{ يقولون ما لا يفعلون } آية وصفت حال الشعراء عندما ينظمون أبياتاً ذات معاني جمة وقيم فذة، ويتجردون منها بمجرد انتهاء حناجرهم من ترديد قوافيها.. فترى واقعهم مفتقراً للسجايا الحميدة التي اغتنت بها قصائدهم. هنا توقفت لبرهة… أتأمل بها أحوالنا… أأصبحنا جميعناً شعراء ؟ أأصبحت تفاصيلنا اليومية منظومة شعرية ؟ وهل يا ترى تحولت علاقتنا لمجرد نظماً هزلياً خالياً من الصنعة القيمية؟ نقول ما لا نفعل، ونفعل ما لا نقول، نعطي وعوداً خاوية، ونتحدث بما لا نعتنق، ونطلق على من لا نعرف أحكاماً ترضي ازدواجيتنا، وربما نأخذ ما ليس حق لنا ثم نبتكر أعذاراً واهية؛ لنبرر ازدواجيتنا أمام ضمائرنا. نتفاخر بما لم ننجزه ونظن أنه الحق الذي لا بديل عنه؛ فنسخر من عطاء الآخرين وتميزهم إرضاءً لكبريائنا، ننكر بعضاً من الحقائق؛ حتى لا يقع لوم علينا نتيجة تقصيرنا، ونختلق أساطير نسجتها أخلاق بالية لنتملق من مسؤولياتنا. عجباً! أترانا أصبنا بوباء جماعي؟ أو داء عضال معد ينتشر بسرعة البرق؟ فالأعراض ظهرت على جلودنا.. وتحسست منها أفئدتنا النقية.. فهل من دواء فعال يداوي جراح نبلنا، ويعقم نفوسنا من ازدواجيتها قبل أن تتغلغل في أعماقنا… هنا أطبقت أجفاني على بصري.. فتأملي يحتاج لتأمل.