تداولت الوكالات الإخبارية العالمية خبر تبرئة الحكومة السعودية من أحداث 11 سبتمبر 2001م، قبيل رمضان من هذا العام 1436ه بخمسة أيام، وتحديداً في 12 يونيو 2015م، وكان لصدور الخبر كتقرير من وكالة الاستخبارات الأمريكية CIA أصداء كبيرة حيث تضمن ما يحسم الجدل، وفيه: "الفريق لم يعثر على أي دليل يثبت بأن الحكومة السعودية قامت بعلم المسؤولين ومعرفتهم بتقديم دعم لإرهابيي القاعدة" وبخلاصة مفادها "أن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية لم تجد أية تقارير موثوقة تؤكد تورط الحكومة السعودية في تقديم الدعم المالي للإرهاب"، (موقع الCNN، وموقع الفوكس الأمريكية وغيرهما)، وموضوع البراءة لم يُعط حقه -مع الأسف- في الإعلام المحلي كما هو المعتاد من الضجيج الإعلامي المحلِّي المصاحب لمزاعم الإدانات الأمريكية السابقة تجاه الدولة وعملها الخيري! وعبر عشر سنوات مضت تواتر بشكل لافت للنظر من المحاكم الأمريكية والدولية البراءات المتتالية للحكومة السعودية ورموزها السياسية ومؤسساتها الخيرية وبعض العاملين فيها ومجموعة من رجال الأعمال ممن وُضعوا جميعاً على قائمة الإرهاب الأمريكية أو قائمة الإرهاب الخاصة بالأممالمتحدة ([*]). وبالرغم من هذه التبرئات المتتابعة فغياب العمل الخيري السعودي الفاعل عن الساحات الدولية يزداد، مقارنة بتفاقم الأوضاع الضخمة المؤلمة وتحدياتها، كما تتضاعف سلباً وتعقيداً نُظُم مؤسسة النقد (البنك المركزي) والبنوك التجارية والإجراءات المتعلقة بالتبرعات وحسابات المؤسسات الخيرية الداخلية منها والخارجية، بل إن استمرارية الغياب السعودي القوي المنافس وجناية بعض النُظُم المالية وبيروقراطيتها، مما يكرِّس الإدانة للوطن ومؤسساته وحكومته ودولته، وليس البراءة! ومن المهم فيما سبق: ● أن لا تكون البراءة إدانة، فعودة العطاء المؤدلج الحكومي وغير الحكومي للشعوب المستضعفة المسحوقة إلى موقعه السابق وأكثر يُعدُّ من لوازم المرحلة خاصة مع الحروب، لتعود دولة العطاء إلى موقعها العالمي، فالوطن السعودي بحاجة إلى تعزيز هويته ورسالته الإسلامية بميلاد جديد لمؤسسات خيرية متنوعة معنية بذلك، فالعطاء عقيدة وعبادة للأمة، وعودته مما يسهم أكثر بإقصاء الإدانة وتعزيز البراءة. ● ولئلا تكون البراءة إدانة، فاستحقاقات البراءة تكون بإعادة النظر في بعض التشريعات والنظم المالية المجحفة التي صدرت بعد أحداث سبتمبر 2001م وأَضْعَفَت دور المؤسسات والجمعيات الداخلية والخارجية، وقَلَّصت فعاليات التبرعات، وألغتها من وسائل الإعلام والمسجد والمدرسة والسوق، وذلك للإسهام بشكل أكبر في تكريس البراءة، لاسيما بعد أن أصبحت -بحمد الله- الرقابة على الجمعيات الخيرية والشفافية المالية فيها تفوق مؤسسات القطاع الحكومي أضعافاً مضاعفةً! ● ولئلا تكون البراءة إدانة، فالاستجابة لمتطلبات المرحلة بتعزيز حقوق المواطن السعودي، والثقة بشراكته العالمية في العمل التطوعي الميداني مما يؤكد البراءة وإسقاط الإدانة، لتكون المنافسة بما يفوق دول الجوار والدول الإسلامية الأخرى في التعاطي الإيجابي مع التبرع والتطوع. ● ولئلا تكون البراءة إدانة، فالمبادرة في رفع الدعاوى على صانعي هذا الاتهام في المحاكم الدولية لرد الاعتبار يُعدُّ من أولويات الاستحقاقات المشروعة للوطن حكومة وشعباً، فرفع الدعاوى في العُرْف الدبلوماسي حقٌ سيادي، وحقٌ آخر لا يقل أهمية عن سابقه وهو مقاضاة بعض إعلاميي الداخل ممن أسهموا في تشويه الوطن ومؤسساته الخيرية، وصنعوا تبرير انتهاك سيادته وإضعافه بمقالاتهم وبرامجهم الدعائية المغرضة تحت شمَّاعة الوطنية المزيفة الخاطفة لهوية الوطن ورسالته الإسلامية!