وصلتني قصة (حنين) ورأيت أن أشرك قرائي فيها.. وبلا مقدمات أترككم مع القصة. تقول (حنين) "كنت أعتقد أن الرياضة للرجال فقط، فقد نشأت في مجتمع من النادر أن تسمع فيه عن المشي كرياضة، ولم أشاهد أشخاصاً يمشون بانتظام أو يمارسونه كرياضة للحفاظ على صحتهم. فكان كل اعتقادي عن الغذاء الصحي والرياضة والمشي أنه لتخفيف الوزن، أو للحوامل، أو للمرضى. أما أنا فكنت أتصور أني خارج الدائرة، بل إن الناس في مجتمعنا آنذاك قد يشتبهون فيك لأنهم لم يتعودوا أن يمشي أحد لأجل المشي. كبار السن من حولي لم يكونوا خاملين، بل كانوا طوال اليوم في حركة دائبة مثل والدي (حفظه الله) فهو يحب العمل والنشاط ويكره الكسل، ولا يستطيع الجلوس فترة طويلة في مكانه. حتى عندما نخرج لحديقة أو للبر يذهب ليتمشى ويستكشف المكان مشياً. وأحياناً يذهب للمسجد يتفقده ويصلح ما يحتاج لإصلاح، فإن لم يجد عملاً في مسجد الحي ذهب لغيره. وكلمته التي يرددها دوماً (في الحركة بركة). أما أمي (حفظها الله) فلا تتكاسل عن أعمالها المنزلية من الطبخ إلى التنظيف، أو في الخياطة، أو حتى تجديد شيء من أثاث المنزل بلمساتها، حتى لو كانت في شدة المرض. وعندما نطلب منها أن ترتاح تقول لو استسلمت للفراش لما نهضت منه. عقولهم لا تعرف الكسل والخمول ولا أدري لماذا لم أقتدِ بهم. في الطفولة كنت أتفاخر بأنني سريعة، وكنت أشارك إخوتي الذكور في تسلق الجدران وأنافسهم في قفز الدرج ذي الثماني عتبات، وكانت الدراجات شيئاً رئيسياً في حياتنا، في المنزل وفي المزرعة وكنا نصطحبها معنا لأي رحلة برية. كبرنا وانشغلنا بالحياة وبالتكنولوجيا، ويبدو أننا انشغلنا أيضاً عن صحتنا. وبما أنني لم أكن أشكو من سمنة أو مرض فلا أذكر أنني بذلت جهداً بدنياً استمتع به سوى أشغال المنزل (وحتى هذه لا نؤديها بكفاءة ترفع اللياقة) لذلك صرت أشعر أنني أكبر من عمري بعقود، وأشتكي آلاماً مبرحة في ظهري وعظامي… إلخ. عندما حملت بطفلي الأول في سن 19 نصحتني الطبيبة بالمشي، وكنت أعرف أن الحامل هي التي يجب أن تمشي، وبما أن الأمر أصبح يخصني فأصبحت أمشي يومياً مع زوجي، فهو مصاب بالسكري. وكان حملي محفزاً له ليمشي. كنا نمشي حول سور مدينة الملك عبدالله المالية بالرياض، حينها كانت فضاءً عندما كان المشروع في بدايته. كنا نرى قله من المشاة هناك، الجميل أن محيط السور كبير جداً وأرى البعض يأخذون عليه أكثر من دورة كاملة، وكنت أشعر بأن من يفعل ذلك همته عالية، وكنا نستصعب الأمر ونتثاقله. فكنا نكتفي بالمشي في جهة واحدة من السور ذهاباً وإياباً لنكمل 30 دقيقة فقط، ثم نعود كي لا نبتعد عن السيارة. كنا أحياناً نبحث عن أماكن أخرى تكون واجهتها على شارع عام نمشي حولها، وصرنا نستطلع الأحياء القريبة باحثين عن الحدائق لنمشي فيها، كانت حديقة حي الواحة أنسب مكان في تلك الفترة، وحينها كانت فكرة ساحات البلدية في بداياتها، ولم تكن قد انتشرت كما يحدث الآن. طعامي كان مركزاً على الوجبات السريعة