قبل زمن أشغلتنا القنوات المتلفزة المحدودة آنذاك بشعراء شعبيين يأتون من البراري أو القفار أو من الجبال لا أدري من أين جاؤوا ولكنهم وصلوا.. يستطيع الواحد منهم أن يلقي مائة بيت في آن واحد، المهم هو اللحن وإن كانت الكلمات «خائبة» ولا مانع من تكحيل عمى النظم بالربابة، ظللنا لأعوام وخرجت بعدها موضة أخرى «شعراء شعبيون متطورون» يبهرون المتلقي بهندام منظم قليلا هذه المرة مقارنة بسابقيهم، يحتاطون بمسابح وسوقهم بالطبع حينها «المجلات الشعبية» التي قال عنها حكيم شعر آنذاك إنها أكثر من الشعراء الشعبيين؛ ولأن التقليد حيلة الساقط في رعونة «المهمة» ارتدوا على الألقاب، فمنهم من قال إنه «مخاوي» أي شيء حتى وإن كان ذئبا أو أسدا فلا ضير في مخاواته لأي مفهوم تشاؤمي إن كان سيجني له الجمهور الذي يتعطش لألقاب البؤس.. وفي مفهومنا الخليجي على وجه التحديد موضة الموهبة تتغير، فهي ليست ذنبا أو ثوابا وفق منطق البعض، فالرقص بينها يدق أقراع الجرس لأي جديد. بعد أن ضاقت مطبوعات الشعر ذرعا بشعر مهضوم وليس بمنظوم، وجد الشعراء نفقا آخر، فمثل ما جذبت موجة الظهور السريع الشعراء وازتها موجة مطربين لا يكلفهم الأمر سوى تعليم على عزف العود في شقة أو على شاطئ بحر من خبير مقابل اعتراف بالجميل! والذهاب لشارع يحوي استديو للتصوير واستريو للتسجيل وبعدها تتقابل معادلة الفن الركيك الذي تعج به محال بيع الأشرطة. الشاهد في الأمر أن الخبراء وأصحاب الموهبة ظلوا «متفرجين» على فوضى مأجورة وموضة مستأجرة.. يخرج علينا الكبار نادرا وسط هذه المهزلة فيربطون ذائقتنا بواقع لا يقبل سوى الموهبة والخبرة فنقتنص إنتاجهم هربا من السقوط في زعزعة مصطنعة لجيل موهوم بفن ركيك. وبعد هذا المسلسل الهزلي والذي أجزم أن القنوات الفضائية حينها كانت تستعد للانطلاق فاق اليوم عدد القنوات أعداد الشعراء والمطربين، ولكن الضريبة فيها مختلفة «واسطة واصطياد في ماء عكر وهرج ومرج» ولعل البعض عرف الطريق إليها. سعدنا بشعراء فصحاء وكتاب رواية أفذاذ لا يعترفون سوى بالجوائز المحكمة، أما شوائب من حاول الظهور من وراء ظهورهم فالنقد براء منهم؛ لأنهم دونه. أما القنوات فأتاحت نزاعات نفسية واجتماعية فمليون قرداحي ظل يدغدغ أفكارهم فأتاحوا الملايين للشعراء والملاليم لمن يشد الرحال من أجل المنافسة، ويخرج خالي الوفاض سوى من التهابات الحنجرة والحبال الصوتية سعيا وراء الفوز المادي. أما من فشل في المسابقات والمناورات فوجد أن الرقص وسيلة للتحكيم والتعتيم على الإفلاس.