ما لا نختلف عليه أن أزماتنا الرياضية بلغت حداً خطيراً، ولا يمكن أن يُحمّل طرف على حساب آخر، فرمي الكرة في ملعب هذا، وردها إلى ملعب ذاك سيعقد الأزمة ولن يعالجها، ويخطئ من يعتقد أن العلاج سيتم بتشكيل لجان طوارئ، أو باتفاقات ومواثيق شرفية، أو بمجرد التلويح بعصا العقوبات، وإنما الحل بسن قوانين صارمة عمياء لا تفرق بين ناد وآخر، وشخصية وأخرى، وإلا فلننتظر انفجار البركان. لجنة الانضباط باشرت الأزمة بشجاعة بمعاقبتها لجماهير الهلال بعد الهتافات العنصرية التي صدرت عنها في مباراة الاتحاد، لكنها شجاعة منقوصة؛ باعتبارها جاءت بطريقة انتقائية؛ فجماهير الاتحاد نفسها مدانة إن في ذات المباراة، أو في غيرها من المباريات، وقبلها جماهير النصر، وجماهير أخرى، ولاعبين آخرين، ولذلك فاللجنة وضعت نفسها على المحك، فإما أن تأخذ الأمر إلى آخره، وإلا فإنها ستكون بتلك الانتقائية كمن يصب الزيت على النار. الاعتراف بالأزمة لا ينبغي أن ينظر إليه على أنه جلد للذات، بل يجب النظر إليه من منظار الرغبة في معالجة الأزمة المستفحلة والتي بلغت العظم؛ خصوصاً وأننا نشهد مثل هذا النوع من الهتافات والممارسات في غالبية ملاعب العالم وأعظمها في أوروبا وهي مضرب المثل رياضياً؛ ولذلك بات من الضروري التصالح مع واقعنا والاعتراف بقضايانا، والتي لا تختلف عن قضايا الآخرين غالباً؛ غير أن الفارق أنهم لا يترددون في تجريمها قانونياً، بينما نحن ندير ظهورنا لها. العبارات العنصرية ومندرجاتها والتي ترددها الجماهير ليس في مباريات كرة القدم بل في كل الألعاب ومن معظم الأندية، كل بحسب زاوية الرؤية لدى جماهيرها؛ إنما هي انعكاس لما يتم ترديده في المجتمع، ليس على الصعيد الرياضي بل غير صعيد، وتلك حقيقة أخرى لا مناص منها، لكنها تبدو واضحة رياضياً أكثر؛ بل إن الحقيقة التي يتهرب من مواجهتها الجميع أن مناوشات بعض اللاعبين داخل الملعب لا تخلو من هذا النوع من الممارسات، وبينهم لاعبون دوليون يرتدون قميص الوطن. الفرق بين تقرير (العربية) وردات الفعل التي خرجت في أعقابه، أن الأول طرق قضية حساسة وخطيرة، وهي قضية الهتافات العنصرية، والصيحات اللاأخلاقية التي كانت ومازالت تتكرر في كل موسم كروي، ولأكثر من مرة في الموسم الواحد، وأزاح الستار عنها بعد سنوات طوال لم يتجرأ أحد خلالها على تناولها بهذا الوضوح وتلك الجرأة، بينما الأخرى خرجت بغية الاختباء خلف الأصابع؛ والتلطي بشعارات زائفة، لإظهار مجتمعنا الرياضي، وكأنه مجتمع أفلاطوني، وهو ليس كذلك أبداً. والسؤال: أيهما أصدق التقرير الصادم الذي أماط اللثام عن وجه قميء يتواجد في مدرجات الأندية السعودية منذ عقود، أم ردة الفعل التي خرجت على خلفية التقرير، والتي تمترست كما العادة بحجج واهية، وتهويلات مصطنعة، ليس لشيء إلا لأننا مجتمع لم نعتد على مكاشفة واقعنا بأزماته المتجذرة، تحت ذرائع تزيد من عمقها بدلاً من أن تعالجها. رد المذيع بتال القوس على الهجمة التي تعرض لها جراء عرض برنامج "في المرمى" على قناة العربية للتقرير الخاص بالهتافات الجماهيرية في مدرجات الملاعب السعودية بتغريدة أطلقها عبر حسابه في (تويتر) قال فيها: "هذه بضاعة المدرجات رُدت اليها.. لم الغضب؟!.. ناقل الكفر ليس بكافر".