منذ أعوام كانت محاولاتي الأولى في كتابة المقال، حينها ذهبت وقدمت مقالا لأحد الزملاء في الجريدة لإجازته، قرأ الزميل المقال بتمعن، لكنه قرر أن يحيله إلى زميل آخر ذي دراية أكبر، وأكثر خبرة منه في قراءة ما بين السطور، بالطبع أصبت بالدهشة خاصة من فكرة ما بين السطور، فالمقالة التي كتبتها متراصة السطور، ما بين السطور ليس أكثر من بياض الورقة، الزميل الخبير تناول المقالة ونظر فيها، وأشار أنها «سليمة»، بمعنى آخر أن مضمونها ليس من المهم أن يكون جيدا بقدر ما يكون سليما، لكن لا ضرر من عرضها على آخر للنظر فيها، هذا الناظر الثالث كان يتمتع بميزة قد لا تتوافر في لدى كثيرين، وهي أنه يستطيع أن يفكر بعدد من العقليات ويستنتج قراءاتها المختلفة للنص المكتوب. بعد أعوام من تراكم الخبرة في الميدان الصحافي، ومن الكتابة اليومية يكتشف الكاتب الحقيقة المرة، وهي أن هناك أشخاصا سجناء لفرضيات قد لا تكون موجودة، وأن مشكلتهم هي في قول رأي نقدي، ويظنون أن دورهم حجب الرأي النقدي، والمفارقة أن القيادات في البلاد لا تفوت مناسبة للإعلام والصحافة إلا تدعوها إلى القيام بدورها وأن تكون سلطة رابعة. في أحيان كثيرة ينتظر المواطن من الصحافي الشيء الكثير، لكنه لا يعلم أن طموحاته وآماله ليست في محلها، ليس لأن الصحافي مقصر، لكن لأن القارئ ابن جيل جديد، فيما لا تزال هناك عقبات داخل الصحف، فهناك من لا يزال خارج العصر الحديث؛ لأنه ابن عقود مضت، وهناك من يظن أن للصحافة دورا غير دورها الحقيقي، ولهذا كله لا يملك الصحافي الجديد إلا الاعتذار من المواطن والقارئ والوطن عن أي خيبة أمل.