لم يكن حادث التسمم الغذائي الذي تعرض له صباح اليوم الثلاثاء، ما يقارب 170 طالباً من طلاب ثانوية الهياثم بمحافظة الخرج إثر تناولهم وجبة إفطار من مقصف المدرسة، هو الأول من نوعه في المملكة فقد سبقه حوادث أخرى مماثلة. مقاصف تتاجر بصحة الطلاب ورغم أهمية المقاصف المدرسية إلا أن معظمها لا تلتزم بالاشتراطات الصحية، ولا تلتزم بلوائح وزارة التربية والتعليم من حيث المعروض، فهناك تدنٍ ملحوظ في مستوى النظافة، وعدم توفر أغذية بمواصفات صحية في بعضها، أسعار مبالغة، سندوتشات مثقلة بالزيوت، مشروبات ممنوعة، تلك التي تقل نسبة العصير فيها عن 30% تباع بشكل عادي، إضافة إلى العصائر التي تحتوي على أصباغ صناعية، والأغذية قريبة الانتهاء من الصلاحية، ومازال الممنوع يباع بشكل طبيعي، إضافة إلى عمالة آسيوية لا تتقيد بالنظافة، همها المتاجرة بصحة التلاميذ على حساب جني الأرباح، جميعها تدق ناقوس الخطر للإصابة بالأمراض، في ظل غياب الرقابة الصحية والإدارية. مقاصف داخل دورات المياه وقبل نحو عامين رصد مقطع فيديو مقصف إحدى المدارس في بريدة مغلقاً والأطعمة وقوارير مياه الصحة التي تباع للطلاب مصفوفة داخل دورات المياه. كما أظهرت تقارير إعلامية نشرت مؤخرا صورا لحشرات في الوجبة التي تقدمها الشركة المشغلة لعددٍ من المقاصف في بعض مدارس بيشة. كما عثر أحد الطلاب بمدرسة قتيبة بن مسلم الثانوية بالحازمي على حشرة أثناء تناول إفطاره من مقصف المدرسة ليقوم بإبلاغ إدارة مدرسته لاتخاذ الإجراءات المناسبة والرفع لإدارة التربية والتعليم. ووردت صورة أخرى مشابهة من مدرسة عرمان الابتدائية حيث وجد أحد الطلاب حشرة داخل وجبته، كما عثر معلم بإحدى مدارس القويعية على ساندويتش "كاكو" متعفن مع أحد الطلاب بعد أن اشتراه من مقصف المدرسة. كل هذه الوقائع وغيرها دفعت أولياء الأمور للمطالبة بضرورة إلغاء المقاصف المدرسية وتحويلها إلى كافتريات تعمل بطاقم يرأسه مشرفو ومشرفات تغذية مؤهلون، تحت إشراف وزارة الصحة لتحديد الاحتياجات الغذائية فيها، وضمان نظافتها وجودتها، مستشهدين بنجاح التجربة اليابانية في هذا المجال. نوعية الأطعمة الإهمال وغياب الرقابة ليست هي المشكلة الوحيدة التي يعاني منها الطلاب مع المقاصف المدرسية، فهناك علاقة وثيقة بين السمنة والوجبات التي تقدمها المقاصف المدرسية، حيث تشير الإحصاءات إلى أن ثلاثة ملايين طفل بالمملكة في قائمة المصابين بزيادة الوزن، وترتبط الأسباب بشكل وثيق بنوعية الغذاء غير الصحي المقدم بالمقاصف أو خارج المدرسة، بالإضافة إلى العوامل المصاحبة ومنها نمط الحياة المعاصرة الذي ضاعف المشكلة في قلة الحركة والكسل. وكشفت إحصائية أن 70% من الوجبات الغذائية التي تقدمها المقاصف المدرسية غير مفيدة جسميا وأنها تعمل على توفير كميات كبيرة من البطاطس "الشيبس" والعصائر والساندوتشات دونما اهتمام للجانب الصحي. وبحسب الدكتور مروان متولي فإن هناك زيادة كبيرة في معدلات زيادة الوزن والسمنة بين الطلاب والطالبات، وهي نقطة يرى بأنها جديرة بالدراسة في وزارة التربية والتعليم والاستعانة بوزارة الصحة لمعرفة ما هي الأسباب خلف هذا المرض الخطير. حملة على "فيس بوك" وتعد صفحة "الحملة السعودية لتحسين المقاصف المدرسية" على فيس بوك متنفسا لكل متذمر، خاصة وأنها عرفت نفسها بأنها حملة أنشئت من قبل من يعانون مع المقاصف المدرسية في المملكة، لإظهار المشاكل والمصائب ومحاولة إيجاد الحلول. الصفحة ذكرت أن عددا من الطلاب والطالبات، في نحو 30 ألف مدرسة حكومية، يحجمون عن شراء وجبة الإفطار من المقاصف المدرسية، وذلك لسوء ما يباع فيها من وجبات، أو لعدم ملاءمتها لما يرغبون به من مأكولات، في الوقت الذي تمنع إدارات بعض تلك المدارس طلابها من جلب المأكولات من خارج