والحلويات وكافة ذلك مصحوباً بتأنيب الضمير، لكن لم يكن يكفي تأنيب الضمير من أن أستجيب لرغباتي الطفولية، ففي السنوات الأخيرة بعد التخرج من الجامعة أصبحت أغلب حياتي سهراً حتى الفجر ثم نوم حتى الظهر وخمول وكسل بقية اليوم، كل ما أشعر به هو رغبة ملحة في النوم في كل وقت ولا أحب الخروج، وأتكاسل عن العمل. كنت أتحجج بأطفالي والانشغال بهم، ولكن صدقاً كنت أعيش صراعاً داخلياً عنيفاً وكم كنت أكره نفسي في تلك الفترة وأكره الفراغ الذي عشته وأشعر أنها كانت أياماً مظلمة في ذاكرتي، كأنني كنت في دوامة. كان ذلك في الرياض، أما عندما نسافر لمحافظتنا خارج مدينة الرياض فكنا نمشي حول مصلى العيد، أو في الحديقة العامة، أو في المخططات الجديدة، أو نخرج لأقرب مكان في البرية، فالأمر في المحافظات الصغيرة أسهل من الرياض من ناحية توفر أماكن المشي. وبالتأكيد فإن من أحب المشي سيبدع في اكتشاف الأماكن الصالحة للمشي. بعدما أنجبت طفلي الأول "عادت حليمة لعادتها القديمة"، وانشغلت بضيفنا الجديد، وكنت أشعر بصعوبة الاستمرار في المشي، وأتثاقل الخروج مع طفلي. كنا نمشي ولكن في فترات متباعدة لا يعدو كونه مشياً لإسكات صوت الضمير. مضت الأيام والسنون ونحن على هذه الحال ننتظم في المشي حينما أكون حاملاً فقط، ثم نتوقف ما إن تنتهي فترة الحمل. أما زوجي فكان أكثر استمراراً في عادة المشي حول المسجد أحياناً قبل العودة إلى البيت لكن أيضاً بشكل غير منتظم. أقولها بكل أسف إني تعلمت وأدركت الصواب وعرفت طريقي نحو الصواب، ولكني تعلمت الدرس في ذلك اليوم الذي صفعني فيه المرض ليوقظني من الكسل والتسويف. فقد أصبت بسرطان الثدي في سن 25، وانقلبت أوراقي وعدت لنفسي بصدق وقررت أن أكون جادة في تصحيح عاداتي السيئة تجاه صحتي. ليس فقط عودة للصواب، بل أيضاً لأني عرفت أن المشي المنتظم يحسن احتمالات الشفاء، ويعوض الجسم بتحسين اللياقة وجودة الحياة عموماً لمرضى السرطان. استدركت أن أكبر خطأ اقترفته في حياتي أنني ركزت على مسؤوليتي كأم وزوجة فقط، ولم أحدد أهدافي نحو صحتي، بل استسلمت للفراغ بحجج واهية، فالجميع يدرك أن تربية الأبناء هدف سامٍ، لكن ليست الحياة مقتصرة على الأبناء فحسب. لقد ضيعت أوقاتاً ثمينة من حياتي في الكسل. بعد مرور شهر، وبعد أن أفقت من صدمة المرض تغيرت حياتي كلياً. وأول قرار اتخذته هو أن أتغلب على الطفلة المشاكسة التي تعيش داخلي ابتداءً بالتغذية السليمة والرياضة، وانتهاءً بأوقات الفراغ الضائعة بلا فائدة. فحددت أهدافاً كثيرة وأحدثت تغييراً جذرياً في حياتي، ووضعت المشي على رأس الهرم، وعزمت أن أمشي يومياً بانتظام. أتابع حسابات أشخاص مهتمين بالمشي للصحة وعلى رأسهم د/ صالح الأنصاري وحسابه الشهير في تويتر. حيث كان له تأثير ليس علي فقط ولكن على الكثير من أفراد أسرتي. إضافةً إلى المهندس حسان الفلو وحساب "زبادي ومشي"، فقد كنت أقرأ تغريداتهم يومياً، وعندما يخبو حماسي ما ألبث أن أعود عازمة على التغيير وبدأت رحلتي الجميلة مع المشي. وأصبحت أقرأ عن المشي أكثر. كنت أقرأ بعينين مذهولتين؛ أحقاً كل تلك الفوائد في المشي؟ اشتريت حذاءً خاصاً للمشي بعد أن كان ذلك آخر اهتماماتي، وتخلصت من تلك الأحذية البئيسة التي كنت أرتديها يومياً لأجل مظهرها الخارجي وإن كانت غير مريحة، فلا تسل عن عدم الراحة وآلام الظهر المزمنة بسببها، بعدما اكتفيت بأحذية مريحة وطبية. لاحظت الفرق حقاً بعد شهر من الالتزام بالمشي ومحاولة التقليل من المأكولات غير الصحية والأكل باعتدال. ففي البداية كان الأمر ثقيلاً جداً ولكن إن وضعت الأمر نصب عينيك فستذلل لنفسك الصعاب، ولن تقف العقبات عائقاً في طريقك. فقد كنت أمشي أحياناً كثيرة في ساحة المنزل بعد صلاة الفجر مباشرة وأنا أقرأ أذكاري حتى يحين موعد إيقاظ أطفالي للمدارس، وكنت أجهز أغراضهم من الليل حتى أتفرغ للمشي. وإن باغتني الوقت أجلت المشي لما بعد ذهابهم. إضافة إلى المشي اليومي خارج البيت حول مصلى العيد القريب في محافظتنا الصغيرة، أو في المخططات الجديدة، حيث لا توجد ممرات مخصصة للمشاة. وأحياناً نذهب للاستراحة فقط لنمشي فيها ثم نعود. ولأنني كنت أخبئ حقيقة مرضي عن الكثيرين، فقد جعلني نظامي الجديد أواجه تحدياً مع المجتمع بشتى الأوجه، من مثل: "لا تكوني معقدة"، أو "عيشي حياتك"، أو "الموتة واحدة…". لكن في المقابل لاحظت أن صحتي بدأت تتحسن وأصبحت أشعر بنشاط أكثر، وخفَّت آلام الظهر المبرحة التي عانيت منها لأكثر من 15 سنة، وتقلصت بنسبة 70% بلا مبالغة فقد كنت أشكو من آلام ظهري مذ كان عمري 16، وراجعت من أجلها المستشفى مراراً واستخدمت فيتامينات، وجلسات علاج طبيعي يسكن الألم فترة ثم يعود. ومع الأيام، ومع الانتظام في المشي ودعت آلام الظهر المزمنة إلا اليسير منها ولله الحمد والمنة. وأدركت باختصار أن أسلوب الحياة الخاطئ كان سبباً رئيسياً للكثير من مشكلاتي الصحية. مع أنني ما زلت مصابة بالسرطان، وتعايشت معه وأتردد على الولاياتالمتحدة لمتابعة العلاج منذ حوالي أربع سنوات، إلا أنني أرى أنني أصبحت أفضل حالاً من كثير من الأصحاء حولي الذين تعودوا على الكسل. لقد كانت عائلتي وصديقاتي المقربات (ولا يزالون) أهم داعم لي، حيث وجدت منهم قبولاً للفكرة، بل وجدت فيهم حماساً لتغيير سلوكياتهم الخاطئة حينما ينظرون إلي كنموذج، وبسبب تشجيعي لهم على الاستمرار. وكل ما أطمح إليه الآن أن أؤثر عليهم تأثيراً يكون دائماً وليس وقتياً فقط. محبتكم وراجية الخير لكم "حنين" انتهت قصة (حنين) أقول: كم نحن بحاجة إلى مراجعة قناعاتنا القديمة عن الصحة، والرياضة، والتغذية، ونمط المعيشة. قناعات ننظر إليها بشيء من الاستغراب إذا مَنَّ الله علينا بحب المشي والنشاط والتغذية الصحية، ولعل الجميع يغيرون قناعاتهم دون أن يصفعهم مرض، أسأل الله أن يَمنَّ على الجميع بدوام الصحة والعافية. حررت القصة بإشراف: د. صالح بن سعد الأنصاري @SalihAlansari المشرف العام على مركز تعزيز الصحة @SaudiHPC