تقدمت أمريكا دول العالم في استقبال المبتعثين السعوديين ضمن برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي بنسبة 30% تلتها بريطانيا بنسبة 15% ثم كندا بنسبة 11% فأستراليا بنسبة 8% مسجلة أكثر من (84) ألف مبتعث ومبتعثة في حين بلغ عدد أول بعثة طلابية سعودية إلى أمريكا عام 1947 (30) طالبا التحقوا بالدراسة في جامعة تكساس الأمريكية الحكومية. ويبلغ إجمالي الدارسين السعوديين في الجامعات الأمريكية أكثر من (125 ألفا) من المبتعثين والمبتعثات ومرافقيهم والدارسين على حسابهم الخاص والموظفين المبتعثين للاستفادة من الخبرات العلمية التي تزخر الجامعات العريقة في العالم ومنها التي في أمريكا وتُشرف عليهم الملحقية الثقافية السعودية في أمريكا التي أنشئت منذ أكثر من 60 عاما. وتأتي هذه الخطوة ضمن اهتمام المملكة منذ تأسيسها على يدي الملك عبدالعزيز بالتعليم بوصفه الركيزة المهمة في بناء الإنسان السعودي ليمضي قادة هذه البلاد المباركة على هذا النهج القويم حتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز الذي لم يأل جهدا في سبيل دعم التعليم والمتعلمين في مختلف التخصصات. وفي إطار هذا الاهتمام التقى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز إبان زيارته الرسمية للولايات المتحدةالأمريكية عام 2015 في مقر إقامته بالملحق الثقافي في أمريكا وجمع من الطلبة السعوديين المتميزين في الجامعات الأمريكية إذ كان حريصا على الالتقاء بهم رغم ازدحام جدول الزيارة واطمأن على أوضاعهم. معبرا عن اعتزازه بتميز أبناء المملكة في الجوانب التعليمية. وخلال عام 2016 أعلن الملك سلمان بن عبدالعزيز انطلاق "رؤية السعودية 2030" بغرض النهوض بمستوى أداء جميع القطاعات الحكومية والخاصة وتحقيق تنمية مستدامة للبلاد وانبثق عنها "برنامج التحول الوطني 2020" الذي تبنى رسم تفاصيله مع الرؤية مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية برئاسة الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع وركزت محاوره على تطوير منظومة التعليم بميزانية تتجاوز (24) مليار ريال. وقدمت وزارة التعليم لبرنامج التحول الوطني (36) مبادرة لتطوير التعليم بمختلف مراحله وأنظمته وكياناته ومن ذلك تطوير برنامج الابتعاث الخارجي وتحسين كفاءته التشغيلية بميزانية قدرها (48) مليون ريال وفق استراتيجية وطنية تتماشى مع رؤية المملكة 2030 ما يؤكد بعد النظر التي تتمتع به القيادة الرشيدة في دعم أبناء الوطن بوصفهم الثروة الحقيقية التي يعتمد عليها في بناء المستقبل المشرق للبلاد. وعدّ برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي الذي شمل 35 دولة في العالم بداية طفرة علمية غير مسبوقة في ابتعاث السعوديين للخارج لمواصلة دراساتهم الجامعية والعليا من أجل تلبية حاجات سوق العمل ومتطلبات التنمية الوطنية وقد بدأ خطواته الأولى في الابتعاث ب 5000 مبتعث ومبتعثة ووصل الآن إلى أكثر من 120 ألف مبتعث ومبتعثة بدون إحصاء المرافقين لهم والدارسين على حسابهم الخاص. وأسهم الوجود الكبير لمبتعثينا في مختلف أرجاء العالم في ارتفاع نسبة الوعي والمعرفة وزيادة التواصل والتفاهم بين المملكة وغيرها من شعوب الدول التي يبتعث الطلاب إليها بجانب تحقيق قفزة نوعية في دور هؤلاء الطلاب كرموز ثقافية وسفراء حقيقيين يعبرون بصدق عن الوجه الحقيقي للمملكة. وحقق