، وهي استحقاقاتٌ سيادية ومعنوية بقدر ما فقدته السعودية من الريادة والقيادة للعالم الإسلامي في سنوات مضت، وبوزن النتائج المُرَّة التي جنَتْهَا بلاد الحرمين -ولاتزال- من الصراعات الحالية والمستقبلية التي تستهدف رسالتها ومكانتها ووحدتها وقوَّتَها، بل إن المرافعات والمقاضاة في هذا الشأن استحقاقات للوطن والمواطن جديرة أن تكون بحجم خسائره السياسية وتمدد خصومه في فراغه الكبير -الذي لفت نظر المراقبين السياسيين عالمياً-. ● ولئلا تكون البراءة إدانة، فالعمل بحسمٍ يتكامل مع الحزم لميلاد مفوضية أو هيئة عُليا إشرافية رقابية تجلب المؤسسات الوطنية المهاجرة بالتوطين، وتَمنَح التراخيص اللازمة، وتُنظِّم العمل والعاملين، وتدعم التبرع والتطوع، مما يعزز السيادة ويقوي السياسة، ليكون بهذا تجاوز تبعات حدث الحادي عشر من سبتمبر وفزَّاعاته الوهمية المتنوعة، لا سيما أن الحروب العالمية تفرض على الدول ميلاد المؤسسات وليس نقصها، فهي إسناد للحكومات والدول وعونٌ لها في الأزمات، وهي للعالم العربي أهم وأوجب، فحروبه لن تحسمها الآلة العسكرية فحسب، بقدر ما تحسمها العقيدة والفكر والثقافة، وأعمال الخير والإغاثة. البراءة الحقيقية أمام الخالق والمخلوقين، أن نملأ سمع العالم وبصره بمؤسساتنا، وتبرعاتنا، ومشاريعنا الخيرية الموجَّهة، ويكون حضورنا الخيري الإنساني بقوة وثقة بالله وحده مع إخواننا في فلسطين والعراق وسوريا واليمن وغيرهم، ومع الحقوق المشروعة للثكالى واليتامى والأرامل والمهجَّرين، ولنصرة المستضعفين وعون المشردين مما تتفطَّر له وعليه قلوب البشر، وكل ذلك بما يساوي حجم التشريد واللجوء والقتل والمأساة، والأمراض والمجاعات التي عَدَّت الأممالمتحدة إحداها -وليس كلها- من أكبر مآسي التاريخ ومن أسوأ كوارث العصر بعد الحرب العالمية الثانية، والأخطر أن الحروب سوف تطول، والمأساة ستزداد بما لم تستطع تغطيتها الدول والحكومات مجتمعة -حسب كثير من المؤشرات العلمية والمعطيات السياسية والله أعلم-، ولعلَّ العمل الاستراتيجي بلوازم البراءة الحقيقية أداءٌ لبعض الواجب ودفع للكربات والبلاء عن بلاد الحرمين حفظها الله من كل سوء. اللهم إني بلغت، اللهم فاشهد. محمد بن عبدالله السلومي [email protected] _______ (*) كتاب ضحايا بريئة للحرب العالمية على الإرهاب باللغة الإنجليزية (Innocent Victims) المنشور في دار أوثر هاوس الأمريكية البريطانية الشهيرة، والمترجم إلى عشر لغات عالمية كمرافعة علمية قانونية على صانعي الاتهام للمؤسسات الخيرية الإسلامية بدعم الإرهاب، تضمَّن الكثير من البراءات، ومنها براءة الحكومة السعودية وسقوط التهم والدعاوى عن كلٍّ من الأمير سلطان بن عبدالعزيز والأمير نايف بن عبدالعزيز -رحمهما الله-، والملك سلمان بن عبدالعزيز -وفقه الله للخير ودعْمِه-، ومؤسسة الحرمين الخيرية، إضافة إلى مجموعة من البنوك السعودية وحوالي مائة من رجال المال والأعمال ومجموعات من الشخصيات الاعتبارية، وقناعةً بلغة الكتاب الوثائقية العلمية والقانونية قدَّم له السيناتور في الكونجرس الأمريكي بول فندلي، كما قدَّم له بلغته الألمانية المفكر الألماني مراد هوفمان، ومهاتير محمد رئيس الوزراء الماليزي الأسبق باللغة الماليزية، كما قرَّظ له مجموعة من القانونيين الدوليين إيماناً من هؤلاء جميعاً بنتائج الكتاب العلمية وبأن مشروع (حرب الإرهاب) له أجندات مُعلنة وغير مُعلنة، وفي الكتاب وردت معظم هذه البراءات وسقطت كثير من الاتهامات عن السعودية وغيرها، وكان للكتاب بحقائقه العلمية أصداء إيجابية في الداخل الأمريكي ولدى بعض أعضاء الكونجرس الأمريكي، وتفاصيل التبرئة في هذا كثيرة، وبملفات ضخمة لا يَسَعُ المقام لذكرها.