تعتبر المجتمعات على اختلافها أن القيم وتكوينها مبدأ اجتماعي مهم حيث جاءت الشرائع السماوية والمذاهب الأخلاقية مرتكزة عليه وعليه أيضا تقوم أسس النهضة والتقدم، فالقيم هي المعيار للسلوك وهي موجه وميزان لضبط اجتماعي يحقق للأفراد حياة كريمة. فليس هناك عقل بشري يناقض أهمية تلك القيم في بناء الإنسان، غير أن الاختلاف في قيم المجتمعات قائم على الثبات والتغير والترتيب. فهي في الإسلام جزء ثابت من الدين، لا يجوز الانفكاك عنه إلا وفق معايير وضوابط يحددها الدين نفسه، بينما القيم في الفلسفات الغربية تخضع لمفهوم المصلحة. أيضا هي متغيرة حسب مصالح المجتمع، الغربي، ومختلفة الترتيب في السلم من حيث درجة الأهمية. في المجتمع المسلم الدين متقدم على كل شيء ولأحكامه قداسة لا تنفيها مصلحة ما ولا تغيره.. لكن ما يحدث من اختلال قيمي لدى المجتمع المسلم في مواضع اجتماعية كثيرة تترتب عليها مشكلات أكثر ولا ينبري لها غير صوت خافت ينافح عن الحق ويزجر.. فتموت قيمة الصدق وتلحق بها قيمة الأمانة..و.. إن الممارسات التي تنتهك القيم فيها بشكل سافر وتجمعها لتصبح عتبة تطؤها لبلوغ مصالح أخرى شكلت انفصاما لدى المجتمع..! فاختفى الرقيب الذاتي وصار الرقيب الاجتماعي متهاونا وبدأ يظهر على السطح فساد مقنن بمجازات وعبارات جديدة.. فلا يمكن أن تتهم أحدا بالواسطة فهي شفاعة في الخير فاختل ميزان المفاضلة. ولا يمكن أن تشك وتشكك في نزاهة المؤسسات ولا تطعن في شراهتها تجاه المستهلك فذا أمر عجيب، وله مبررات اقتصادية! ومن يتعامل مع تجاهل المسؤولين للمسؤولية وقضايا العامة ويصفه تقصيرا وفسادا فهذا اتهام باطل يا سيدي فالمسؤول لا يقصر ولا يخطئ هي فقط مما سقط سهوا وتلقفته أيدي أكثر نزاهة.. وأكملت السهو جبرا منها حسب معيارها. فيحيا الفرد بين ازدواجية مريرة المنابر تأمره بالصدق والأمانة والوفاء بالعهد واحترام الوقت والإخلاص والعدل والعفة والحق والشجاعة والاستقامة والفضيلة والواقع يحكي له حكايات جديدة بعيدة، تعاش ولا تقال، ومن ثم نؤكد في كل مناسبة أننا نسعى لبناء مواطن صالح.. «إن صرخت بكل قواك، ورد عليك الصدى، من هناك؟ فقل للهوية: شكرا!» محمود درويش