البرنامج معايير الجودة باختياره الجامعات المتقدمة المتميزة ذات السمعة العالمية في التخصّصات التي تتميز فيها بعد أن أصبح التنوع في مصادر التعليم يمثل حجر الزاوية في سياسة التعليم والابتعاث في المملكة من خلال إعطاء الفرصة للطلاب المبتعثين للدراسة الجامعية والعليا في جامعات مرموقة عالمية. وأكدت منظمة التربية والعلوم والثقافة التابعة للأمم المتحدة (اليونسكو) في تقرير لها صدر عام 2009 أن المملكة في المرتبة الأولى عالميا في نسبة المبتعثين المسجلين بمؤسسات التعليم الأكاديمي خارج أوطانهم. وتمخض عن برنامج الابتعاث الخارجي ارتفاع نسبة المتميزين والمتفوقين وأصحاب الريادة من المبتعثين والمبتعثات السعوديين حتى بلغ إجمالي ما تم صرفه على برنامج الابتعاث خلال العام المالي 1436 – 1437 ( 22 مليارا و 500 مليون ريال) بحسب تقرير الملحقية الثقافية السعودية في أمريكا. وأوضح التقرير أن ما نسبته 15% من إجمالي الطلاب المبتعثين في مختلف دول العالم يدرسون الطب والعلوم الطبية و 14% يدرسون الحاسب والمعلوماتية و 10% في الهندسة و 26% في الأعمال الاقتصادية والإدارية. وسجّل عام 1951 تاريخ افتتاح أول مكتب ثقافي للإشراف على المبتعثين في مدينة نيويورك ويتبع مندوبية المملكة في الأممالمتحدة حتى عام 1956 حين استقل المكتب وأصبح يطلق عليه "المكتب الثقافي السعودي في نيويورك" واستمر في تطوره إلى أن انتقل عمله كمكتب تعليمي في مدينة هيوستن عاصمة ولاية تكساس ثم إلى العاصمة الأمريكيةواشنطن دي سي كملحقية ثقافية عام 1987. وتمكنت الملحقية الثقافية على مر عقودها من تذليل الكثير من الصعاب والعقبات التي تعترض المبتعثين أثناء دراستهم ونجحت في تطبيق التأمين الصحي الشامل على المبتعثين ومرافقيهم واستطاعت أن تكثف تواصلها وإبرام تعاقداتها في برامج طبية لاستيعاب أكبر عدد من مبتعثينا من الأطباء، إضافة إلى إنشاء برامج زمنية ثابتة ومكثفة لاستقبال مندوبيها ووفودها ورؤسائها وأعضاء هيئات التدريس فيها. وأسهمت هذه الرعاية في تسجيل مبتعثي أمريكا ما يربو على (200) طلب براءة اختراع اعتمد منها (133) براءة من بينها (25) براءة في مجال الكيمياء و (108) في مجالات الهندسة الكهربائية والميكانيكية فضلا عن تميز معظمهم في عدد من التخصصات العلمية النادرة في الجامعات الأمريكية العريقة. وبلغ عدد المبتعثين في أمريكا وفقا لإحصائية 2015 (84012) مبتعثا ومبتعثة منهم (62442) مبتعثا و (21570) مبتعثة ودعما للتبادل الثقافي والعلمي بين مبتعثينا ونظرائهم في الدول الأخرى تم إنشاء (320) ناديا للطلبة المبتعثين في الولاياتالمتحدة بواقع ناد لكل جامعة موزعين على (250) مدينة في (47) ولاية أمريكية. واهتم معظم المبتعثين في أمريكا بدراسة تخصص الأعمال التجارية والإدارية بعدد (21322) مبتعثا ومبتعثة ونسبة 25.37% يليه تخصص الهندسة بمختلف مجالاتها بعدد (20317) مبتعثا ومبتعثة ونسبة 24.18% ثم تخصّص المعلوماتية بعدد (8692) مبتعثا ومبتعثة ونسبة 10.34%. وأقبلت المبتعثات في أمريكا على دراسة تخصص العلوم التجارية والإدارية والدراسات الإنسانية والخدمات الطبية والمعلوماتية على قائمة أكثر التخصصات إقبالا عند المرأة بينما إقبال الطلاب تركز على مجالات تخصص الهندسة والصناعات الهندسية والعلوم التجارية والإدارية والمعلوماتية والدراسات الإنسانية. ويمثل الطلاب في مرحلة البكالوريوس