انتقل «محمد أحمد الراشد» قبل انصرام القرن الهجري الرابع عشر بأسابيع قليلة، إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، وذلك في سنة 1980، وقد بلغ من العمر 42 عامًا، وكانت هذه أول مرة يدخل فيها الدولة الفتية، استقر الرجل في الشارقة، وكان عمله بإمارة دبي، في وزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف، مستشارًا في إدارة البحوث الإسلامية، إبَّان وزارة محمد عبدالرحمن البكر، في الفترة من 1977 وحتى يوليو 1983، والبكر أحد الآباء المؤسسين لجمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي الذراع الإخوانية في دولة الإمارات، ومكث «محمد أحمد الراشد» في الإمارات ما يقارب من 17 سنة، قضى منها سنتان إلا أيامًا قليلة موقوفًا على ذمة قضايا كانت تهدد أمن دولة الإمارات واستقرارها، ثم غادرها في أواخر شهر نوفمبر 1996. وحينما وصل «محمد أحمد الراشد» إلى الإمارات، كان عود جماعة الإخوان قد اشتد على سوقه، رغم قصر المدة، فقد تأسس أول تمثيل تنظيمي للجماعة في عام 1974 في دبي، عبر جمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي، وسبق ذلك بعشر سنوات من العمل الحركي، والذي أشرف عليه عبد البديع صقر، وساعده يوسف القرضاوي وأحمد العسال، والذين استقر بهم الحال خلال الربع الأول من الستينيات في قطر، ولوجود بعثة تعليمية قطرية في إمارة دبي وقتها، بدأت من هناك أولى الخطوات نحو محاولة أخونة المجتمع الإماراتي، والتي امتدت لما بعد الاتحاد. و«الراشد» وقبل انتهاء مرحلة الكويت بقليل، والتي مكث فيها ما يقارب من 8 سنوات، كلفه مراقب الإخوان المسلمين بالعراق العام: عبدالكريم زيدان، بتقديم البيعة نيابة عن تنظيم إخوان العراق، لعمر التلمساني بعد استلامه زمام الإرشاد العام في جماعة الإخوان المسلمين في يناير 1977، بعد فراغ المنصب لأربعة أعوام تقريبًا، والذي كان يقوم بمهامه وقتها ما يعرف بالمرشد الخفي «حلمي عبدالمجيد»، أو كما يقال إن ثمة لجنة ثلاثية كانت تسير أمور مكتب الإرشاد. وفي أوائل مرحلة الإمارات، كلفه زيدان بالمسؤولية عن التنظيم العراقي في ظل ظروف عصيبة مر بها التنظيم هناك في مطلع الثمانينيات، من خارج العراق، فكان يقود المجاميع الإخوانية عن بعد، ولربما دخل إلى الأراضي العراقية خلسة وتسللًا، حيث كان ذلك ممكنًا وبسهولة حينها، بسبب الحرب مع إيران، وكما كان يفعل «محمد سرور»، والذي كان يلتقي كثيرًا بقيادات الطليعة المقاتلة السورية داخل العراق في 1983 و1984، هؤلاء يأتون من الداخل السوري، وذاك يأتي من الكويت، ويلتقون في بعض المناطق الحدودية. أصبح «الراشد» في هذه المرحلة وبسبب المهام الكبرى التي اضطلع بها في التنظيم الإخواني العراقي، وبسبب ما كلف به في دول الخليج، عضوًا في مجلس شورى التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، وسيكلف لاحقًا وفي أخريات حياته بمهمة خطيرة، وهي الإصلاح بين الفرقاء، ومحاولة رأب صدع الانشقاق الذي حدث في سنة 2015، والذي فشل فيه فشلًا