بعد 120 ساعة عاشتها المدينة العصرية أو كما يحلو للبعض تسميتها مدينة الأيام الخمسة عاد الهدوء والسكينة إلى شوارع منى وخيامها البيضاء. منى أمس بدأت خالية إلا من عمال النظافة الذين انهمكوا في جمع أكوام المخلفات التي تركها الحجاج بعد رحيلهم من منى. وكذلك عمال المؤسسات الذين كانوا يجمعون بقايا متاعهم من مخيماتهم. استيقظت صباح أمس عروس مكةالمكرمة «منى» ذلك المشعر المقدس على كلمة «وداعا منى» عبارة رددها حجاج بيت الله الحرام كثيرا وهم يغادرونها بعد أن أتموا مناسك الحج بكل يسر وسهولة، وتمكنوا في هدوء من رمي الجمرات في آخر أيام التشريق، فكم من دموع انهمرت وأياد لوحت بكل الحزن على عتبات مخارج مشعر منى توديعا لهذه البقعة الطاهرة، التي غسلوا في أرجائها أحزانا سكنت دواخلهم وأيقظت ضمائر من تابوا وتضرعوا لله في جل العبادات التي أدوها، ولم تكن مفارقة مدينة الخيام البيضاء أمرا سهلا للعديد من ضيوف الرحمن، ولعل من أبلغ صور التعبير عن هذا الشعور تلك الدموع الصغيرة والغمامة في عيون المغادرين صغارا وكبارا قبل مفارقة أطهر البقاع. شوارع منى وأزقتها المتفرقة وخيامها البيضاء لم تعد تلك الخيام التي التحف تحت ظلالها قرابة ثلاثة ملايين حاج عاشوا فيها بعد أن جمعتهم روحانية المكان وتآلف المسلم للمسلم من شتى الأطياف في مكان لم يفرق بين أبيض وأسود ولا عربي ولا عجمي وطئت أقدامه أرضها، بل بدأت أمس خالية سوى أعداد من العمال ما بين عمال نظافة وعمال مؤسسات الحجاج والطوافة الذين شرعوا في لملمة أثاث خيامهم ومستلزماتها بعد أن غادرها أهلها لرجعة في عام آخر جديد، فبعد 120 ساعة عاشتها مدينة الأيام الخمسة «منى» ستطفئ اليوم أنوارها وتخلد في نوم عميق بعد أيام من الضجيج والحركة الدؤوبة على مدار الساعة وملئت سماؤها بالضوء والنور، فيما ردد المكيون كثيرا على جنبات الطرق المؤدية إلى مشعر منى المقدس جملتهم الشهيرة في مثل هذه الأيام «يا غريب بلادك» واقفين على الأطلال متذكرين كيف كانت شوارع مكةالمكرمة والمشاعر المقدسة بالأمس مكتظة بالحجاج والمركبات، فيما هدل حمام الحرم حزنا على فراق ضيوف الرحمن مرفرفا في ساحات المسجد الحرام ملوحا بجناحيه وداعا.. وداعا حجاج بيت الله الحرام. «شمس» رصدت بالكلمة والصورة ذلك الهدوء الذي لف جنبات منى بعد أن كان الزحام والضجيج هو سيد الموقف، بعد ساعات معدودة غادر الحجاج منى عائدين إلى بلادهم بعد أن غمرتهم السعادة في رحلة العمر وعاشوا ذكريات لن تنسى في هذه الأماكن. حيث قال أحد عمال النظافة «محمد إسحاق» إنه عاش مع الحجيج طيلة الأيام الخمسة لحظات جميلة وكان يؤدي عمله في سعادة غامرة وانشراح هائل رغم العناء والتعب الذي يصاحب عملهم هذا. أما عمال الحملات والذين كانوا منهمكين في نقل العفش فقد بدت على وجوههم علامات الحزن وهم يجمعون الأمتعة والعفش من المخيمات، حيث يقول العامل المصري فريد محمود إنه عاش في منى أياما لا ينساها رغم الضجيج والزحام والعمل المتعب إلا أن هذا كله له لذة على حد قوله، مؤكدا أنهم لن يتركوا العمل في هذه البقاع المقدسة خدمة لحجاج بيت الله الحرام وضيوف الرحمن. من جهة أخرى قال الناطق الإعلامي لوكالة الخدمات بأمانة العاصمة المقدسة سهل مليباري ل«شمس» إنه سيتم تنظيف المشاعر المقدسة تماما خلال الأيام القليلة القادمة مشيرا إلى أنه تم رفع أكثر من «34» ألف طن من النفايات بمكةالمكرمة والمشاعر المقدسة خلال الأسبوعين الماضيين إن الجهود المبذولة طيلة أيام الحج الماضية مستمرة، حيث تم تكثيف العمالة طيلة تلك الأيام كما يعلم الجميع، وسيستمرون في عملهم إلى أن يتم تنظيف منى تماما من جميع المخلفات التي تركها الحجيج وراءهم. وقال مليباري إن الأمانة بدأت في أعمال مرحلة جديدة من خطة النظافة التي تشمل تفريغ الحاويات والصناديق الكهربائية والمخازن الأرضية الموجودة في مشعر منى بعد مغادرة الحجاج لها، مؤكدا أن ذلك يأتي بعد النجاح الذي تحقق خلال فترة تواجد الحجاج بمشعر منى وذلك بفضل الله وتوفيقه. وقد استنفرت الأمانة كل طاقاتها وإمكانياتها بالتعاون مع المقاول لتنظيف مشعر منى وتفريغ المخازن والتخلص من النفايات بطرق صحية وآمنة. وكانت الأمانة قد اتجهت إلى التخزين المؤقت للنفايات بمشعر منى خلال فترة تواجد الحجاج به؛ وذلك للتغلب على صعوبة حركة السيارات في أماكن الازدحام مستخدمة في ذلك أحدث التقنيات والمعدات التي تمكنها من أداء دورها على أكمل وجه، حيث بلغ عدد المخازن الأرضية التي تم استخدامها 131 مخزنا أرضيا و900 صندوق كهربائي ضاغط، وقد تم تخزين ما يقارب من 15 ألف طن من كمية النفايات المنتجة خلال أيام التشريق أي نحو 70 % من إجمالي كمية النفايات .