هل يعاقب الكونغرس الأمريكي «الجنائية الدولية»؟    شقيقة صالح كامل.. زوجة الوزير يماني في ذمة الله    «الأرصاد»: أمطار غزيرة على منطقة مكة    «الزكاة والضريبة والجمارك» تُحبط 5 محاولات لتهريب أكثر من 313 ألف حبة كبتاجون في منفذ الحديثة    باص الحرفي يحط في جازان ويشعل ليالي الشتاء    الرعاية الصحية السعودية.. بُعد إنساني يتخطى الحدود    فريق صناع التميز التطوعي ٢٠٣٠ يشارك في جناح جمعية التوعية بأضرار المخدرات    الكشافة تعقد دراسة لمساعدي مفوضي تنمية المراحل    الذهب يتجه نحو أفضل أسبوع في عام مع تصاعد الصراع الروسي الأوكراني    خطيب المسجد الحرام: ما نجده في وسائل التواصل الاجتماعي مِمَّا يُفسد العلاقات ويقطع حِبَال الوُدِّ    المنتخب السعودي من دون لاعبو الهلال في بطولة الكونكاكاف    الملافظ سعد والسعادة كرم    استنهاض العزم والايجابية    المصارعة والسياسة: من الحلبة إلى المنابر    "فيصل الخيرية" تدعم الوعي المالي للأطفال    الرياض تختتم ورشتي عمل الترجمة الأدبية    «قبضة» الخليج إلى النهائي الآسيوي ل«اليد»    رواء الجصاني يلتقط سيرة عراقيين من ذاكرة «براغ»    لبنان يغرق في «الحفرة».. والدمار بمليارات الدولارات    حلف الأطلسي: الصاروخ الروسي الجديد لن يغيّر مسار الحرب في أوكرانيا    «السقوط المفاجئ»    حقن التنحيف ضارة أم نافعة.. الجواب لدى الأطباء؟    إطلالة على الزمن القديم    إجراءات الحدود توتر عمل «شينغن» التنقل الحر    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    أشهرالأشقاء في عام المستديرة    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    د. عبدالله الشهري: رسالة الأندية لا يجب اختزالها في الرياضة فقط واستضافة المونديال خير دليل    ترمب يستعيد المفهوم الدبلوماسي القديم «السلام من خلال القوة»    مشاعل السعيدان سيدة أعمال تسعى إلى الطموح والتحول الرقمي في القطاع العقاري    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    ترمب المنتصر الكبير    صرخة طفلة    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    فعل لا رد فعل    البيع على الخارطة.. بين فرص الاستثمار وضمانات الحماية    لتكن لدينا وزارة للكفاءة الحكومية    المياه الوطنية: واحة بريدة صاحبة أول بصمة مائية في العالم    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    أخضرنا ضلّ الطريق    أشبال أخضر اليد يواجهون تونس في "عربية اليد"    5 مواجهات في دوري ممتاز الطائرة    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    ندوة "حماية حقوق الطفل" تحت رعاية أمير الجوف    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    استضافة 25 معتمراً ماليزياً في المدينة.. وصول الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة    «المسيار» والوجبات السريعة    وزير العدل يبحث مع رئيس" مؤتمر لاهاي" تعزيز التعاون    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



طريب .. عود على بدء
نشر في الرأي يوم 31 - 08 - 2019

بعد 60 عاما من السبح الطويل في فضاء الله الكبير وملكوته الواسع انتهى الأمر من حيث ابتدأنا .

بعد 60 عاما من الركض المضني وبعد خفوت كوا من النفس ورفضها للإملاءا ت عادت لها الروح فأيقظ تها .

بعد 60 عاما من قراءة كف ا لسماء والأرض سرا وجهرا لسبر أ غوارهما تم التوقف عن التمتمة وصرف النظر .

بعد 60 عاما من تفحّص الوجيه والأسماء والنوايا تقرر الا نصراف والعودة من جديد للحياة البدائية النقية .

بعد 60 عاما من مسايرة حركة واتجاه سير الناس في الأرض وا لنجوم في السماء لمعرفة مداراتها و أسرارها .

