لا أحد ينكر تزايد ممارسة رياضة المشي الآخذة في الانتشار في المضامير والأحياء والأسواق المغلقة، إضافة إلى المشي في الطبيعة والهايكنج وغيرها… ويتبادر إلى الذهن سؤال؛ هل الدافع وراء ذلك هو تعزيز الصحة والتعامل مع المشكلات الجسدية فقط؟ أم هناك من يستشفي بالمشي من المشكلات والأمراض النفسية أيضا؟ يأتي الجواب بشكل جلي في قصة مشعل لتلفت الأنظار إلى ما أسميه “معجزة التشافي بالمشي” هذه المرة بالشفاء من الاكتئاب… واليكم التفاصيل لا يذكر مشعل الذي يبلغ من العمر 22 سنة بدء مشكلاته مع سوء المزاج والتفكير السوداوي والاكتئاب، لكنها بدأت في سن مبكرة قريب من العاشرة، وبشكل غير ملاحظ، وبدت وكأنها جزء من شخصيته. في سن 15 بدت الأعراض أكثر إزعاجا في ظروف المدرسة، بالانطوائية والفتور في العلاقات والنظرة المتشائمة للحياة. وبالرغم من أنه من أسرة ثرية تجد الكثير من خيارات الترفيه إلا أنه كان لا يجد فيه أي متعة. وبحسب المحيط الاجتماعي من حوله، كان السبب في معاناته هو “ضعف الإيمان” أو “العين” أو “السحر” على الرغم أنه كان شديد الالتزام. وكثيرا ما كان يسمع كلمات من قبيل “ما فيك إلا العافية” و “أنت مدلع”، ومع ذلك باءت كل محاولاته في زيادة التعبد وطلب العلم والرقية وغيرها من المقاربات الروحية بالفشل. ومرة تحدث مع أحد معلميه عن مشكلته فنصحه بالمشي، فاستغرب مشعل من اقتراحه واستبعد وجود أي علاقة، وشعر أن معلمه هذا لم يفهم مشكلته، ولم يخطر بباله أبداً الأخذ بهذه النصيحة. وصل الحال بمشعل أنه كان يرى الحياة والشوارع والمحلات والسيارات والناس باللون الأبيض والأسود أو الأخضر الغامق من شدة الاكتئاب، أما الأكل فكان طعمه كقطعة من البلاستيك. وكان يعاني من الخمول وكثرة النوم الذي يصل إلى 12 ساعة يومياً. وخلاصة وصفه أنه كان يعاني من “شلل في الحياة”. بدأ مشعل في البحث عن حل لمشكلته بنفسه، فقرأ عن الاكتئاب؛ مظاهره وآثاره، لكن لخوفه من “الوصمة الاجتماعية” لم يتجرأ أن يطلب الذهاب للطبيب النفسي، إلى أن سمع عن إصابة أحد أقاربه بالاكتئاب، وأنه شفي منه خلال ثلاثة أشهر، فتشجع وذهب إلى الطبيب النفسي وكان التشخيص “اكتئاب شديد ومزمن”. ومما وقع عليه مشعل أثناء بحثه ما ينشر عن مفاهيم ودورات تطوير الذات والتنمية الشخصية، وقرأ عن التوازن بين العقل والنفس والجسد من قبيل “رتب حياتك” و “العادات السبع” وغيرها، واستدرك مشعل أنه ومنذ أن خلق وهو شخص أكول وقليل الحركة. فالرياضة بالنسبة له من عالم المجهول، بل كان يحتقر الألعاب الرياضية والمباريات ويحتقر من يهتم بها، فقد كان يرى أن الأهم الاهتمام بالعقل، فلم ينصح أحد من السلف وعلماء الدين بممارسة المشي. وفي تلك الأثناء كان وزنه 106 كجم ويعاني من حوالي 35 كجم من الوزن الزائد. ومما قرأ مشعل أن المشي أبسط رياضة. إلا أنه تكرر في قراءاته أن المشي لا يعالج الاكتئاب الحاد أو المزمن، وقد يعالج حالات اضطراب المزاج المتوسطة والبسيطة،. وكان مشعل يسأل أطباءه عن