نولدُ لسنا مبهمين كمن لا معالم له، بل لكلٍّ منا بصمته الخاصة التي تميزه عن غيره، ثم يكبر ويصبح له عالمه العقلي الخاص الذي لايشاركه فيه أحد إلا بموافقة منه.. نتفاعل مع محيطنا وتتشكل هوياتنا أيضا بما نتأثر به وبما يُلقى على مسامعنا وأبصارنا وقلما تجد من لا يتأثر بما يدور حوله، وكثيرا ما نجد من المؤثرين إما سلبا أو إيجابا وكان هذا النهج المعتمد للحياة حتى اجتاحتنا موجة ما يسمى بالسوشيال ميديا!! هنا انقلبت الحياة رأسا على عقب وأصبحنا كمن يحمل عقله في راحتيه يذبّ عنه ويستميت في الدفاع عما كان يعتقده، إذ أنّ هذه الطفرة التكنولوجية أصبحت هي من تقود العالم بأسره حين سيطرت بلا جيش عرمرم ولا أسلحة فتّاكة على عقول العالم، فما كنت تظنه مستحيلا منذ عام أصبح واقعًا قائمًا وملموسًا!! اليوم يكفي أن تضغط بأصغر أصابعك على جهاز كفيّ تحمله في يدك لتجدك تركض في أعتى أسواق البورصة العالمية أو تتمشى في حدائق لم تحلم يوما أن تصل لتفاصيلها ولو حلما المستحيل أصبح واقعًا، انكشفت أسرار وسقطت إمبراطوريات مال وشخصيات، وانهارت حصون معلومات مخبأة تحت وطأة هذه التكنولوجيا.. ونأتي للسؤال الذي يفرض نفسه: ما مدى تأثرك بهذا؟! بيننا من يكون له وجه آخر عبر السوشيال ميديا ليبدو أكثر حسنًا وجمالا.. وبيننا من أغلق عقله عن تقبل كلّ ما هو جديد وكأنما عُلق أمامه لوحة تحمل ( عقلٌ غير قابل للتحديث ) فلا تفاعل ولا تغيير ولا تقبل!! بيننا من يكون ضعيفا هشّا يتلقف كل ما يلقى إليه ويسلّم بها كحقائق ثابتة يستشهد بها، وهذه الفئة أخطر ما يكون على المجتمعات.. وبيننا من جعلت من هذه الطفرة سلّما ترتقيه لتعانق معالي الأمور بتطوير نفسه وتعليمها وتهذيبها فيتعلم أولا الحلم والصبر والثبات في عدم الانجراف خلف شخصٍ مستفز أو آخر فارغ إلا من إبهار كاذب! كلنا وإن كابرنا نبدو عكس ما نحن عليه خلف هذا الذي بين يديك الآن، نحاول أن نمتلك كاريزما خاصة لنبدو أمام الغير كأجمل ما يكون ولا بأس في ذلك حين نمتلك أدوات تجميل حقيقية وغير مزيفة