بعد 60 عاما من مدارا ت الزمان وعناق العلوّ لا رتقاء الذات والبحث عن سمو الهامة والقدر والمكانة .

بعد 6 0 عاما من مقارعة الوجود الجاحد بجزئي عما وتبارك كان لابد من العودة لكامل الكتاب والا ستزاده .

بعد 60 عاما من شحذ الهمم وطرق كل باب من أبواب الرزق وسياحة العقل في الكتب والأفكار النيّرة..

بعد 60 عاما من التجوال بالروح والجسد في الآفاق والتفكّر في مساحاتها التي ضاقت رغم رحابتها..

بعد 60 عاما من التجديف والإبحار في الحياة حتى تكسرت المجاديف دون الرسو على شاطئ الأمان ..

بعد 60 عاما من مسايرة السائرون في مناكبها من بدو وحضر وعرب وعجم فنحن مسيرون ولسنا مخيرون .

بعد 60 عاما من محاولة الانصهار في بوتقة الحياة العامة مثل كثير من الناس ذوي السحنة البدوية..

بعد 60 عاما من قراءة الواقع ومحاولة استشراف المستقبل المجهول الذي استعصى على كل القراءات..

بعد 60 عاما من رسم الأحلام الوردية لتحقيق آمال وتطلعات الروح الشفافة على جدار الزمن القاسي.

بعد 60 عاما من مطاردة الحظ التعس في محاولة للإمساك به ومحاكمته على صلفه وجرائمه اللاإ نسانية .

بعد 60 عاما من العطاء والأخذ المتبادل مابيني وبين الدنيا بمايكفي للتماهي بما انا عليه زورا وبما اعطيته بهتانا .

بعد 60 عاما مليئة بتعب البحث الإجباري وليس المشروع فقط عن الذات البشرية ذات الطابع الإنساني الحميد والملذات الحياتية والبناء الجسدي والعقلي والثقافي والإجتماعي والتكوين الوجودي المستحق للإنسان مهما علا شأنه أو دنا على هذه البسيطة .

بعد 60 عاما من البحث عن المستقبل المنشود أو المحمود على الأقل في حده الأدنى الذي لم أ خطط له مثل كل السعداء ؛ لأنني كنت من البؤساء كماقال فيكتور هوغو .

بعد 60 عاما من العناء و وعثاء السفر في الحياة عدت بخفي حنين الى طريب وكأنني احدب نوتردام .

بعد 60 عاما من العيش في العاصمة السياسية الرياض بين شارد الذهن وحاضره، بين متأمل ومتيقن، بين راض وكاره، بين متفحص ومعرض، بين قابل ورافض للظروف وللحياة وتعنتها ولبعض الوجوه الشاحبة و المتورمة الرسمية الخاصة والعامة والسلوكيات الإدارية والبشرية البغيضة، وتقلبات الحياة بعكس ماتشتهيه النفس والتعب من مسايرة واقع الحياة المر .

بعد 60 عاما من التجوال في الأحياء والشوارع وفي الأبنية والدواوين الخاصة والمكاتب العاجية وقاعات الثقافة وفي الدهاليز المؤسساتية الرسمية والأهلية وعلى الأرصفة، وفي العيون والأفئدة المبصرة النقية والخبيثة أيضا وحت ى في الفضاء والهواء الطلق، حين لا تكون الإجابات شافية ، بحثا عن ذات مفقودة منذ الصغر، نفسا تبحث عن ذاتها عن كينونتها ومكانتها ، ذات نقية بدائية بسيطة وجدت نفسها فجأة وبدون مقدمات في معمعة الزحام وخضم الحياة الملوثة بحب الذات والمصالح الشخصية والنظم البيروقراطية المعقدة وشروطها التعجيزية وطوال هذه السنون فجأة تختفي خوفا، وفجأة تظهر فرحا، تارة تداعب وتارة أخرى تعاند حظها المتعب التعس في الحياة .