المشي وكانوا يقولون أن المشي لن يعالج حالته ولابد من بدء الدواء. ومع ميله المعتاد للخمول تردد في البدء، ولم يجرب شيئا من المشي أو الرياضة. بدأ مشعل تجربته مع الأدوية، وانتظم في استخدام علاج يسمى “ساليباكس” لمدة شهر ثم تحول إلى علاج آخر يسمى “بروزاك” لمدة ثلاثة أشهر، ولم يظهر أي تحسن، فغير له الطبيب أنواع وجرعات الدواء أربع أو خمس مرات، وأصبح يتناول أربع حبات يومياً، واستمر ذلك حوالي ثمانية أشهر، لكن دون أي تغيير ملحوظ. بعد استمرار المعاناة رغم استخدام الأدوية، تذكر مشعل نصيحة أستاذه بالمشي، وبعد تردد طويل وعدم الرغبة في الحركة، إلا أنه لم يجد أمامه سبيلا إلا أن يجرب المشي. قبل البدء أخذ مشعل فترة من البحث إلى أن تعرف على الدكتور صالح الأنصاري وغيره من صانعي الزخم عن المشي في وسائل التواصل الاجتماعي. ووقف على الكثير من التغريدات والهاشتاقات. كما قرأ كثيرا من قصص التحول التي حدثت بسبب عادة المشي. ولاحظ مشعل أن الكل تقريباً يتحدثون عن التحسن الذي يظهر في الجانب النفسي. ثم قرأ مقالة للدكتور صالح عن أثر عادة المشي على أحد المصابين بمرض الصرع، وأن المشي حجّم المرض بشكل ملحوظ وأراح صاحبه من تكرار نوبات الصرع وخفف من الوصمة المجتمعية. دار في خلد مشعل أن المشي الذي يحسن من حالات الصرع، يمكن من باب أولى أن يخفف معاناته مع الاكتئاب. ثم قرأ مقالة أخرى للدكتور صالح عن أثر المشي على القلق والاكتئاب والأمراض النفسية، فتواصل معه على تويتر وسأله؛ هل يساعد المشي على العلاج من الاكتئاب فأجاب الدكتور الأنصاري بالإيجاب، فقرر البدء على سبيل التجربة وقرر أن يجرب المشي لمدة ثلاثة أشهر فقط. كان مشعل وقتها في بداية الجامعة. وبدأ أول تجربة له بحماس، فبدأ المشي بحوالي 45 دقيقة متواصلة، لكن هذا الحماس تلاه انسحاب استمر حوالي شهر. وسرعان ما جلس مشعل مع نفسه وقال: اترك عنك المكابرة والمبالغة، وامش على قدر استطاعتك. وهنا استعمل المعيار النفسي في تحديد مقدار المشي الذي يمكن أن يعاود إنجازه غدا وليس اليوم فقط بحيث لا يحمل هم الانتظام والاستمرار. وبعد تفكير وتقدير وصل إلى أن هذا المقدار من المشي هو 15 دقيقة فقط !!! التزم مشعل بهذا القدر، ومع شعوره بالتحسن استمر في المشي بانتظام لحوالي سنتين دون انقطاع يذكر حتى كتابة هذه القصة. ومنذ البداية، لم يجد مشعل شيئا من التحسن فقط، بل تكاد أن تكون مشكلته قد انتهت تماماً. ومع أن التحسن بدأ في الظهور خلال الشهر الأول، إلا أنه وبعد مرور حوالي ستة أشهر، تحسنت نظرته للحياة وأصبحت واقعية وأكثر تفاؤلاً وأصبح مقبلاً على الحياة ومزاجه رائع ومستقر. كما تحسنت نوعية النوم واعتدلت مدته. أما الأرق فقد قل بنسبة 80-90٪. كما أن الشعور بمتعة الأكل والترفيه والدراسة عاد طبيعيا. كما تحول هدف الترفيه عنده من “قتل الوقت” إلى الاستمتاع بالوقت. لم يكن يخطر ببال مشعل أن تعود بعض العلاقات التي كانت “ميتة” فأحياها المشي وجعلها أفضل من السابق، وبجودة