أصبحت الجرائم المتمثلة في قتل الأقارب من أخطر الجرائم المضادة للمجتمع بل من أغربها قتل الوالدين لأنها غريبة عن المجتمع السعودي؛ مما جعل هذه الجرائم تشكل هاجس خوف وقلق داخل المجتمع السعودي بل وأثارت موجة من الرعب الممزوج بالاستنكار والاستغراب، وهذا الاستغراب نتيجة لأن مرتكبها يعد عدواً مجهولاً لا نعلم متى وأين وكيف يظهر..؟! في حديث ل"تواصل" أوضح الدكتور ماهر البردي الباحث المختص في جرائم الإرهاب والسلوك المنحرف أن إشكالية هذه الجرائم تتطور وتتنوع في الأسلوب والطريقة نتيجة لتطور المجتمع وبصورة خاصة التطور في وسائل الاتصالات الإلكترونية، الذي جعل المحتص في مشكلة السيطرة عليها نتيجة لتعدد أسبابها. وتابع حديثه: هذا إذا ما عرفنا أيضاً أن الجريمة بمفهومها العام ومن الناحية السوسيولوجيّة ظاهرة اجتماعية عامة تزيد في المجتمعات التي ينتشر فيها الظلم والقهر؛ ونتيجة لعجز الفرد عن مواجهة هذا العنف والاستبداد يلجأ إلى التعبير المادي المتمثل في العنف القائم على الجريمة؛ ولذلك نجد أيضاً أن كثيراً من الأسر تكون عاملاً محفزاً ودافعاً على ارتكاب الجريمة وغرس السلوك العدواني تجاهها وتجاه المجتمع نتيجة لما تفتقده كثير من الأسر من خلق جو أسري قائم على المحبة والتسامح والنقد وتقبل الرأي والرأي الآخر مع أفرادها ومع الآخرين. وفي سؤال ل"تواصل" هل جرائم قتل الوالدين والاقارب اصبحت ظاهرة في المجتمع السعودي؟! أجاب البردي: برغم ما حدث من جرائم أسرية في مجتمعنا من قتل والدين أو أقارب، إلا أننا لا يمكن أن نطلق على تلك الأحداث ظاهرة متفشية داخل المجتمع لكنها تعطينا مؤشراً كبيراً على خلل داخل بنية الأسرة والمجتمع، ويحتاج إلى تدخل المختصين من خلال الدورات والندوات والورش ووسائل الإعلام لتقوم بدورها الوقائي قبل العلاجي ومساعدة المجتمع من خلال توعية الأسر. وأضاف: من الناحية النفسية يشير الجانب النفسي إلى أن الشخص عندما يولد لا يولد وداخله جوانب عدوانية أو مضادة للمجتمع، بل إن هذه الجوانب يكتسبها من خلال عوامل عديدة بيئية واقتصادية وتعليمية ودينية؛ لأن كثيراً من الشباب ونتيجة لهذه العوامل يصبح مفتقداً لهويته وتصبح ضائعة، وحتى نعالجها لا بد من دراسة هذه الحالات من خلال تفكيكها وتحليلها ومعرفة أسبابها. وأردف: هذه الأسباب قد تكون مرتبطة بمسببات أخرى ومتداخلة معها، فمثلاً نجد أن بعض الحالات الإجرامية كانت نتيجة إدمان المخدرات حيث يتكون بعض هذه المخدرات من عقاقير تؤدي إلى الهلوسة، أو شم بعض المواد الكيميائية المتطايرة التي تدخل المتعاطي في حالات مشابهة لمتعاطي المخدرات، وبعض هذه المواد الكيميائية يكون لها دور كبير في اضطراب كيمياء الدماغ المعروف ب Serotonin والذي يتحكم بعدة فعاليات كالوعي والسلوك والتغيرات المزاجية؛ ونتيجة لذلك يصبح لدينا نوع من الخلل العقلي، كما أن المخدرات وبعض هذه المواد المتطايرة لها دور كبير في تدمر العديد من خلايا المخ؛ ونتيجة لهذا التدمير يدخل الشخص في حالات انسحابية تجعل منه شخصاً فاقداً للتميز ويدخل نتيجة لذلك تصنيف الأمراض النفسية وخاصة الذهانية منها. وختم البردي: أتمنى من الأسر أن تراقب أبناءها وتتابعهم وتعرف مع من يختلطون، وأيضاً على مستشفيات الصحة النفسية التي يودع بها بعض هؤلاء المرضى وخاصة الذهانيين أن لا يخرجوا إلا بعد التأكد التام من الشفاء، هذا إذا ما عرفنا أن الشخص الذهاني يحتاج إلى فترة زمنية من العلاج قد تمتد إلى سنوات، وأيضاً مستشفيات الأمل عليها أن تتأكد قبل أن تُخرج أحداً من تلك الحالات التي أصبحت في حالة من الإدمان حتى يتم الشفاء الكامل للمريض وحتى لا نرى حالته قد تطورت وأصبحت في مستشفيات الصحة النفسية، كما أطالب بأن يكون هنالك تحسين وتطوير في طرق التربية والتعليم من خلال اتباع أسس علمية وعقلانية تبدأ بالتنشئة الاجتماعية من مرحلة بناء الشخصية من سن المهد، مروراً بمراحل الطفولة والمراهقة عن طريق استيعاب المعرفة من خلال الحوار الحب التسامح والنقد البناء وتقبل الرأي الذي يصدر منه مهما كان، كما أن علينا أيضاً تحسين منظومة القيم والمعايير الأخلاقية والدينية.