يحتفظ التاريخ الحديث بقصص كثيرة عن رؤساء دول نهبوا أموال شعوبهم وتحولوا إلى لصوص بمعنى الكلمة. ووقائع استعادة الدول والشعوب للأموال التي نهبها أولئك الرؤساء والحكام السابقون تعد قليلة بغض النظر عن حالات تجميد الأرصدة والأصول والممتلكات فور سقوط أنظمتهم. ويتطلب استرداد هذه الأرصدة مشوارا طويلا والكثير من الإجراءات والمفاوضات والصبر. بل إن الدول التي تتولى تجميد هذه الأرصدة كثيرا ما تختلق المبررات والحجج للاحتفاظ بها أو الاكتفاء برد جزء يسير منها. فما زالت أمريكا تحتفظ في بنوكها بتسعة مليارات دولار، بحسابات أواخر القرن الماضي، من ثروة شاه إيران عقابا لحكام إيران الجدد على عملية اقتحام السفارة الأمريكية في طهران واحتجاز عدد من الرهائن عقب الإطاحة بالشاه محمد رضا بهلوي وهروبه إلى خارج البلاد بعد أن أمضى في الحكم 37 عاما. وفي إفريقيا نجح الرئيس الراحل موبوتو سيسيسيكو في تحويل زائير «الكونجو الديموقراطية حاليا» من أغنى بلد في العالم بفضل ما تملكه من ثروات معدنية أبرزها الألماس والذهب والبترول إلى أفقر بلد بعد أن نهب ثرواتها لحسابه الخاص. واستخدم موبوتو، الملقب بفهد كنشاسا، جميع الوسائل المشروعة وغير المشروعة ضمن سلطته المطلقة من أجل الاستحواذ على 17 % من إجمالي الموازنة العامة للدولة نظير خدماته الرئاسية، كما تمكن من إحكام السيطرة على استثمارات بلاده في الداخل والخارج. ووصف المركز الدولي لرجال الأعمال موبوتو بالبنك المتنقل بعد أن جمع ثروة تقدر بعشرات المليارات من الدولارات. وعندما رحل عن الحكم ترك بلاده وهي تعاني من عجز مالي بأكثر من مليار دولار. وتوفي موبوتو في 1997 متأثرا بمرض السرطان. أما في آسيا فقد أنقذ المرض العضال الرئيس الإندونيسي الأسبق سوهارتو من المحاكمة في بلاده بتهمة تبديد أموال شعبه بعد أن تضخمت ثروته إلى رقم يقدر بنحو 15 مليار دولار جمعها على مدار فترة حكمه التي امتدت 32 عاما، وقيل إنها تصل إلى 35 مليارا من خلال صفقات مشبوهة شملت كل شيء تقريبا. وبعد الإطاحة به في ثورة شعبية عارمة عام 1998، منعه المرض من المثول أمام المحكمة التي كان متهما فيها باختلاس 571 مليون دولار لتمويل مشاريع يديرها أفراد أسرته بأنفسهم. كما كانت ثروة الرئيس العاشر للفلبين فيرديناند ماركوس هو وزوجته إيميلدا من النوادر التي تروى بكل ما فيها من حقائق ومبالغات وخاصة ما يتعلق بملابس ومجوهرات وأحذية إيميلدا. ولم يكن سهلا الوصول إلى ثروات وأرصدة ماركوس وزوجته في الخارج؛ فقط سويسرا هي التي أعلنت تجميد 645 مليون فرنك سويسري تقريبا في حسابات وودائع ماركوس .