ما إن أعلن عن رمضان، حتى تبارى الكثيرون إلى طلبات الإجازات، سواء في القطاع الحكومي أو الخاص، فيما الحريصون قدموا طلباتهم مبكرا بالشهر الإفرنجي، تجنبا للدخول في متاهات ثبوت الرؤيا. بعضهم ربط المبررات للمسؤولين بأنها ظروف خاصة، وبعضهم الآخر اعترف «نريده شهرا خاليا من الشوائب»، وإذا سمح الرصيد منح الإجازة، وهو يتم في الغالب، وإذا لم يسمح يتم التعاطي بالاضطرارية، والنتيجة واحدة إجازة، رغم أنف الجميع. في شهر رمضان المبارك يختلف الأمر عن بقية الشهور، فتقل ساعات العمل، لتعويض النقص السنوي في معدل العبادة، فيلجأ الكثيرون إلى تكثيف ساعات العبادة والصلوات. لكن المظهر يختلف أيضا في الاتجاه الاجتماعي، فلقاء الأقارب والأحبة له مذاقه الخاص في هذا الشهر الفضيل، وفيما يعشق بعضهم العمل في هذا الشهر الفضيل، يميل الآخرون إلى تجنب العمل وتفضيل الراحة، واستثمار الوقت. لكن الغريب أن الكثير ممن يفضلون البيات الرمضاني، يتحججون بمبررات ربما لا تروق لأحد، فتراهم يرون أن العمل في رمضان يهدر طاقاتهم فيما لا يفيد، رغم أن العمل عبادة، وبعضهم ينظر إلى العمل في رمضان على أنه ربما يقود إلى الخوض في أعراض الآخرين دون قصد، رغم أن الإنسان يستطيع التحكم في لسانه، سواء في رمضان أو غير رمضان، فيما ساعات العمل لا يجب أن تهدر في كافة الأوقات، وليست حكرا على رمضان. ويبرر آخرون البيات الرمضاني بأن رمضان شهر السهر «فلا يعقل أن ننام مع الصباح، ونذهب للعمل، الأمر الذي يعد إهدارا للوقت والجهد، ومن باب أولى البقاء في المنزل». ويعطون أيضا للجلسات الأسرية نصيبها من التبريرات: «سمر الأهل والأصدقاء في ليل رمضان له طابعه الخاص، لذا يجب ألا نهدر الشهر الوحيد في السنة في العمل، وعلينا انتهاز الفرصة». ساعات الدوام تختلف ساعات العمل ما بين الداوم الحكومي والقطاع الخاص ففي التعليم، يحل شهر رمضان والجميع في إجازة من طلاب ومعلمين ومديرين ومشرفين، فيما منسوبو قطاع الأمن العام يعملون طوال السنة، ويختلف العمل ما بين الدوام اليومي والمسائي، وكذلك الحال في الوزارات، التي يعمل منسوبوها حتى الثانية ظهرا، عدا وزارة الخارجية التي يستمر دوامها إلى الخامسة عصرا، وفي وزارة العمل صدر تعميم قبل نحو أسبوعين إلى جميع المؤسسات والشركات في القطاع الخاص، بحيث يكون العمل من الساعة العاشرة الى الرابعة عصرا. النوم أفضل فيصل الفايز من المدخنين الشرهين، يرى أن رمضان فرصة ذهبية للإقلاع عن التدخين «الراحة، وأخذ إجازة من العمل أهون علي بكثير، وخصوصا مع ارتفاع درجات الحرارة، والتفرغ للعبادة وقراءة القرآن أفضل بكثير من العمل، خاصة أن الوقت في رمضان ضيق جدا، فالنهار غالبا يكون وقتا للاسترخاء حتى صلاة الظهر، وقراءة ما تيسر من القرآن، ثم العودة إلى الاسترخاء مرة أخرى حتى صلاة العصر، وفي المساء وقت الإفطار وصلاة العشاء والتراويح، وبعدها يكون لقاء الأصداقاء في الاستراحة، ومتابعة بعض البرامج الشيقة والمسلسلات الهادفة، وليالي رمضان جميلة جدا، لذا أفضل عدم العمل في رمضان، لأن راحتي أهم بكثير، لأنني أعاني بسبب التدخين، وأريد استغلال هذه الفرصة، خاصة أن رمضان يتميز بالأشياء الجميلة، وأبرزها اجتماع الأهل، والتفافهم على مائدة واحدة، إلا أن هناك بعض العادات المرفوضة في رمضان ومنها التسوق المستمر والذهاب الى أماكن اللهو، وبصراحة أستغرب هذا الفعل، أو التجمهر عند مداخل الأسواق والمجمعات التجارية والمطاعم الكبيرة». ويقف محمد آل كامل مع العمل في رمضان، لأنه يرى عدم وجود تناقض أو تعارض بين العمل والصيام «فلسفة رمضان تقول إنه شهر تغير وبناء، وصناعة وحضارة، نعم تغير في الأنفس وبناء في الأرواح، وصناعه للحياة وحضارة للأمة، وهذه كلها لا تقوم إلا بالعمل أو الدوام، والحرص عليه وبذل الجهد والإتقان فيه، لو تأملنا سيرة الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- لوجدنا أغلب المعارك في شهر رمضان، أليست هذه رسالة لنا تؤكد أن رمضان هو وقت العمل، وأشدد على أنه ليس هناك تعارض بين