بعد 60 عاما من مصافحة وجوه كثيرة ملوك ورؤساء وأمراء ووزراء سعوديين وعرب وأجانب، وحضور مؤتمرات وقمم وندوات محلية وعربية كثيرة وزيارة بلدان متفرقة، ومزاملة زملاء مهنة وكتّاب سعوديين وعرب وأجانب أصحاب قامات ومقامات صحافية وأدبية وسياسية واجتماعية وعلمية مختلفة يشار لها بالبنان، وخالطت مجتمع مدني جمع بين القمّة والسّفح بين الصح والخطأ بين المفيد والضار وتلك صفة مجتمعات المدن حيث تذوب الشخصية العامة فيها وتبقى الخاصة بنشأة الإنسان فيه كامنة كماهي في تكوينها الأول داخل الروح بين مد وجزر حتى تعود لجذور نشأتها الأولى حين تبلغ النفس مداها والجسد منتهاه أو ترافق جسدها لمثواه الأخير بعد نزع الروح منه حيث تموت مع الجسد هناك، تلك هي الحقيقة .

بعد 60 عاما أغادر الرياض المدينة المختلفة منذ نشأتها الأولى عرفت فيها وزاملت وصاحبت وخاصمت وجوها صحفية وغير صحفية صالحة فالحة ووجوها أخرى كالحة طالحة تعرّضت وإياهم ومعهم لمواقف مختلفة بين سارة وضارة، بعضهم خلوق يبني ويتمّم ويحتمي، وبعضهم سيء يهدم ويدمر حتى نفسه ، وآخرين منهم لاناقة لهم ولاجمل في الحياة ونشاطها ، كل هؤلاء هم نموذج لنمط الناس في الحياة العامة فهم عنوانا يؤكد القوالب المختلفة المتنافرة للبشر في الوجود الذين لا يلتقون أبدا إلا في المصالح الضيقة، تلك هي الحقيقة إما أبيض أو أسود وبينهما اللون الرمادي حيث لايوجد لون آخر يفرق بينهم .

قبل 60 عاما أتيت للرياض لأول مرة في بداية الثمانينيات الهجرية في العام الأول منه تقريبا نزلت الرياض تماما مثل فضائي ينزل على سطح القمر الموحش الآن ، كل شيء مختلف متغير الأرض والناس ونمط الحياة، كل شيء جديد حتى آذان ابن ماجد رحمه الله أفزعني كأنه يدعو للفزعة كما هو نمط الحالة الإجتماعية أو القبلية التي أتيت منها حيث جهورية الصوت تدعو للفزعة والنصرة وليس للصلاة والرحمة وطلب المغفرة إذ لم نعرف مكبر الصوت بعد .

قبل 60 عاما كانت حديقة البلدية القديمة (البخشه) ملتقى أهل طريب وكثير من أبناء منطقة عسير عرفتهم حينها من الواديين ومن أحد رفيدة ومن السراة والعرين وظهران الجنوب ومن أبناء البادية وهم كثر قبل أن يستوطنوا القرى والهجر وينزلوها، ويهجروا البادية وشظف العيش فيها ويتعبون من تضاريسها الصعبة في بداية التسعينات الهجرية، وكنا نسميهم البدو وكلنا كنا بدوا عند أهل الرياض الأصليين، وكانو ا يقولون عنا أ يضا (جنِبّه ) أي أجانب عليهم، أكلت التفاح لأول مرة (تفاح إ يراني صغير) ومثله تنتجه القصيم على ذمة الدكتور عبدالله الغذامي فكأنها تفاحة من شجرة آدم عليه السلام بما تبعها من مشقة وعناء من وصب وتعب كابدته، ولو لم يقال لي أن هذا تفاح لقلت إنه بلح الرياض كما هول حال بعض نخيلنا في طريب زمان سقاه الله بالسيل.

بعد 60 عاما قررت النفس الشقية أو السعيدة لافرق، ا لمتعبة بالبحث عن ذاتها ، قررت في الأخير توقفها عن الركض في مضمار الحياة العامة والصحافة والقراءة، وبين الناس ومعهم وتوديع الرياض عاصمة العرب ومقر اتخاذ قرارات المصير العربي ومجده وحماية الدين والوجود العربي من الزوال وحقه في الحياة .

