إنّ انضمام الفتيات للعديد من الأنشطة التطوعية المتاحة لهن في موسم الحج وغيره، أمر يبعث على السرور ويتشجعن عليه، وينبئ عن حسن تقدير واستغلال أمثل للوقت، كما أنهن لم يأتين في ذلك ببدعة من الفعل فقد سبقهن بالخير، والريادة في العمل التطوعي قدواتهن الصحابيات رضوان الله تعالى عليهن أجمعين. لكن المشكلة عندما يستغل نشاط الفتيات العالي ليوجه في خدمة الأهداف البعيدة عن مقاصد "التطوع الشرعي"، خاصة تلك التي يظهر معها إبراز وإعداد دور الفتاة فيها كشريكة مستقبيلة للفتى في ميدان واحد، وهو ما يشكل الصدمة لأي مجتمع محافظ، خاصة فيما يسمى بالنشاط الكشفي الذي يدور في بلدان العالم الغربي بشكل جماعي أو فردي لا يبالي بقضية الفصل بين الجنسين وفقاً لطبيعة مجتمعاتهم وكافة التفاصيل الشرعية المحترمة للطبيعة الإنسانية. ومن يقف على خبايا النشاط الكشفي المعاصر واهتمام الغرب به يعلم أنه أداة هدم لا بناء في المجتمعات الإسلامية التي يأخذ النشاط الكشفي فيها ذات الصورة في المجتمع الغربي، وتمارس في بعضها الآخر بشكل يبعد عن التحفظ، وتطبق على عواهنها تماشياً مع العادات الغربية التي لا تتفق ولا تستقيم مع ديننا وعاداتنا وتتصادم مع حسن التربية للناشئة التي تغرس فيهم أهمية استقلالية كل جنس عن الآخر. وما يسمى "بمرشدات المملكة" الذي يأتي ضمن منظومة الكشافة العالمية التي أسسها روبرت ستيفنس سميث بادن، التي مرت بعدة خطوات نحو إنجاح الكشافة حتى وصلت إلى ما وصلت إليه اليوم وصدرت للخارج؛ نرى مع الأسف الشديد خطوات حقيقة لتفعيل هذا النشاط في مجتمعنا المحافظ عبر جمعية مرشدات المملكة وغيرها! حتى لو افترضنا أن رغبة القائمات على هذا النشاط الخير لبنات الأمة "من منظورهن الجاهل أو المتجاهل" عن الأهداف البعيدة لمثل هذه الأنشطة!، فهو يدخل في إطار التغريب المباشر، فقاسم أمين لم ينجح في تحرير المرأة من ثوابتها بين عشية وضحاها، بل كان له من الخطوات ما نرى نتائجها اليوم سواء أكانت هذه الدعوات بجهل من أبناء الإسلام، أم بتخطيط من أعدائه عبر استخدامهم للتأثير في مجتمعاتهم. ولو رأى الغيورون أن هذه الأنشطة تخدم المجتمع بحق وتتماشى مع تعاليم الدين، لكانوا أول المشجعين لها ولأصحابها. إنّ هذا النشاط إن استمر بهذه الطريقة ستكون بدايته رعاية الأطفال التائهين ثم خطوات لا نستبعد معها وجودها في الملاعب، والأولمبياد، وإعطاء دورات خارجية في الكشافة العالمية وهلم جرا، خاصة أن الفئة التي يستهدفها النشاط وفق الترتيب المعد من قبل الجمعية: البراعم: 4 – 6 سنوات. الزهرات: 7 – 11 سنة. الفتيات المرشدات: 12- 15 سنة. المرشدات المتقدمات: 16- 18 سنة. الجوالات: 19 – 22 سنة. وكلها سنوات تأهيل وإعداد دقيق. وما يدل على ذلك هو تطلعات القائمات على هذا النشاط الكشفي كما جاء على لسان مها فتيحي في لقاء لها مع صحيفة الوطن بتاريخ 15/ 12/ 2010م. حيت تقول: ما قدمته المرشدات لحجاج بيت الله، ومنه مساعدة 75 طفلا تائها عبر استخدام التقنية