عندما خرج طارق السويدان في بداية الثورة الفضائية للبرامج الدينية كان الجميع يجمع على أنه شخصية محببة مرغوبة للقلوب.. السويدان استطاع آنذاك أن يقيس مفتاح الدخول لعقول الشباب بدقة متناهية وجاء من الباب الأمامي.. حينها كان السويدان أول من أطلق برامج الهندسة النفسية.. بحكم العارفين الملازمين للسويدان والذي أعجز عن تسميته بأي لقب، بالدكتور أم بالداعية أم بالشيخ، وهذا الأخير وجدت أنه يتحاشى الخوض في تفاصيل تداعياته خصوصا مع ثورة الشتاء الخليجي في خروج المسكونين بحب الظهور بأي صفة، داعية أم مقدم برامج أم مفسر أحلام، عبر أبواب الفضائيات حتى وإن كانت في بلاد المغرب أو آسيا، وإن ضاقت المخارج فلا ضير أن نشاهد «شيوخا رحالة» يصلون لأستراليا وللهند والسند وأوروبا والأمريكتين، ولا ضير في ذلك ما دامت التذاكر متوافرة في التنقل والفنادق الفاخرة مستعدة لسكنهم، الأمر لا يحتاج إلا إلى جولة في أحياء راقية أو شعبية والخروج بمادة إعلامية فضائية «كيفما اتفق» عن الفقر أو الجوع أو حتى الظمأ وربطها بأخلاق المسلم، أو نقد مبالغ فيه لمجتمعنا ومقارنته بالآخرين برصد سلبي وكأننا مجتمع قديم متهالك، «الأهم» ما زلت أكرر، برنامج حتى وإن تكررت الفكرة فلا ضير اليوم.. نظافة وغدا نظافة منظمة، وبعده نظافة بالغة النظام. المهم أن السويدان خرج إلينا بشخصية موحدة، وهذا ما جعلنا نتأقلم معه في طرحه ومرحه «حتى» في بعض الأحيان.. خرج من عباءة التقليد واستطاع أن يعزف على وتر منفرد جمع شتات الشباب وإيحاءاتهم في برامج رائعة شملت السواد الأعظم. رأيناه باكيا مسترحما في أحداث الصومال وغزة.. زاكيا مستلهما في تداعيات ثورات الربيع العربي.. شاكيا متهكما من انتقاد البعض له.. يشكو لربه ويتهكم بنفس المترفع. السويدان يمثل أنموذجا حيا لا يغلق على نفسه بابا حتى لا يسمع الآخرون نقده وصده عنهم بأدب، ولكنه يخرج من أي موقع تاركا وراءه شموعا مضيئة كي لا يتكلف من يأتي بعده في نفس الدرب لينيرها.