ذريعًا. وفي مرحلة الإمارات استمر نشاط «الراشد» التنظيمي والحركي النوعي، وازدادت حركته، وتوسعت جغرافيتها، فبدأ بإلقاء الدروس والدورات، والجلسات التنظيمية الخاصة، كما أشرف على دورات تدريبية متقدمة ونوعية للشباب الإخواني، داخل الإمارات، وخارجها في دول الخليج، وفي دول المغرب العربي والسودان، وبعض الدول الآسيوية، في التنظيم والحركة والإدارة والقيادة، وغيرها من الفنون، وبحسب كلام الراشد عن نفسه في 2004، في أحد اللقاءات، ذكر أنه تنقل كثيرًا في البلدان العربية وغير العربية لإلقاء المحاضرات وعقد الدورات، وحضر العديد من المؤتمرات التي كانت تُعقد في بلاد الغرب بشكل متواصل، ونتيجة لتخصصه في مجال التنظير الحركي والتربوي وإقامته لدورات كثيرة في الخليج والدول العربية والآسيوية وللمهاجرين في الغرب، صار من الأسماء المتداولة والمطلوبة في كل مكان يكون للجماعة الإرهابية تنظيم أو نشاط وتواجد، وأصبحت له قنوات مع مختلف أجيال الجماعة في كل بلد من البلاد، وفق عمل منظم ومنسق ومرتب مع منظري وقادة وحركيي الجماعة الآخرين، وفق ما يصطلحون عليه في التنظيم بالدعوة العالمية، وكان له دور فاعل في الكتابة لمتدربي حركة حماس، بطلب من قادتها وعلى رأسهم أحمد ياسين، وغيره، ولنا حديث قادم -بإذن الله- حول رأيه بحادثة 7 أكتوبر، والتي هلل لها وكبر. وفي دراسة مهمة بعنوان: «الإخوان في الإمارات»، أعدها الباحث منصور النقيدان، نشرت ضمن كتاب الإخوان «المسلمون والسلفيون في الخليج»، عن مركز المسبار للدراسات والبحوث، دبي، 2011: أشار الباحث نقلًا عن محمد الركن -أحد أهم الكوادر الإخوانية الإماراتية: (أن «محمد أحمد الراشد» كان منطويًا على نفسه، وقليل الاحتكاك بالجمهور)، وهذا فيه بعض التفصيل، حيث إني أعزو قلة الاحتكاك تلك والانطوائية من قبل «الراشد»، إلى أمرين: الأول: حجم المهام التي كان «الراشد» يقوم بها بكل همة ونشاط وعدم تراخٍ، والثاني: أنه كان مقتصرًا على ما يعرف داخل الجماعة الإرهابية بالتربية النوعية، أو تربية النخبة، والتي لا يحتك المربي فيها إلا مع ثلة قليلة مختارة من أنجب شباب الجماعة، كما أن الراشد في تلك الفترة -وهي فترة ذهبية بالنسبة له- كان مشغولًا ضمن مهام أخرى كبيرة بعملية البحث والكتابة التنظيرية، مع مهام قيادية ثالثة خارج الإمارات، ناهيك عن اشتغاله بالتجارة التي يسترزق منها، بشكل رئيس، فهو لم يعتمد على وظيفة قط في مصدر رزقه، والمهم هنا أن أنبه على أن ما كان من «الراشد» لم يكن انطواء، بل عدم تفرغ، وإلا هو ناشط بشكل مخيف، خصوصًا في تلك الفترة. وفي سنة 1987، ألقي القبض على أحد التنظيمات الشبابية الطلابية التابعة لجماعة الإخوان المسلمين الإرهابية في العراق، وثبت للسلطات العراقية وقتها بقيادة تنظيمية لهذه الخلايا من قبل «الراشد» وبعض مساعديه في الداخل العراقي، فصدرت أحكام إعدام بحق بعضهم، وكان من بين من حكم عليه بالإعدام «محمد أحمد الراشد»، نفسه، ولكونه خارج أرض العراق نفذ بجلده من حكم الإعدام. وللحديث بقية.