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ» والمراد: إجمام الفؤاد، بين النجود والوهاد. قال أهل التفسير: وذاك مباح في جميع الشرائع ما لم يكن دأبا. قال شيخ الإسلام ابن تيمية :» ومَن استعان بالمُبَاح الجميل على الحَقِّ، فَهَذا من الأعمال الصَّالحة». وبين أنه مع غياب التأصيل الشرعي لفقه السياحة، وأحكامها وآدابها أزَّ جَمًّا غفيرًا من المسلمين، للأسفار الوبيئة، والسياحة القميئة، وسوَّغ لهم الفهم المنعكس لمدلول السياحة البريئة والاصطياف، والتنصُّلَ من المثل والأخلاق والأعراف، وأهطعوا للاغترافِ من المساخطِ والخزي والإسفاف، إلى جانب الابتزاز والاستنزاف، وحسبكم من شرٍّ سماعه. وأكد إمام وخطيب المسجد الحرام أنه لِزَامًا عَلى الآباء والأمهات، ورجال التربية والإعلام، أن يتواردوا على مقتضى السَّفر البَرِيء الوريف، النَّزِيه العفيف، ومَا مُقْتضَاه إلاَّ تثبيتُ دَعائم الحَقِّ والخير والجمال في نفوس الجيل، مع الاعتزاز بالإسلام مَنْهج حَيَاةٍ: رسالة، وعقيدة، وشريعةً وأخلاقًا وقيمًا، وشعائر ومشاعر وحضارة. وأنْ يُوَجِّهوا اغتنام الإجازة والاصطياف، والترفيه البريء، والسِّيَاحة الإسلامية، صَوْبَ المَنْهج المُنْضبط بالقواعد الشرعيّة، والآداب السَّنِيّة، عبر برامج عملية ومشاريع إيجابية أصالة ومعاصرة، في توازُنٍ وتواؤمٍ مع التّكاليف الرَّبَّانِيّة، وسَوْسِ الأنشطة والبرامج والخُطط، نَحْو تهذيب النَّفْسِ، وإرهافِ الذِّهن والحِسِّ، وإلهاب الذّكاءِ واللُّبِّ، تَصَعُّدًا بِطَلائع النَّشْء الصّالح، في مَدَارات العُلا والنُّبْل، ومَدَارِج العَزائم والفَضْل. وقال: ومع الانْسِرَابِ في صَوَارِف الإجازة الصيفية التي تخلع على المجتمعات مظاهر البهجة والاسترواح، فإنه لا معدى لنا -والمآسي تقضِمُ أمَّتنا- أن نتذكر الأحوال المُعرِقة، والمحن المحرقة في أرض الإسراء والمعراج، فلسطين الجريحة، وبلاد الشام الصريعة، سعيا لنصرة قضاياهم، وتخفيفا من رزاياهم. ودعا السديس مَن وَلَّوْا وُجُوهَهُم صَوْبَ السياحة والأسفار، ويمَّموا نواياهم شطر المنتجعات والأقطار، أن يكونوا للإسلام خير رادة، وللشريعة أنبل قادة، ولبلادهم أمثل سفراءٍ وسادة. كما دعا من عزموا على إقامة مناسبات الأفراح والزواجات، إلى رعاية الضوابط والآداب الشرعية في هذه المناسبات، من الاقتصاد والترشيد والطاعة، والبعد عن الإسراف والبذخ وسائر المعاصي. وفي المدينةالمنورة أوضح إمام وخطيب المسجد النبوي عبدالباري الثبيتي أن المسابقة في البر وحب التنافس المحمود يثري الحياة، ويظهر أثره في الآخرة، ويمتد إلى الصعود إلى المراتب العليا في الجنة. وقال في خطبة الجمعة في المسجد النبوي: «ينافس المسلم في الطاعة ويسارع في الخير؛ لأن الأعمار قصيرة، والآجال محدودة، واللبيب العاقل يبادر قبل العوائق والعوارض؛ فلا يستوي مبادر إلى الخير ومتباطئ، ومسابق في الفضل ومتثاقل، التنافس المحمود يثري الحياة، ويجعل المسلم يطمح إلى السمو بنفسه والارتقاء بعلمه وعمله للسعي إلى الكمال، سرت روح التنافس في نفوس أصحاب الهمم وأعلاهم قدرا أنبياء الله؛ فنبي الله موسى عليه السلام بكى لما تجاوزه النبي -صلى الله عليه وسلم- غبطة، فقيل له ما يبكيك فقال أبكي لأن غلاماً بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي». وأضاف: رسولنا -عليه الصلاة والسلام- بث روح التنافس في أصحابه، ورسم لهم أهدافا في أحاديث لا حصر لها، منها أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال (لا تنافس بينكم إلا في اثنتين، رجل أعطاه الله -عز وجل القرآن- فهو يقوم به الليل والنهار فيتتبع ما فيه؛ فيقول الرجل: لو أعطاني الله مثل ما أعطى فلانا فأقوم به مثل ما يقوم فلان، ورجل أعطاه الله مالاً ينفق ويتصدق؛ فيقول رجل مثل ذلك). وبين الشيخ الثبيتي أن التنافس في الخيرات يظهر أثره في الآخرة ويمتد إلى الجنة؛ فيصعد أهل القرآن درجات الجنة بمقدار ما يقرأون ويرتلون، فيسمو التنافس بصاحبه إلى المراتب العليا حين يؤسس على نية خالصة، ويطهر من لوثات القلوب التي تفسد العمل، محذراً من أن موت روح التنافس يحول الأمة إلى مجتمع متهالك يسوده التواكل والتخلف، ويفرز البطالة والقعود، وينشئ جيلا هزيلا فاتر العزيمة. وقال إن التنافس على الدنيا مذموم حين يلهيك عن الله والدار الآخرة، ويحملك على القبائح والمنكرات، ويقودك إلى منع واجب أو أخذ حرام أو اعتداء على حقوق الآخرين، ويؤدي إلى التصارع بين الإخوة والأقارب، ويسبب القطيعة والبغضاء؛ فكثرت الخصومات، مبينا أن الحسد من أشد أسباب التنافس المهلك الذي يقوض بناء الأخوة الإسلامية. وأشار الثبيتي إلى أن من المنافسة المذمومة ما يحصل بين المتقاربين في الفضائل بذم المرء غيره بذكر مساوئه وغض الطرف عن محاسنه؛ لوجود عداوة أو بغضاء، فقد تقع المنافسة المذمومة في التجارة؛ لذا ضبط الإسلام المنافسة في الأعمال التجارية بقواعد وأحكام شرعية، فحرم الاحتكار بكل صوره، وحرّم الحيل والغش والغرر والخداع والتدليس. قال -صلى الله عليه وسلم-: (من غشنا فليس منا).