عدنان.. طفل حالم، لن ينتقل إلى الصف الثاني مع أقرانه كما قرر له مدرسه في آخر شهادة مدرسية استلمها، ولن يخرج ليزرع الحديقة مع والده كما كتب في جملته الأخيرة قبل أن يفقد كل ما يملك من صحة في 5 أيام فقط، لأنه فقد القدرة خلال هذه الأيام على الحركة والكلام والرؤية، ليصبح عاجزاً عن كل شيء سوى السمع، ممدداً على فراشه ومستسلماً للمرض الذي لم يستطع أن يقعد منه منذ أربع سنوات. البداية كانت بارتفاع درجة حرارته، كأي عارض يمر ويتكرر بحياة أي شخص، غير أن الطبيب المعالج لم يكن هو الآخر كأي طبيب وهو يقول لأم عدنان "اطمئني.. هزبطهولك". تقول أم عدنان التي فتحت قلبها ل(الجزيرة أونلاين): "فضلت أن آخذ ابني إلى مستشفى حكومي في عسير حتى يعالجوا ارتفاع الحرارة ولا أهمله"، غير أنها لم تدرك أنهما في طريق لن يعود عدنان إليه على قدميه، "كان المستشفى مزدحماً، ولا يوجد أسرّة تنويم، اضطروا أن يبقوني في الطوارئ، وأخبرني الطبيب الذي فحصه أنه سيجري أشعة مقطعية لرأس عدنان لزيادة الاطمئنان". الأشعة المقطعية أظهرت (كدمة صغيرة) بحسب وصف الطبيب لوالدة عدنان، إلا أنه طمأنها بأنها بسيطة وستحل كونها تخثر بسيط بالدم، وكانت هذه بداية التساقط الأسرع حدوثاً خلال 5 أيام فقط، فنقل عدنان إلى التنويم ليبدأ المعالجة، وتقول والدته أنه كان يصرخ راغبا في العودة للمنزل، خوفاً من الحقن الطبية، غير أن حرصها على صحته وإتمام المعالجة جعلها لا تستجيب لنداءاته المتكررة، وتضيف "بحسب ما قال لي الطبيب بدأ بإعطاء عدنان دواء مميع للكدمة لتذويب تخثر الدم البسيط في رأس عدنان، وبعد خمسة أيام بالضبط لم يعد عدنان قادراً على قضاء حاجته بنفسه، واضطررنا لاستخدام الحفاظات الطبية له، ولم يعد يستجيب لندائي أو يرد عليّ، وكنت أستنجد بالطبيب وأبوح له بقلقي، وهو يقول لي بأن ذلك طبيعي وينتج إثر الأدوية الثقيلة عليه وأنه سيعود لحالته الطبيعية بعد ذلك". عدنان أغمض عينيه في يومه الخامس دون أن يرد على أمه أو ينطق بحرف، أو يقف على رجليه بعد ذلك، وهنا اجتمع الأطباء على رأس عدنان مقررين أن يدخل العناية المركزة، وبحسب ما ذكره الأطباء لها بعد ذلك فإن ما اعتقده الطبيب بكدمة تخثر الدم كانت بداية نزيف زادت منه الأدوية المميعة، فأتلفت ثلاثة أرباع دماغ الطفل، وتقول والدته "شلتني الصدمة وأكلني الحزن، وبت أستجدي المستشفى: دخلت وولدي على رجليه". انتقل عدنان إلى العناية المركزة ماكثاً فيها شهرين كاملين دون أدنى استجابة أو تغير في حالته، كانت والدته بجانبه وهي تدون برقياتها العاجلة لخادم الحرمين الشريفين، ليأتي أمر الإخلاء الطبي ويحملهم متوجهين إلى المستشفى التخصصي في الرياض، وإذا كنت تسأل عن الطبيب الذي وقع عدنان فلن تجد له أثر بعد أن التهمته الإجازة والهروب معاً. وتضيف أم عدنان "وصلنا الرياض.. ودخل عدنان العناية في المستشفى التخصصي لمدة شهرين، وطلبت مني المستشفى توفير الأشعة المقطعية الأولى التي أخذها الطبيب الأول لعدنان، غير أن المستشفى الحكومي في عسير رفض تسليمها وأرسلوا صورة صدرية فقط"، وخلال الشهرين في المستشفى تمكن عدنان من الاعتماد على نفسه في تنفسه، وكان هذا التغيير الوحيد في حالته حتى الآن. التقرير الطبي الذي حصلت (الجزيرة أونلاين) على نسخة منه، وصف حالة عدنان ب(الاحتشاء الدماغي)، وهي حالة لا يمكن تقديم شيء معها في مستشفيات المملكة، ما جعل المستشفى يدون الخروج لعدنان، جاعلا أم عدنان تواجه وحدها مرارة ابن سرقت عافيته أمام عينيها. تقول أم عدنان أن ابنها حتى الآن يتغذى عن طريق أنبوب بالبطن، محروماً حتى من نكهة الحلوى في فمه، وكل ما تقدمه المستشفى لهم هو تغير الأنبوب وبعض الأدوية والحليب، وتقول "طلبت نقله للخارج ثلاث مرات وشاهدت بعيني العديد من حالات مثل عدنان تقدم وضعها وأصبحت تمشي، غير أن طلبي قوبل بالرفض بحجة أن مستشفيات المملكة ليست عاجزة عن علاجه"، وتابعت أم عدنان: "رفعت العديد من الشكاوي وأخذت مسارها في وزارة الصحة إلى أن توقفت العام الماضي لدى المخالفات، دون أي يبلغونا أي شيء عن سبب توقفها، وقابلت العديد من المسؤولين في وزارة الصحة وكان أقصى ما قدموه لي أن طلبوا مني أن أسلمه لمراكز التأهيل"، وتتساءل: "هل يعقل أن يحرموني منه، وأنا لا زلت على قيد الحياة؟". حتى الآن لا جديد بالنسبة إلى عدنان، الذي تعاني والدته الأمرين لتعيش مع أبناءها في الرياض دون عائل يتولى توفير السكن لهم في ظل ارتفاع أسعار السكن، تنام أم عدنان وتصحو على أمل يغير في حالة ابنها عبر (أمر) ليس صعباً، ليمكن ابنها من العلاج في الخارج، وأمل آخر في توفير مسكن بسيط لها تلملم فيه ما تبعثر من العمر.