الصيام والعمل، بل الله جعل رمضان حتى نستطيع أن نتعلم الأمرين معا، ونطبقهما سويا». احتسبوا العمل ويدعو الراغبين في إجازة في رمضان إلى تجديد النية واحتساب العمل لله «وستشعر بلذة عجيبة، لذة الصيام ولذة العمل، وبصراحة أوزع وقتي وأرتبه وأخططه مسبقا منذ بداية الشهر، كيف سأقضي أوقاتي في رمضان، وأستطيع أن أعدد المجالات ولا يكون بينها تعارض، والحمد لله استطعت تغطية هذه المجالات بسبب الترتيب، وتحديد الأولويات والأهداف، وأتمنى أن يستفيد الشباب من هذا الشهر، ويعيشوا رمضان بأكثر فاعلية وإنتاج، وأقولها صراحة إنني أستطيع صوم رمضان وأنا على رأس العمل». العمل واجب ولا يعترض عبدالكريم المسفر على العمل في رمضان، خصوصا أنه لم يكن يوما ما شهر راحة واستجمام « صحيح ربما أرغب في الراحة من العمل، ولكن لو كل شخص جعل من رمضان شهرا للراحة من العمل، لتعطلت أعمال الجميع لمدة شهر كامل وأنت تعلم حاليا في عصر السرعة ما معنى شهر، وشخصيا أقسم أوقاتي في رمضان بين العمل أول النهار حتى العصر، ومن بعد الدوام وحتى العشاء مع الأهل في البيت، بعد صلاة التراويح إلى نحو الساعة الواحدة صباحا مع الشباب في الاستراحة». ترتيب الوقت ويرفض التشدد في الإبقاء على العبادة في رمضان دون العمل «بعضهم هداهم الله يعتقدون أن رمضان شهر عبادة خالصة، دون أن يعطوا أي شيء آخر حقه مثل العمل والواجبات الأخرى، وهذا خطأ في نظري، والمشكلة أن عبادته تحولت إلى عبادة بالكم وليست بالكيف، حيث ترى بعضهم يعتكف، وهمه الوحيد ختم القرآن الكريم أربع أو خمس مرات دون تدبر في المعاني، متناسيا بذلك واجباته الأخرى تجاه أسرته وعمله ونفسه، لذا أفضل التوازن في أدائي للواجبات بشكل عام، مع التفرغ للعبادة في حال توفر لي الوقت». فرصة للطقوس ويعارض بدر الحربي العمل في رمضان، رغم أنه غير موظف، ويشدد على أنه إذا تعين فإنه سيقضي رمضان في النوم والعبادة فقط، ولا مجال للعمل، وسيأخذ إجازة اعتيادية أو حتى اضطرارية، لقضاء الوقت مع الأهل والأصدقاء، أو حتى الشعور بروحانية وطقوس رمضان سواء عبر الجلوس في المساجد، أو الذهاب ليلا للمقاهي الشعبية التي تنتشر فيها الجلسات الشبابية. ويعتقد أن السبب في رفضه العمل في رمضان لأنه «شهر للطاعة والعبادة، ولصلة الأرحام، فإذا ذهب ربع يومك في العمل، ففي بقية اليوم لن تستطيع إيفاءه بالكامل، ومع العلم أنه في الغالب لا أحد يخلد إلى النوم إلا بعد صلاة الفجر، فكيف تريدني أن أذهب إلى عملي وأنا بكامل نشاطي وحيويتي، كما أن الوقت في رمضان ماتع، ففي هذا الشهر الجميع مدعو إلى التسامح مع الآخر، ونسعد بلقاء الأصدقاء والأقارب، ولرمضان طقوس خاصة كنا نمارسها ونحن صغار في الحارة، ونتمنى أن نعود إلى تلك الأيام، فالجميع يأتي بموائده إلى بيت الآخر، ونسأل عن المتغيبين عن المائدة، أما الآن وللأسف فأصبح الجار لا يعرف جاره». للضرورة فقط وينظر ناصر الغامدي إلى العمل في رمضان على أنه نقيض الصوم، لأن رمضان شهر وحيد في السنة، فكيف يتفرغ الإنسان فيه للعمل، ليتركه، ويفوت عليه الفرصة في التضرع والعبادة «لست مع العمل في شهر رمضان، والسبب أنه شهر القرآن والتفرغ للعبادة، إلا إن كانت هناك أعمال ضرورية لا بد من استمرارها لأجل المصلحة العامة، وقضاء الوقت في رمضان يكون عبر برنامج معين، مثلا القيام من النوم لصلاة الظهر بالمسجد، ثم قراءة ما تيسر من كتاب الله، ثم قضاء حاجات المنزل، ثم الذهاب للمنزل للراحة حتى صلاة العصر، وبعد الصلاة أكون بالمسجد لقراءة ما تيسر من كتاب الله، ثم المساعدة في بعض مشاريع تفطير الصائمين بالمسجد، ثم الإفطار مع الأهل، وبعد المغرب راحة ومتابعة لبعض البرامج الرمضانية، ثم الاستعداد لصلاة العشاء والتراويح بالمسجد وبعد صلاة العشاء والتراويح الإفطار الدسم، ثم التوجه للقناة الفضائية التي أعمل بها لإعداد وتقديم برنامج أحلى مساء، الذي يذاع من الساعة 12 صباحا وحتى 1:30 صباحا، وبعدها التوجه للمنزل للسحور مع الأهل وبعدها صلاة الفجر ثم قراءة ما تيسر من كتاب الله ثم النوم»