لم تعد السلطة السياسية وحدها القوة المؤثرة في القرار أو التخطيط للمستقبل، بل ظهر الرأي العام باعتباره قوة لها اعتبارها في اتخاذ القرارات وتحديد السياسات العامة في المجتمع، وهو ما يؤكده التطور الثقافي والعلمي لأفراد مجتمع نام. فوسيلة التخاطب وتبادل المعلومات بين صناع القرار السياسي والجمهور هو الإعلام بكافة أشكاله، فحري بالمسؤول العناية بما يطرح عن مؤسساته وما يكتب ويقال حولها فإما أن يفند أو يتخذ منها قبسا لإصلاح ما يجب إصلاحه. فالرأي العام على اطلاع تام بما يجري وهو اليوم يشارك في صناعة الإعلام بعينه هو، ويطرح قضاياه هو، ويناقشها هو، فليس جديرا أن يسفه أو أن تترك مطالبه محنطة في متحف «لجنة ودراسة» وهو المتحف المسؤول عن قتل كثير من الإصلاحات المنتظرة. ما حدث في جدة من احتراق مبنى ووفيات وإصابات قدر لا اعتراض عليه، فإن أفجع أنفس فاقت التسع مئة إذ تلاطمهم أمواج خوف ولهيب ومصير أسود فإنه سكن في نبض ملايين ممن يذهبون كل صباح إلى مبان تشبه المبنى وأخرى أقل بكثير فمن يطمئننا ويزيل هذا الخوف؟ إن تشكيل طاقم من قبل الوزارة لتقديم العلاج النفسي والدعم المعنوي للمصابات أمر تحت بند الواجب والمسؤولية، لكن من يقدم لنا الجانب النفسي الذي كان مهتزا من قبل واليوم يرتجف مرعوبا بأن مصيرا ينتظرنا كمصيرهن؟! إن النقص الحاد في قواعد السلامة للمباني والموظفات والطالبات يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن فاجعة أخرى في طريقها إلينا، ليس تشاؤما أو سوداوية لكنها الحقيقة التي نعلق عليها القضاء والقدر وننسى عملا منقوصا ينذر بخطر!! الحلول لا تأتي بشكل جذري والمسكنات لا تفيد في حل أجندة كثيرة تتعلق بالمشكلة لكن لا يمنع أن تتخذ القرارات الحازمة والمتابعة الجادة لتنفيذ ما يتقرر والنجاة بالقرارات من متحف «اللجان والدراسة» كي نضمن جدوى القرار هو الطريق السليم للمعالجة. فالوزارة يخشى عليها أن تستبدل المناهج بالأكفان في ظل مبان تتحول إلى مقابر جماعية، أو طرق تلتهم أفواجا من منسوباتها.