بعد 60 عاما من الهرولة في عرض الرياض وطولها قررت مغادرتها والعودة لطريب فلربما أن ذاتي هي هنا في طريب وقد أكون أخطأت بالبحث عنها في الرياض كل هذه السنون، أقول ربما.
طريب .. هذ ا الوادي أو المحافظة التي تتكئ على تاريخ ومجد وأسماء عظيمة من أهلها الأقدمين صنعت لها من وجهة نظري الصادقة في سماء المجد مكانة تنافس مدن الأمصار الكبرى التي قرأنا عنها في كتب التاريخ والأدب والجغرافيا والسير فمن يكتب عن طريب ويقدمه لنا بمايليق به يا أبناء طريب؟؟؟ نقبوا في الكتب والمصادر ستجد ون أنه منجم يستحق الكشف..
طريب .. محافظة عظيمة عظمة أهلها.

طريب .. محافظة مغلفة بمجد وتاريخ عظيمين.

طريب .. اسم ساطع في التاريخ والجغرافيا والعزّة .

طريب .. غريق في حالة اللاوعي ويحتاج لمن ينقذه بسرعة .

طريب .. قطعة ذهب تحتاج لمن يصقلها لتتلئلأ أمام الناظرين .

طريب .. كنز يتوق لمن يفتح خزائنه للفائدة العامة والانتفاع منه .

طريب .. عاصفة من عبق التاريخ ونفح من روح المجد والجغرافيا .

طريب .. منصة احتفا ل منصوبة لا يليق بها ولا يعتليها إ لا أصحاب العقول الكبيرة .

طريب .. ومن فيه ومافيه يشبه لوحة فسيفساء جميلة تسرّ الناظرين يصعب عليك صرف النظر عنها .

طريب .. مثل سيف عزّ لا يمسك به إ لا الفارس في الميدان، فأين هو الفارس، من ينبري للفروسية والسيف .
بعد 60 عاما من العدو المضني في دروب الحياة والتعب الجسدي والذهني في الرياض العاصمة المتخمة بالعظماء من الرجال القادة وبالمجد والعزّة والمنعة والتاريخ والناس، أعود لطريب بحثا عن بداية الخلود الجسدي والنفسي فهل يكون خلودي في طريب ؟ أتمنى .

بعد 60 عاما أغادر الرياض وقد عملت فيها صحفيا لدرجة الشقاء وآخر أعمالي سيكون بحثا عن الصحافة السعودية ستنشره المجلة العربية قريبا وأذكر أن أول خبر صحفي لي وباسمي حينما كنت موظفا في وزارة المواصلات، كان رئيس الصفحة الأ ولى بالرياض عا م 1 393ه. خبر إنشاء طريق بتكاليف 10 ملايين ريال وبالخط الأحمر تأكيدا على أهميته، وأول تحقيق صحفي عملته كان عن الرياض المدينة وتغيرها في بداية الطفرة عام 1396ه، وكان مثيرا لدرجة أن الأديب الكبير عبد الله نور – رحمه الله – أو شامة الأدب السعودي كما أسميه قال لي أن الأمير خالد الفيصل بعد أن اطلع على التحقيق قال هذا الصحفي إما أنه مجنون أو صحفي غير عادي، وغيره أعمال صحفية أ خرى جعلت الدكتور سليمان هتلان يقول عني أنني كنت أ فضل من يكتب التحقيق الصحفي في الصحافة السعودية الورقية حينها طبعا، هذه شهادات أعتز بها مع أنها لاتسمن ولاتغني من جوع الآن، لكنها للتاريخ مهمة بالنسبة لي كاستشهاد ، وأذكر حادثة احتراق الطائرة السعودية بالرياض التي كنت أنا الوحيد من انفرد في نشر عدد ضحاياها في الطبعة الثانية من الرياض بالرغم من وجود أسماء صحفية كبيرة من كل الصحف معي ليلتها في صالة كبار الشخصيات بمطار الرياض للمتابعة وتغطية الحدث، لكن الحس الصحفي يختلف من شخص لأخر حيث تجسست صحفيا من أجل الفوز، إنه الذكاء الفطري وحب المهنة وقد نجحت فيه بفضل الله وكافأني عليه المرحوم تركي السديري ب (2000) ألفي ريال ، كنا نفاجئ الوزراء بأخبار هامة عن وزاراتهم في الغد لنفاجأ بهم في نفس اليوم يسألون كيف حصلنا على الخبر؟ وهل هو صحيح أم أنه نتيجة حدس صحفي أي تخمين فقط ؟ ونشعر بالزهو حينما يكلمنا رئيس التحرير ليقول أن الوزير فلان اتصل يسأل عن صحة الخبر، وحينما نكشف له الحقيقة وأن بعضها بتوقيع الوزير يضحك ويقول بعض الوزراء وزير بالبركة وينهي السؤال .