مغايرة عن السابق. كما تبدلت بعض الصداقات، فالصداقات القديمة كانت تناسبها شخصيته القديمة، ولا تناسبها الشخصية الجديدة. يصف مشعل التدرج في التحسن كما يلي: الشهر الأول : 15 دقيقة مشي، وتشافيت من الاكتئاب بنسبة 25٪ الشهر الثاني : 20 دقيقة مشي، وتشافيت بنسبة 75٪ الشهر الثالث : 25 دقيقة مشي، وتشافيت تماماً ولله الحمد يقول مشعل: “لقد كانت أكبر عقبة أخرت هذا التحسن، هو الشك في أن المشي يمكن أن يعالج الاكتئاب” ويضيف “لقد كانت النتيجة غير متوقعة أبداً، ومفاجئة إلى حدٍ كبير. لقد كان الاكتئاب كابوساً وانتهى”…. “لقد تغيرت حياتي بعد المشي تماماً تماماً تماماً تماماً وأصبحت شخصاً آخر مختلفاً وكأنني ولدت من جديد” لم يكن في قصة مشعل فترات انتكاس، فقد أقدم على التجربة باهتمام متواصل إلى أن يرى النتيجة، سلباً كانت أم إيجاباً، فقد كانت الحياة كلها بالنسبة له “خربانة خربانة” استمرت قصة مشعل في أول سنة ونصف بالمشي فقط، ثم اشترك في نادي رياضي ليمارس المشي يومياً ضمن برنامج للرياضة الهوائية مستخدماً الاوبتيكال أو السباحة، أو يمشي في البيت على السير الكهربائي في مكان جيد التهوية. وتدرج في حب المشي والرياضة إلى أن جاءت فترات كان يتمرن في بعض الأيام من ساعتين إلى ثلاثة ساعات، فقد أصبحت الرياضة بالنسبة لمشعل أفضل متنفس ونمطاً يومياً لحياة أفضل. كما استعان بجلسات الكتابة وبالورقة والقلم لحل الأمور المسببة للضغوط النفسية، فيبدأ في تفريغ أفكاره وكتابة ما يسبب الضغوط ويحاول حلها كتابة على الورق بدلا عن تدوير الأفكار في عقله فقط. وبعد مرور سنتين من التشخيص، عاد مشعل لزيارة استشاري الطب النفسي في جلستين، إحداهما بحضور أحد أفراد العائلة، وأكد الاستشاري خلوه من أي من أعراض الاكتئاب، وأنه لا حاجة للأدوية. ومما لاحظه مع التحسن في النفسية اهتمامه بجوانب الصحة الأخرى، مثل النمط الصحي واختيارات الأكل، فأصبحت خيارات الأكل أكثر صحية، وأصبح لا يفضّل أكل المطاعم. كما تحكم في تناول المشروبات الغازية والسكر، وزاد اهتمامه بشرب الماء بانتظام. أمور لم يكن مجرد التفكير فيها وارداً. وكان من نتائج رحلته مع المشي علاجاً للاكتئاب أن نقص وزنه بحوالي 36 كلجم ليصبح 74 كجم. كما أن القياسات الأخرى والكولسترول أصبحت طبيعية. وعن التغير في أنماط التفكير يقول مشعل ” أما التغيير في أنماط التفكير بعد الانتظام في المشي فيحتاج إلى مقالة أخرى. فقد أصبح التفكير التنفيذي والعملي أقوى. وقل التفكير (المثالي) وحل مكانه (التدرج) وزاد (التركيز) مكان الطموح القاتل، وأشياء أخرى كثيرة” ويضيف مشعل ” المشي والرياضة شيء خارق، وعلاج لم نجده في المستشفيات” أصبح مشعل ينصح بالأخذ بثلاثية الدكتور صالح في المشي للمبتدئين، ولا تكن طماعاً أو مكابراً أو مثالياً: 1- ابدأ بما تستطيع. 2- توقف إذا تعبت. 3- عُد غداً. أعدّ القصة “مشعل” القصة من تحرير ونشر مركز تعزيز الصحة @SaudiHPC بإشراف د. صالح بن سعد الأنصاري @Salihalansari