النسبة الكبرى للدارسين في أمريكا إذ يبلغ عددهم (34485) مبتعثا ومبتعثة بواقع 44.35% من مجمل عدد المبتعثين والمبتعثات في أمريكا يليهم في الترتيب مرحلة دراسة اللغة والسنوات التحضيرية بعدد (26320) مبتعثا ومبتعثة ونسبة 33.85% ثم مرحلة الماجستير في المرتبة الثالثة بعدد (12132) مبتعثا ومبتعثة أي بواقع 15.60% ثم مرحلة الدكتوراه بعدد (3164) مبتعثا ومبتعثة في المرتبة الرابعة ونسبة 4.06%. ويعد تخصّص الهندسة المجال العلمي الأكثر شيوعا بين المبتعثين في مرحلة البكالوريوس مسجلا (13224) مبتعثا ومبتعثة بنسبة 38.34% من مجمل عدد الملتحقين بهذه المرحلة فتخصص العلوم التجارية والإدارية فالمعلوماتية أما مرحلة الماجستير فتخصّص العلوم التجارية والإدارية يعد في المرحلة الأولى بنسبة 22.61% يليه التربية والعلوم الاجتماعية والسلوكية ثم الهندسة فالمعلوماتية وبالنسبة لطلاب الدكتوراه فقد أتى تخصص التربية والعلوم السلوكية في المرتبة الأولى بعدد (703) مبتعثين ومبتعثات ونسبة 22.21% يليه تخصص الهندسة فالطب والخدمات الطبية فالمعلوماتية. وتؤكد المؤشرات العلمية أن السعودية من أكبر 20 دولة في العالم تؤسس لكراسي بحثية في الجامعات الأمريكية طوال 25 سنة ويأتي حجم الهبات التي تقدمها في المرتبة الثالثة بعد اليابان وسويسرا. وفضلا عن الدوائر الرسمية الحريصة على الاستمرار في تمويل هذا العمل الفكري البناء فإن عددا من الشخصيات السعودية المهتمة بالدراسات الإسلامية ونشر اللغة العربية تقدمت بتمويل إنشاء مثل هذه الأعمال الخيرة وذلك من منطلق المكانة المتميزة التي تتمتع بها المملكة بجانب المكانة الدينية والسياسية والاقتصادية والجغرافية. ويعود تاريخ الابتعاث في السعودية إلى ما قبل إنشاء وزارة المعارف أي عام 1346 (1927) حين قام الملك عبد العزيز بتشكيل لجنة لدراسة الابتعاث كفكرة وقامت هذه اللجنة بوضع الخطوط الرئيسية لها في أطار مشروع لبعثات متوالية وتم عرضه عليه ليوافق عليه ويأمر أن توفد أول بعثة سعودية إلى مصر. وكان الملك عبد العزيز قد أصدر في غرة رمضان عام 1344 الموافق 15 مارس 1926 أمرا بإنشاء مديرية المعارف في مكةالمكرمة لتقوم بدورها في نشر العلوم وافتتاح المدارس وإقامة المعاهد العلمية مثل : المعهد العلمي الذي تأسس عام 1347 الموافق 1937 وعد النواة الأولى لإعداد المدرّس السعودي في صرح التعليم الحديث في المملكة. وسجل التاريخ كلمة للملك عبد العزيز ألقاها خلال الاحتفال بتخريج أول دفعة من المعهد حيث قال "إنكم أول ثمرة من غرسنا الذي غرسناه بالمعهد فأعرفوا قدر ما تتلقوه من العلم وأعلموا أن العلم بلا عمل كالشجرة بلا ثمر وأن العلم كما يكون عونا لصاحبه يكون عونا عليه فمن عمل به كان عونا له ومن لم يعمل به يكون عونا عليه وليس من يعلم كمن لا يعلم .. قليل من العلم يبارك الله فيه خير من كثير لا يبارك فيه .. البركة في العمل". واعتمد التعليم في المملكة منذ بداياته على الابتعاث الخارجي كضرورة حتمية لتأهيل وتدريب الكوادر الشابة اللازمة للقيام بدورها في المجتمع والاستفادة من العلوم الحديثة والتكنولوجيا من مختلف مدارسها وكأسلوب حضاري للتواصل مع الأمم والشعوب الذين سبقونا في مسيرة التطور والتنمية فضلا عن التوسع في بناء وتوفير المؤسسة التعليمية والأكاديمية الحديثة في مختلف المراحل الدراسية وتهيئتها للقيام بدورها وتحديثها أولا بأول.