بعد 60 عاما أقول كانت لي مواقف صحفية غير عادية في الرياض المدينة والصحيفة وفي صحيفة الجزيرة أيضا حتى عام 1404ه ، وهي فترتي الصحفية الذهبية ومع المسؤولين ومع الناس عامة، وكان الأستاذ تركي السديري -رحمه الله- يدفعني ويدافع عني ويشدد على عدم الكشف عن مصادري الصحفية ؛ لأن كل مسؤول وكل وزارة وإدارة كانت تستدعينا للتحقيق معنا بعد كل خبر خاص ننشره وكأنها تحاكمنا على كشف سرّ من أسرار الدولة، وإن كان ذلك في مفهومنا وعرفنا الصحفي يعني السبق، وذلك في بداية الصحافة حيث الجهل أكبر من فهم دور وسائل الإعلام بالذات الصحافة وقدرات الصحفي، وكان تركي السديري – رحمه الله – هو الذي يخلصنا بتوجيهات رسمية عليا من بعض الوزراء والوزارات ومن الملاحقات الرسمية، كان تركي السديري رحمه الله كبيرا في كل شيء معنا ومع الصحافة، وقف معي كثيرا حينما كنت في الرياض ودافع عني حتى وأنا في الجزيرة وليس في صحيفته الرياض التي خرجت منها مغاضبا له ، ياله من عظيم ذلك السديري -رحمه الله- ، كان ملهما فيما كان كثيرا من رؤساء التحرير مجرد موظفين في مؤسسة عامة ليس إلا ، والآن ازداد الوضع سوءا من الصحفيين ورؤساء تحرير الصحف عامة، انتهى تأثيرهم المهني هم حسب التصنيف الجديد الذي اخترعه وروج له العامة إعلاميون وهذه صفة جامعة تنطبق على المتخصصين في الشأن الإعلامي صحافة وإذاعة وتلفاز وتدريس وكتابة ومسمى الإعلاميون الآن الذي يردده العامة مسمى عام عائم مثل كلمة موظف فقط، و إ علامي ورئاسات التحرير وصحفي الصحافة له مواصفات ومقاييس مهنية وثقافية لا تنطبق اليوم على أحد منهم والدليل تساقط الصحف يوميا ، إذ أن ماكل صحفي صحفي البتة حتى لو كان رئيس تحرير .

خلال 60 عاما مضت كان هناك وزراء ومسؤولين حفرت أسمائها في ذاكرة الصحافة والصحافيين وكان لي مع بعضهم حكايات وحكايات لكن يظل الشيخ عبد العزيز بن عبد المحسن التويجري نائب رئيس الحرس الوطني – رحمه الله – وعراب الثقافة السعودية الرسمية الحديثة أكثر قيمة ومكانة وقربا إلى قلبي وعقلي يليه معالي الدكتور غازي القصيبي رحمه الله فالدكتور محمد عبده يماني وزير الإعلام والدكتور محمود محمد سفر وزير الحج ومحمد بن سلمه في الأوقاف رحمهم الله جميعا وغيرهم كثير وآخرين برتبة وزير ومعالي وسعادة كانوا معي كارهين مقارعين و كنت معهم قويا بما فهمته عن الصحافة وقيمة الصحفي وبدعم وتوجيه وتعليم مهني من تركي السديري، وإن كان الكثير منهم يجهل ذلك، وصحفي الأمس فارق جدا عن صحفي اليوم، صحفي الأمس كان محترفا لمهنة المتاعب كمهنة يخلق الخبر ويقدمه للقارئ كمفاجئة ؛ خدمة لقراء مطبوعته، فيما صحفي اليوم يقدمه الخبر للقار ئ لاجديد فيه، وهو محترف للتشّخيص أكثر من الإبداع الصحفي؛ لأنه غير مهني هو ساعي بريد فقط .

