مذ وعيت على الدنيا و «رمضان» يأتي بعد نهاية شهر «شعبان»، وبحسب ذاكرتي فإنه لم يأت يوما بعد شهر «محرم» ولم يفاجئني بحضوره في منتصف «ربيع الأول» ولم يتأخر في أي عام ليتزامن مع «ذي الحجة»! لماذا كنت مضطرا لكتابة المسلمات السابقة؟ لأن ثورة الاستعدادات ل «رمضان» التي تتم في اليومين السابقين له تعطي شعورا بأن موعده يتغير من عام لآخر! توحي بأن «رمضان» يهبط علينا فجأة! منظر الأسواق اليوم وغدا ستمنح لغير العارفين شعورا بأن الناس تستعد لتخزين الأغذية لفترة «بيات شتوي طويل»! جموع المشترين وأعداد وكمية عربات التسوق توحي بأن الأسواق ستغلق مع بداية شهر «رمضان»! منظر العائلة الواحدة التي حشدت كل طاقاتها البشرية، حين وزعت على كل فرد منهم عربة، بغض النظر عن قدرته على دفعها، تدفع للاستفسار القديم «هل نأكل لنعيش أم نعيش لنأكل»؟ الاستنفار الذي يحدث الآن، هو ذات الاستنفار الذي حدث في العام الماضي، وهو نفسه الذي سيحدث في السنة المقبلة، أما دلالاته فهي تتجاوز أننا لا نتعلم الدرس من أول عشرين مرة، بل أكثر بكثير كعدم وضوح الهدف وانعدام التخطيط، وغياب إستراتجية وانتظار اللحظة الأخيرة التي دوما تجعلنا نجتمع عند «كاشير» السوق ولدى «كاونتر» الحجز وأمام «طاولة» الدائرة الحكومية! اليوم وغدا أنتم موعودون بتسلم قائمة «داخلية» بطول نصف متر تحوي كل المواد الغذائية التي تعرفونها وتلك التي ستخطئون حتما في نطقها، ستقرؤونها على أي حال ثم ستتوجهون صوب المطبخ للتأكد من أنه فارغ من أي شيء صالح للأكل، ستتوجهون للسوق لمطاردتها وستنتقلون من رف لآخر، ومن ممر لأخيه، ومن سوق لسوق ثانية، ستعودون للمنزل وأنتم محملون بشعور النصر والرضا، الشعور الذي سيتلاشى بعد مشاهدتكم للجزء الثاني من «ورقة المقاضي»!