أتذكر حين كنت في مرحلة الجامعة وأثناء دراستي إحدى المواد قمت في الاختبار الفصلي بالإجابة عن الأسئلة وفق ما جاء في كتاب المادة، ومذيلا كل جواب بإجابة أخرى من منظور فهم شخصي اعتقدت أنه مناسب وفق رؤيتي في التعامل مع الموقف ومنتقدا رؤية مؤلف المادة مع ذكر الأسباب بشكل أكاديمي. الغريب أن أستاذ المادة في محاضرة لاحقة أشاد بما فعلت دون أن يتذكر اسمي؛ فالسلوك الذي قمت به كان لافتا له ولم يعتده الصرح الأكاديمي، وظل يقول إن هذا السلوك يوحي بفهم المنهج بل يتجاوزه إلى أبعد من ذلك؛ حيث يتجرأ الطالب على خلق رؤية خاصة به من خلال النقد. أما أنا فلم أكن أتوقع ردة الفعل هذه؛ لأنني سبق أن قمت بها من قبل ولكني عوقبت بالرسوب لأن تلك الإجابات لم تعجب أستاذا آخر! ولقد فسرت التناقض أن الدكتور حين يكون مؤلفا أو هو من اختار المنهج فلا يقبل النقد من التلاميذ؛ لأنه يعد سلوكا معيبا، ولهذا اعتقدت حين راقت الفكرة للأستاذ الآخر بأنه ليس هو مؤلف المادة «وربما» بسبب الزمالة والتنافس لا يتوافقان مع بعضهما بعضا وقد يكون سلوكي هو انتقام بطريقة أكاديمية لا تفضح موقفه وتعلنه أمام الجميع. لم يذكر في تاريخ التعليم أن قام أحد الطلاب بنقد ما تعلمه أثناء الدراسة، وسجل اعتراضه على ما يتعلم، وسبب ذلك أن كل طالب يدرك النتيجة المنطقية التي سيلقاها لو فعل ذلك. فلو تجرأ أحدهم لكان الرسوب أو الطرد من المدرسة هو ما سيلقاه، ولهذا استمر الجميع بالتفكير في موضوع الحصول على شهادة كحاجة للعيش أو ضرورة لكسب ود مجتمعه – كرضاء والديه- وليس حبا للمعرفة بذاتها، التي بسببها نتعلم سبل العيش بسعادة ونجاح. إن سياسة التعليم أشبه ما تكون بمراحل الانتظار؛ حيث إن الطلاب منذ بداية مراحل تعليمهم في المراحل الأولية تراهم ينتظرون أن ينهوا المرحلة الأولى ليدخلوا في الثانية، ثم التي تليها. وتلاحظ عليهم منذ أن يبدأ الفصل الدراسي وهم يأملون في الوصول لنهايته. ومن بداية اليوم تراهم يتحرون وقت الخروج. فمبدأ الانتظار هذا يصرف الطلاب عن إيجاد المتعة فيما يتعلمون، ويحرمهم بسبب العادة من تحفيز مقومات الابداع الكامنة داخلهم؛ ذاك أنهم لا يشاركون بشيء وقت تحصيلهم الدراسي، فهم محرومون من إبداء رأيهم فيما يتعلمونه حتى لو كان خاظئا من وجهة نظر المعلم أو مخالفا لما يقوله.