المدرسة. وأكد المعلم محمد مشعل أن مدرسته توظف عمالة آسيوية تقوم بطهو الطعام وبيعه للطلاب، باتفاق مسبق مع إدارة المدرسة، ويحصلون على عقد تشغيل المقصف مقابل أجر مادي. وأشار إلى أن معظم المتعهدين يستأجرون المقصف، ثم يأجرونه بدورهم في الخفاء لعمال أجانب، ويتعاقد "العامل" مع مطعم للوجبات السريعة دون قيود ورقابة، أو حتى اهتمام بنوعية الغذاء الذي يحتاجه الطالب في مرحلته العمرية. التعاقد مع شركة الخليج للتموين ورغم كثرة المشاكل التي يعاني منها الطلاب مع المقاصف في المملكة، فإن شركة الخليج للتموين فازت، مجدداً بعقد تشغيل المقاصف بنحو 33 ألف مدرسة تابعة لوزارة التربية والتعليم، وذلك بعد أن طرحت الوزارة ممثلة في شركة "تطوير التعليم القابضة"، مناقصة التعهد بتشغيلها على عدد من الشركات الوطنية للمنافسة. وكانت الوزارة قد كشفت عن نيتها تأسيس شركة نموذجية للتغذية المدرسية قيل إنها ستبدأ مع العام الدراسي الجديد، لكن تجديد العقد عامين آخرين مع الشركة ذاتها التي تتولى المقاصف منذ ثلاث سنوات، يفتح الباب للتكهنات باحتمال تأخر تنفيذ هذا المشروع الطموح من خلال شركة نموذجية، التي ينتظر أن يشرف عليها مشروع الملك عبدالله لتطوير التعليم "تطوير". ويبدو أن "تطوير القابضة" لا تعترف بكم المشاكل التي يعانيها الطلاب يوميا مع المقاصف، وتصر على أن المواصفات الغذائية المطلوبة متوفرة لدى "الخليج للتموين"، فضلاً عن التزامها بالكميات المتوقعة، والقدرة على التوزيع الجغرافي، وحصولها على شهادات الجودة، إضافة إلى عدد من المعايير كالخبرة في مجال التموين والإعاشة، ووجود مخازن ومطابخ ومعدات وأسطول نقل وأيد عاملة لديها تكفي للتوزيع على المدارس. من جانبها أعلنت شركة الخليج للتموين التابعة لشركات أبناء عبد الله العلي المنجم عن بدء برنامج جديد لتأهيل صغار المستثمرين من المواطنين والمواطنات ليتمكنوا من الإسهام في تقديم التغذية المدرسية في المدارس السعودية في المستقبل. وقال علي المنجم رئيس مجلس الإدارة لصحيفة "الاقتصادية" إن هؤلاء المستثمرين والمستثمرات الصغار سيكونون تحت مظلة شركته في البداية حتى يتمكنوا، وينطلقوا في الاستثمار الحقيقي في السوق السعودية. وكان عقد "الخليج للتموين" لتشغيل المقاصف المدرسية الممتد لعشر سنوات ماضية قد انتهى مع نهاية الموسم الدراسي الماضي، إلا أن وزارة التربية والتعليم، بادرت مجددا بالتعاقد مع هذه الشركة الوطنية بعقد جديد مدته سنتان اعتبارا من العام الدراسي الحالي. وبحسب التصريحات من بعض مسؤولي الوزارة فإن التعاقد مع شركة الخليج للتموين مؤقت لحين الانتهاء من إنشاء شركة تغذية مدرسية نموذجية، تشرف على مشروع الملك عبد الله لتطوير التعليم "تطوير" من خلال شركة تطوير التعليم القابضة، حيث ستتولى تجهيز أغذية صحية ذات سعرات منخفضة، إضافة إلى تنوع الأطعمة والمشروبات. مبادرات فردية في حين قامت مدرسة شريح الثانوية بحي الشرائع بمكة المكرمة، باستبدال مقصفها المدرسي ببوفيه مفتوح، في بادرة تعد الأولى من نوعها على صعيد المدارس الحكومية. وتأتي هذه الخطوة التي قدمتها إدارة المدرسة في سبيل توفير الغذاء الصحي، ومنع كل ما يضر بصحة الطلبة، ولكسر استمرار روتين المقاصف المدرسية الذي لم يطرأ عليه أي تغيير منذ سنوات طوال. في حين كشفت مصادر مطلعة أن وزارة التربية والتعليم تدرس تعميم "مكائن" البيع الذكية للأطعمة والمشروبات، لتحل محل المقاصف المدرسية في بعض إدارات التعليم. من جانبهم، اقترح بعض أولياء الأمور أن تسلم المقاصف المدرسية إلى شركات غذائية تقوم بتشغيلها، وتأمين وجبة صحية تباع بأسعار رمزية مناسبة، وتُجهز طاولات وكراسي لإفطار الطلاب وأماكن مكيفة ومهيأة بدلاً من الجلوس في ساحة المدرسة تحت حرارة الشمس ولفحات الهواء.