تعد الجرأة أساس الإبداع في الفنون فهدفها إثارة المتلقي وجعله في حالة من التساؤل والقلق، فضلاً عن تحقيق المتعة، وتنقسم الجرأة إلى جرأة ايجابية بمعنى جرأة في الطرح وفي المعالجة وفي اختيار الموضوع وفي الرؤية الفنية والانتصار للقيم الإنسانية النبيلة، والجرأة السلبية التي تتمثل في التمرد على كل القيم الإنسانية والأخلاقية والتهكم على كل ما يوحّد الناس من دين ولغة وأخلاق وثقافة وتقاليد. وفي الدراما العربية يُلاحظ أن الإبداع والجرأة في الاتجاه السلبي اللاأخلاقي واللاديني واللاإنساني، حيث تخاطب الكثير من الأفلام والأعمال الدرامية وأغاني الكليبات العربية؛ تخاطب الغرائز الجنسية مستخدمة لغة الجسد الأيروتيكي لمراودة النفس السوية مصداقاً لقوله تعالى في سورة يوسف: (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتْ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ) بل إن الصناعة الفنية والإعلامية التي لا تعرف كسادا تُقصي كل فن مضاد يحمل رسالة وغاية إنسانية. إن واقع الدراما يؤكد بشكل قاطع شيوع فن المراودة الذي دخل كل بيت، ويسعى جاهداً بفعل خطط المكر والشر ليستبيح عفتها ويفسد أخلاقها لتصبح بمثابة سوق النخاسة يتاجر به كل فاسد وآثم، ويشجع باختصار على كل ما حرمه الله، وقد استطاعت الصناعة الفنية اليوم باسم الممنوع والمسكوت عنه وباسم الواقعية وحرية التعبير أن تفرض على الساحة الثقافية والفنية توصيات يجب الامتثال لها، وممنوعات محرم الاقتراب منها أو المساس بها؛ ومن اكثرها تأثيراً أن ليس للفن خطوط حمراء قيمية أو ثقافية وأخلاقية، فالمبدع فوق الكل هذه الفكرة أصبح الكل يرددها بدون استحياء كأنها وحي منزل علمًا أن المبدع ابن بيئته الاجتماعية والثقافية والروحية مهما علا شانه. هناك علاقة جدلية ما بين الفن والأخلاق ويبقى بحث هذه العلاقة من المداخل المهمة لأي تحليلل درامي، فالعلاقة هنا وثيقة متجذرة لا يمكن فصلها ولا ينكرها إلا جاهل بتاريخ البشرية فكرًا وإبداعًا، والسؤال لماذا التساهل في بث الألفاظ النابية والبذاءات ناهيك عن غرق الدراما العربية في مستنقع الإباحية بشكل منتظم في مشاهد من التحرش والعلاقات غير المشروعة والملابس الفاضحة والألفاظ والعبارات النابية الخادشة للحياء، استمرارًا على نهج الخروج عن تقاليد المجتمع والذوق العام الذي بدأ منذ عدة سنوات، وإصراراً على إحداث تغيير أخلاقي فيه نحو الأسوأ وخاصة في رمضان حيث ينشط الموسم الدرامي بيعاً ومشاهدة. خليجياً؛ ارتفعت الظاهرة بشكل لافت في المسلسلات السعودية والكويتية والبحرينية وذلك عبر الشتائم والألفاظ البذيئة والعبارات الصلفة التي تتفوه بها شخصيات المسلسلات خلال الحوار الدرامي سواء كان مسلسلاً أو مسرحية وتضمنت على العديد من المشاهد العنيفة لفظياً، بل وتكرس لسلوكيات تخلّ بالاحترام والآداب داخل الأسرة. وفي الدراما السورية التي أخذت تدق باب السلبية بقوة ومن أوسع أبوابها ظهرت الخيانة الزوجية بأشدّ أشكالها، مصورةً العلاقة القائمة بين الرجل وشقيقة زوجته، أو المرأة وشقيق زوجها من خلال دفع الزوجة لمعاشرة مدير العمل لتسيير شؤون عمله، أو علاقة كبار السن من النساء مع شباب أصغر منهم سناً. السبب كما أراه هو ركوب الموجة والبحث عن الربح المادي ومن يستخدم هذه الأشكال الفنية باسم الحرية فهو مخادع لنفسه ولقيم المجتمع، فالفن هو أداة للنهوض بثقافة المجتمع ووسيلة لتحسين طريقة تعامل الناس بعضهم ببعض ودعم الحريات ولكن الصورة التي يحاول اتباع هذا الاتجاه تأصيلها هي رفع سقف الحريات من خلال طريقة حديث البشر مع بعضها وأصبح الحديث العادى يحمل العديد من الألفاظ الخارجة، وهو الأمر الذى لا يدل على مقياس الأخلاق لأن الأخلاق تقاس بالسلوك وليس باحتواء كلام الإنسان على ألفاظ نابية أم لا. [email protected]