بعد 60 عاما أغادر الرياض، وقد عملت لعقلي وليس لجيبي حيث بالغت في الأولى واهتميت بها وأجحفت في الثانية وأهملتها طوال مكوثي في هذه المدينة العزيزة المثيرة والمهابة الجانب، وإن كانت قد بدأت تغير جلدها ومناخها اغراء لمحبيها بإذن الله، أغادرها وقد كوّنت منها وفيها ومعها أجمل الذكريات والتي أستطيع أن أراهن أنه لم يكوّنها مثلي أحد من أهل عسير، لأنها ذكريات جمعت بين الخاصة الشخصية والعامة الرسمية والسيرة الذاتية برصيد يفوق الوصف ولاحتى في الخيالات، وقد يكون لخيالي الجامح وقوة إقدامي دور في تكوّن تلك الذكريات وخلقها ولو أشرت لها هنا أوفي مذكرات شخصية لقامت عليّ القيامة من الحكومة والناس أجمعين كونها من الأسرار ا لتي تمسهم جميعا لكن الله رؤوف بعباده، وليس فيها مايستدعي منكم ( الزمّه ) بالأنف، فأنا مجرد إنسان عاش بتجرد دون قيود أو حدود مصطنعة ، لا أؤمن بميكانيكية الإنسان وتقليديته في سيرته، لابد وأن يكون الإنسان متحررا و متحركا ومتجددا وليس جمادا أو مبرمجا بما تعود عليه ممن هم قبله، ولا أن يكون مجرد متتبع لخطى من سبقه في الحياة ماكنت كلاسيكيا مثل كثير من الناس أعرفهم وتعرفونهم من أهل طريب في الرياض طواهم التاريخ والنسيان، كنت تواقا لمعرفة كل شيء لا أعرفه وأنا لا أعرف أي شيء ولهذا تعبت في البحث عن المعرفة، ولهذا أيضا كنت مغامرا مختلفا حتى في الخصوصيات الرسمية والخاصة ولي حكايات فيها والرسمية منها تشبه التجسس من أجل الصحافة التي احترفتها فأحرقتني حتى الموت وأنا حيّ، أليست مهنة المتاعب!!!!
نعود لمسقط رأسي العزيز طريب الحبيب فأ قول وكما قال أ بو تمام:
نقل فوأدك حيث شئت من الهوى
ما الحب إ لا للحبيب الأولي
••••
كم منزل في الأرض يألفه الفتى
وحنينه ابدا لأول منزل

بعد 60 عاما أعود لطريب وهو حبي الأول ومرتع صباي وفيه تكوّنت فطرتي الأولى وتكويني الديني والنفسي والجسدي والعقلي والاجتماعي وحتى عشقي الأنقى، طريب غادرته حافيا لكن خشونة أرضه كانت عندي تشبه السجادة ( العجمية ) على قدمي وقلبي أمشي الهوينا أو راكضا لافرق وقد تجولت في أوربا وأفريقيا وآسيا فلم أجد مثل طريب عاشقا ومعشوقا، أتمنى أ ن لا أدفن إلا فيه..