الحديثة، موضحة أن الرغبة هي أساس عمل المرشدات، مشيرة إلى بعض المفاهيم حول الإرشاد وشعاره، ورموز الشعار الذي يدل على مبادئ المرشدة، والوعد الذي تقطعه على نفسها على أداء واجبها نحو الله ثم الملك والوطن، وأن تساعد الناس في جميع الظروف، وأن تعمل بقانون المرشدات. وفي مقالة للكاتبة نبيلة محجوب بعنوان: مرشدات السعودية.. وأحلام البنات! في جريدة المدينة بتاريخ: 30/ 06/ 2010 مرشدات المملكة العربية السعودية، الموضوع الذي استولى على اهتمامي لأقصى مدى، لأنه خطوة كبيرة، أو قفزة عالية في سباق اجتياز حواجز التمييز، وإحراز نقطة مضيئة على طريق المساواة بين الفتى والفتاة؛ فالبنت الصغيرة التي لا تدرك أن أنوثتها هي العقبة أو الحاجز الصخري الذي يترصد خطواتها بالعيب والحرام، وأن نعمة الأنوثة هي جحيم الحرمان، من كل ما يحظى به أخوها الذي ربما يقاربها عمرًا؛ فتشاهد الفتاة أخاها يرتدي ملابس الكشافة، ويتمتع بالرحلات والمخيمات الكشفية داخليًّا وخارجيًّا، وهي محرومة حتى من ممارسة الحلم! بعد خمسين عامًا -تقريبًا- من بداية انطلاقة التعليم النظامي للفتاة السعودية، وحرمانها من حق المساواة مع أخيها؛ يفتح لها المجال لتمارس دورها الكشفي من خلال الزهرات والمرشدات، ثم بعد ذلك قائدات ورائدات، وهو تدرج الترقي في العمل الكشفي الذي كان قاصرًا على الأولاد!! وتقول: تصاريف القدر تحوّل الحلم إلى حقيقة، والأماني الصادقة إلى واقع جميل وحميم! احلمن يا «بنات» فالزمن كفيل بتحويل الأحلام إلى واقع ملموس بالحواس الخمس، وارفعن سقف الأمنيات، فحركة التقدم لابد أن تقارب السقوف العالية، وقطار النهضة لا يمكن أن يمر دون الوقوف بمحطاتكن! وهذا قليل من كثير، فالتغريب مشروع لم يعد خافياً على صاحب بصيرة، وهو يفصح عن أهدافه بشكل عملي عبر عدة اتجاهات مستهدفاً فيها جميع شرائح المجتمع. وهذا النشاط إن لم تقطع جذوره باكراً، ويوجه التوجيه الصحيح المتفق تماماً مع التطوع الشرعي المراعي لخصوصية المرأة، سيكون ثمرة من ثماره التي باتت تنخر في بواسق مجتمعنا الشامخ. هناك صور مشرقة في موسم الحج تحديداً، تضج بها الكثير من حملات الحج، والمراكز الدعوية، متمثلة في وجود العديد من الفتيات المسارعات في العمل الخيري بكافة أشكاله، فهن من يتولين ترتيب الكلمات الدعوية وإلقاءها، ويقمن بتوجيه "الحاجات" وتصحيح بعض المعتقدات لهن، ورعاية الكبيرات، والاهتمام ببعض الأطفال المفقودين، تماماً كما تفعل من تنتمي لما يسمى بالكشافة ولكن بطريقة تحقق الأجر العالي من المولى بإذن الله وتمام الحفظ والصيانة لأخواتنا الغاليات، فما المانع لو كانت جميع أنشطة الفتيات تحت مظللة شريعة لا التحايل لخدمة أهداف أبعد باسم الدين والوطن!! الفرق بين المصلحين الحقيقيين وغيرهم: أن الطرف الأول ينشد البناء في المجتمع المسلم وفق ضوابط الشريعة وتعاليمها التي جعلت صالحة لكل زمان ومكان، والثاني يرى أن كل ما جاء من الغرب هو الأصلح وإن كان هادماً فهم القدوة ونحن ميدان التجارب!