لأن الموضوع خاص جدًّا، وعام بشكل خاص؛ أعود إليه مرة ومرات، رغم أنف القضايا الكثيرة التي تحيل رغبتي إلى قشة مرشوقة في قلب الريح، تحذفها في كل اتجاه، وعليها أن تصارع كثيرًا، وتجدّف طويلاً كي لا تسقط -مرة أخرى- بعيدًا عن موضوع المرشدات!! مهما كان الحافز لمواصلة الكتابة حول نفس القضية على حلقات، يخفت الحماس بعد مغادرة الشحنة أو الدفقة الوجدانية، ويأخذك باتجاه قضية أو قضايا أخرى، لذلك لا ألزم نفسي بحلقات، إلاّ إذا شعرت أن هناك جوانب أخرى لم تكتمل، وأن المساحة ضاقت عنها؛ لحظتها تأخذني العزة بالإثم تجاه القضية، ربما لذلك أتابع حلقات الزملاء والزميلات الكتّاب والكاتبات بكثير من الإعجاب، وربما داخله شيء من حسد أو غيظ أو غبطة، وهي مشاعر إنسانية لا أتنصل منها كي لا أرتدي ثوبًا فضفاضًا من المثالية! مرشدات المملكة العربية السعودية، الموضوع الذي استولى على اهتمامي لأقصى مدى، لأنه خطوة كبيرة، أو قفزة عالية في سباق اجتياز حواجز التمييز، وإحراز نقطة مضيئة على طريق المساواة بين الفتى والفتاة؛ فالبنت الصغيرة التي لا تدرك أن أنوثتها هي العقبة أو الحاجز الصخري الذي يترصد خطواتها بالعيب والحرام، وأن نعمة الأنوثة هي جحيم الحرمان، من كل ما يحظى به أخوها الذي ربما يقاربها عمرًا؛ فتشاهد الفتاة أخاها يرتدي ملابس الكشافة، ويتمتع بالرحلات والمخيمات الكشفية داخليًّا وخارجيًّا، وهي محرومة حتى من ممارسة الحلم! بعد خمسين عامًا -تقريبًا- من بداية انطلاقة التعليم النظامي للفتاة السعودية، وحرمانها من حق المساواة مع أخيها؛ يفتح لها المجال لتمارس دورها الكشفي من خلال الزهرات والمرشدات، ثم بعد ذلك قائدات ورائدات، وهو تدرج الترقي في العمل الكشفي الذي كان قاصرًا على الأولاد!! ذكرت القائدة فائقة أمين عضو رابطة روّاد كشافة ومرشدات البحرين في كلمتها التي ألقتها في حفل انطلاقة المرشدات، وتأسيس جمعية مرشدات المملكة العربية السعودية، قصة حلم أو أمل أو أمنية تلبستها قبل عشر سنوات، خلال تجمع كشفي في البحرين، وكانت تكتب أوبريت الافتتاح، يومها لم تكن المملكة العربية السعودية حاضرة بمرشداتها، تقول إنها شعرت بالحزن لغياب وطن بحجم السعودية، فكتبت فقرة باسم السعودية، ودربت عليها فتيات بحرينيات تحدثن بصوت السعودية، ممّا أثار دهشة الحضور لتيقنهم من عدم وجود مرشدات مشاركات من السعودية!! قبل أن تطوي السنوات العشر أيامها وترحل باتجاه الزمان، تُدعى القائدة فائقة أمين من قِبل العزيزة مها فتيحي، لتأسيس لجنة مرشدات السعودية، ولتكون شاهدة على تسجيلها رسميًّا في وزارة التربية والتعليم، ويتم تعميم التجربة على مدارس البنات، وتكتب أوبريت حفل انطلاق النواة الأولى من زهرات ومرشدات المملكة العربية السعودية يوم الأحد 2 جمادي الآخرة 1431ه الموافق 16 مايو 2010م. تصاريف القدر تحوّل الحلم إلى حقيقة، والأماني الصادقة إلى واقع جميل وحميم! احلمن يا «بنات» فالزمن كفيل بتحويل الأحلام إلى واقع ملموس بالحواس الخمس، وارفعن سقف الأمنيات، فحركة التقدم لابد أن تقارب السقوف العالية، وقطار النهضة لا يمكن أن يمر دون الوقوف