بعد 60 عاما أذكر أن من أطرف مواقفي وقراراتي التي لم أندم عليها وهي كثيرة خلال وجودي بالرياض هو انحيازي لعقلي وليس لسمعي وهوى نفسي، وعدم الاستمرار في الطأطأة لمحاضرات جماعة جهيمان المسكين المسكون بالوهم وبالشيطان الرجيم حين رفضت الاستمرار في الاستماع لمحاضراتهم ودعواتهم الهمجية البدائية السطحية لدخول الجنّة كما يزعمون وهم يحاضرون ، فأدخلوا أتباعهم مكة إجراما وهم يدعون الناس في حي الوزارات بالرياض وهي تشبه بعض الخطب في طريب سطحية لدرجة الملل تخرج من الجامع بدون فائدة واحدة تذكر من الخطبة والخطيب؛ لأنها لا تلامس الواقع الحياتي للناس في شي مجرد نقل محض من كتب التراث ومن سير و أ قوال من سبق، الخطيب هناك وهنا لغته بدوية بدائية وليست علمية بسيطة مفهومة وهو مفصول عن أرض الواقع وعن حيا ة الناس ومعاشهم ومايمس حياتهم، لهذا لا يفهم عليهم ولا يستفيد منهم من كان واعيا ، إنهم يؤثرون في العامة الذين يبكون ويو لولون فقط ، وهم من العامة ولهم ، ولكم أن تعرفوا أ ن خطبة في عشر ذي الحجة يدع و فيها الخطيب للحجاج ونحن نعلم أ ن فيهم وفيهم وفيهم ولم يدعو لولي الأمر وهو خادم الحرمين الشريفين وقائد الأمة وإمام المسلمين وراعي الحجيج ، إنها المدرسة السلبية إ ياها.

بعد 60 عاما وقد بلغت مرحلة التشبع الشخصي من الحياة العامة أو القناعة التامة بما يفوق الوصف من بهرجة الحياة الحديثة وزخرفها وحتى منغصاتها في الرياض وهي مرحلة مثقلة بالنتوءات ومع تكالب الظروف المرضية عليّ بعد عارضي الصحي الذي جعل من جسمي صديقا لأسو أ الأمراض، لم أعد مؤهلا للأخذ والعطاء والجدال والكتابة والعيش والركض والتحدي في الرياض حيث توافق وتنافر الأضداد لأول مرة معا بالتناوب وصخب المدينة المزعج وضوضائها المثيرة للنفس الساكنة الهادئة بعد أن بلغت مرحلة الوداعة، وهو ما أ نا عليه الآ ن وفقدت الرياض الملامح الإنسانية البريئة فيها سأكتفي في طريب بالفرجة على الحياة العامة والأنشطة المبتذلة إن وجدت رغم سذاجتها فيما مضى وبالعودة للقراءة والقرآن ولقاء نماذج محترمة من الناس والأماكن والطرق القديمة التي سلكتها في طريب وناس عرفتها تستحق المصافحة النقية، وأهرب من برستيج الحياة المدنية الزائفة والوجيه الدّعية بالفهم وهي جاهلة به من تلك التي أتعبتني طيلة 60 عاما وانسلخ بجلدي رحمة بباقي عقلي منها بالعودة للحياة التقليدية التي تشبه البدائية لبساطتها وبراءتها ومناسبتها لي الآن، هذا إذا لم يجبرني المرض ومواعيد المستشفى على العودة للرياض من حين لآخر، وإلا فإن هذا طلاق صريح مني للرياض المدينة بالرغم من تاريخي الملتصق بها وبأناسها من الزملاء والأصدقاء والأحباب والمحبين ومن عامة الناس (وقد كشف لي مرضي الأخير كم أنا محظوظ بكمّ الأصدقاء والزملاء والمعارف النبلاء )، وبأماكنها التي لاتخلو عن علاقة ما بيني وبينهم وبينها وبين مابيننا وبفعالياتها المختلفة والمشوقة التي ليس فيها القزوعي بالطبع كما هو الحال في طريب المظلوم بكل أسف من بعض المحسوبين عليه، ومن تقاعس شبابه المحترمين عن أداء دورهم التراثي الوطني الحيوي والتاريخي لمحافظتهم وإبرازه وقد كان ديدن من هو أطيب منا جميعا و شخصيا سأحافظ على سمعي وبصري من التلوث، لكن قد يغنيني عن كل ذلك قيام محافظتنا العظيمة بتوجيه محافظها الشاب الواعي بمصافحة التاريخ ومجاراته وليس بمجافاته وتجنّبه، وجعل المبادرات الثقافية فعله واستشراف المستقبل ، وليس باجترار الماضي التقليدي وذلك بأداء دور ثقافي ريادي مميّز وإن قلّ ؛ خدمة للمحافظة وأهلها ينافس به المدن وليس المحافظات ويغنينا به عن أبها وثقافتها وعن الرياض ومثقفيها بالرغم من جودة الأسماء والفعاليات وكثرتها هناك وهنا وهو ما سيجعل طريب مشهورا وعلى كل لسان إعلاما وسمعة حسنة ومعرفة وثقافة ويقدمنا للناس على مستوى المملكة بزهوٍ وفخر على أن نوقف كل عبث يتم باسم طريب من الأنشطة الشعبية الارتجالية المتواضعة، والمستهلكة المستوردة، فالمسألة في طريب بسيطة وهي أشبه بتصحيح سطوع شاشة عرض ليس إلا، فالوطن لايبنيه سوى الإنسان والإنسان لايبنيه سوى الثقافة، ولكم أن تتخيلوا الأ مير عبد الرحمن بن مساعد مثلا يحيي أمسية شعرية في طريب وينثر شعره الوطني الرزين والجمالي ا لأخّاذ هنا، أو الكاتب محمد الرطيان أو فهد عافت ليشنفا آذاننا بإبداعهما اللفظي وعطاءاتهم الفكرية، أو محمد علوان وأحمد أبودهمان ليعلماننا فن الرواية والكتابة القصصية فقط تخيلوا حجم المردود الإعلامي لطريب وأهله من هؤلاء المبدعين، قليل سمين خير من كثير غث ، فقط فكروا بعقل واعي مع طريب ولاتبخلوا علي ه بالعطاء والابتكار والتفكير، ستسرّون أن فكرتم مليّا وستتركون خلفكم مناطق ومحافظات وبرامج سياحية تقليدية مملة وأسماء وفرق مجمّعة تتابعكم بشغف وحسد، ولن يلحقوا بكم لتمكن التقليديين فيهم منهم . صحيح أن الأذن هنا صماء لكن مع تكرار مرور الجمال الصوتي عليها ستتجاوب ويعود لها سمعها والجيل الجديد من الشباب في طريب يستحق التفكير مليا، فعقولهم متفتحة غضّه وليست مثل عقلي وعقو لكم متحجرة صماء وقاحلة من الجمال والإ بداع اللفظي فكروا فيهم وفي المستقبل وليس فيكم و فيما مضى.

