ضمن فعاليات المقهى الثقافي بمعرض جدة للكتاب أقيم لقاء بعنوان «المثاقفة الشبكية» تحدث فيه علي البركاتي متسائلاً: هل ما نحن فيه الآن هو من نتائج السوشيال ميديا، أم أن هذه السوشيال ميديا أوجدت في بيئة صالحة لصفات كانت فينا؟ بمعنى لو أن وجودها كان قبل مائة عام، هل ستكون بهذا التأثير الآن؟ اللقاء كان بمنزلة المحاولة للوصول إلى إجابات تفسر ممارسات أصبحت شائعة، ارتبط أغلبها بالسوشيال ميديا، دون التطرق إلى إيجابياتها أو سلبياتها، والمتصلة غالبًا بالثقافة، ليكشف البركاتي – ومن وجهة نظره – أسبابًا ساهمت في تغيير الثقافة وهي: أولاً: سياسة السوق أو ممارسات السوق، ومن أهمها تحول المثقف من مفهوم الرجل صاحب الفكرة وصاحب الرسالة إلى رجل أعمال أو تاجر، فأصبح حريصًا على تحقيق مصالح ومكاسب شخصية لنفسه أكثر من دوره في إيصال الثقافة أو الفكرة، ما ولد لدينا شعورًا بأن النخب المثقفة غائبة، وهي في حقيقة الأمر لم تغب، بل إنها في زمننا هذا تُعتبر في أفضل حالتها وأكثر نشاطًا من السابق، لكنها انشغلت بجلب الطموحات الكبيرة والمكاسب الشخصية، حتى إنها تعجز عن رسم خط الثقافة، فأصبح جل هم المثقف أن يبقى تحت الأضواء، وأن يكون ضمن مدار النقاشات واللقاءات والأمسيات، ولا يشارك في نشاط ثقافي إلا بعد إجراء دراسة جدوى، وبالتالي كانت سببًا في تخليهم عن الشجاعة الأدبية مقابل الحفاظ عن الجمهور وكسب رضاهم. وذكر البركاتي أن من ممارسات السوق شيوع مصطلحات غريبة ونهج يسوق المثقف نفسه للناس من خلاله، وكأن المعرفة سلعة أريد لها أن تروج وتباع، فأصبح تقييم المعرفة بعدد من يقولها أو بما أحدثته من صدى ومتابعين؛ لينتقل إلى ذكر السبب الثاني، وهو الذاتية والنرجسية التي تندرج تحت التعبير عن النفس بشكل مبالغ فيه، بدورها أثرت في الإنتاج المعرفي انطلاقًا من تجربة المثقف الشخصية. وتحدث عن السبب الثالث وهو الخفة والسيولة، فقال: ومنه شيوع النسبية المعرفية؛ إذ نقف أمام طوفان كبير من الآراء الجاهزة تخالف السائد معرفيًا، وكذلك محاكمة المعرفة وتقييمها من انطلاق قيمة المتعة أو الإثارة أو الجمال دون التركيز على بنية المعرفة وجوهرها، التي نتجت عنها القراءة اللحظية غير العميقة، وأضحت مجالاً للاستعراض والخلط ما بين المعرفي وغير المعرفي، كذلك الهوس بالحديث عن القراءة، وتقديم النفس كناشط قرائي من أشخاص يفتقدون القراءة ويتحدثون عن الكتب أكثر مما يقرأون يعد مظهرًا من مظاهر الخفة والسيولة. ليختم بسؤال: هل وسائل التواصل مكان للثقافة أساسًا؟ لتكون إجابته: يمكننا الاعتماد عليها فيما يتعلق بالتواصل والمشاركة والاهتمام المشترك، ولكنها ليست أماكن لاحتواء المعرفة، وليست أنسب بيئة للتعلم والتعليم.