بمحطاتكن! البداية كانت نبتة صغيرة غرستها صاحبة السمو الأميرة عفت الثنيان في حديقة مدارس دار الحنان للبنات قبل 46 عامًا، فتكونت منها زهرات العمل الكشفي غير الرسمي في السعودية، وأينعت ثمارًا طيبة طعمت العمل التطوعي برحيق زهرها؛ إحدى الزهرات، هي القائدة مها أحمد فتيحي، التي عملت على حمل هذه الغرسة الطيبة، وإعادة زراعتها في تربة الوطن لتكون نواة جمعية مرشدات المملكة العربية السعودية، وتوسع نطاق فائدتها وفعاليتها وعملها بعد أن كان محدودًا ونخبويًّا بالدرجة الأولى، أصبح في متناول الجميع، بشكل اختياري دون إجبار أو إلزام، لكن لا بد من حاضن لنمو الزهرات والمرشدات، وهي مدارس البنات، لا بد أن تعمل مسؤولات التعليم على إدخال العمل الكشفي في مدارس البنات، بشكل إلزامي، دون رضوخ للحجج الواهية والحبال الدائبة، فالانخراط في العمل الكشفي تطوعي، فهو بذلك يوازن بين رغبات الجميع، ويفسح مساحة الحرية أمام الجميع، مَن ترغب تشارك، ومَن لديها القناعة والرغبة والطاقة تشارك، ومَن لا ترغب ليست مجبرة، لكن كل المدارس لا بد أن تلتزم بإدخال هذا النشاط، فهو ليس خيارًا، بل فرضًا، طالما أنه سجل رسميًّا في وزارة التربية والتعليم، أقول هذا لأني دهشت من غياب مسؤولات التعليم، ومديرات المدارس الحكومية عن حضور المنتدى للتعرف على النشاط عن قرب، وعندما سألت قيل لي بأنهن منعن من الحضور، بينما حضرت صاحبات المدارس الخاصة ومديراتها بكثافة، وهذا يعيدنا إلى مشكلة التمييز بين بنات الوطن، ويحيل النشاط الكشفي إلى رفاهية، وعمل نخبوي، وهو ما يتنافى مع المعايير السماوية التي وضعها رب العالمين للعدالة والمساواة، وتكافؤ الفرص التي تحرم منها نسبة كبيرة جدًا من بنات الوطن، لذلك لابد من تدخل الوزارة بإلزام المدارس رسميًّا، وأن لا يترك الأمر للمزاج والهوى، كما أسجل دهشتي من تقاعس رجال الأعمال وسيدات الأعمال عن دعم هذه الانطلاقة، وإثبات مسؤوليتهم الاجتماعية بدعم المشروعات الوطنية بشكل فاعل ومبادر! قلت للعزيزة مها أين الرعاة؟ لم أسمع غير أفراد الأسرة فقط هم الداعمون! قالت: الدعوة وجهت لعدد كبير من رجال الأعمال بلغ الثلاثين، لكنها لم تتلقَ شيئًا، غير الصمت الرهيب! أختم بكلمات صاحبة السمو الملكي الأميرة عادلة بنت عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود في منتدى مرشدات المملكة العربية السعودية يوم الأحد 2 جمادي الآخرة 1431ه 16 مايو 2010م (وجدت المرشدات لتطبيق مبادئ التربية الكشفية التي تجعل من أعضائها أفرادًا إيجابيين، قادرين على تطوير أنفسهم ومجتمعهم، والتوافق مع المتغيرات والظروف العصرية السائدة في مجتمعهم، وذلك وفق أهداف ومبادئ الحركة الكشفية التي حددها نظامها العام). مبادئ المرشدات: الإيمان بالله، الالتزام بالوعد والقانون، الإخلاص للوطن، حرية الانتماء للحركة الكشفية، إنكار الذات والعمل الصالح، التنمية الشخصية، الاستقلال من أي تأثير سياسي خارجي. مبادئ إسلامية وأخلاقية، ومطلب حضاري وعصري، يستحق أن نقابله بجل اهتمامنا ودعمنا، كل على قدر طاقته وإمكانياته، لا أن ندير ظهورنا، وكأن الأمر لا يعنينا!