أخيرا أقول وداعا أيها الرياض الغالية وأرحب ياطريب الحبيب تراحيب المطر وداعا صادقا وترحيب محب.

قول : المميّز ابداعا أحمد آل ما لح نجم ساطع في سماء طريب يتلألأ فنا و جمالا وابداعا لايراه سوى المبصر.
إشارة : أعرف أنني هنا قد أندب ليس حظا واحدا وإنما حظوظا كثيرة وما ذلك إ لا دليلا على حياتي وحيويتي.

تلويحة : الكتاب مفتاح العقل والبصر والبصير ة فاقتنوا الكتاب لتنموا عقولك م وتبصروا من حولكم.

وقفة : كلما رأيت احتفالية هنا أو هناك أ كبرت جائزة طريب وا لأ ستاذ جبر ان فائز ال ناجع على نضجه العقلي .

معنى : القنوات الشعبية معاول هدم للعقول ونبش غبي لقبور الجهل التي يفترض انها اندفنت مع الماضي ولا يتلاء م مضمونها مع رؤية 2030 ، أفتوني في رؤياي من فضلكم.

تغريدة : أتمنى أن يكون لطريب مركزا إعلاميا مؤهلا ومنصة حيوية في تويتر تكملة لمسيرة وعطاء صحيفة ا لرأي المميزة لتعرّف الناس بطريب وتاريخه ماضيا وحاضرا ومستقبلا وبحيويته التنموية المستقبلية إن وجدت وتشد جيل الشباب بالمحافظة إلى المتابعة والتفكير لخدمة ومعرفة محافظتهم أكثر وأن يكون هناك جوائز تشجيعية صيفية لهم .
تويتر : mohammed_kedem @
أ. محمد بن علي آل كدم القحطاني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.