لحد اللحظة فإنني ما زلت أعتقد أن المرايا لا تكذب مطلقا، أما إن ساورك «عزيزي القارئ» شك في ذلك لا قدر الله، فجرب أن تسأل صديقك المتملق إن كانت عوامل الزمن قد فعلت الأعاجيب في وجهك؟ وحين يكذب فيحلف لك أنك أكثر نضارة من «براد بيت»، ثم يكذب مرة أخرى حين يقول إنه كان يظنك في عمر العشرين حين التقاك للمرة الأولى، فانتقل بعد ذلك لأقرب مرآة منك، ودون أن تسألها عن شيء فإنها ستُظهر لك كل التصدعات المحفورة بعناية على باطن خديك وجبينك بدقة عالية، ستجيبك صدقا، حين توافيك بكل شعرات رأسك وذقنك التي انتهت صلاحيتها فرفعت رايتها «البيضاء» استسلاما! بل ستجعلك تعيد النظر في صديقك هذا الذي يبدو أن أوراقه اختلطت بين «براد بيت» و«مستر بن». بالفلسفة السابقة يقع بعض أصحاب الصلاحيات هنا ضحية ل «مرايا بشرية مغشوشة» حين لا يجيدون اختيار مرآة صادقة تعكس لهم ما يحدث بصفاء لا يشوبه رتوش، حين لا تعدو «مراياهم» المباشرة عبارة عن كائنات تجيد فن التملق والتسلق مما لا هم لهم سوى السعي الدؤوب لتلميع كل الصور الباهتة التي قد تقع أمام أعين سعادتهم، لتخرج تلك الصور بعد معالجتها في معامل الكذب والزور والتضليل و«الفهلوة» في أبهى الحلل وأجملها! رافعين في مهمتهم ذلك الشعار الذي يثبت يوما بعد يوم أنه ساري المفعول باقتدار «كله تمام يا أفندم»! لتضيع بعد ذلك حق كل صاحب مظلمة ممن تسول له نفسه تعرية الصورة أو على الأقل عرضها كما هي! وأرجو ألا تستعجلوا بإلقاء اللوم على هذه الكائنات التي تتكاثر طرديا خلف كل صاحب صلاحية لأسبابها الخاصة، ثم ضعوه على صاحب الصلاحية الذي لم يحسن اختيار مرآته؛ فبعض المرايا البشرية تظهر «الأحمر» أخضر»، وتحيل «بلوى» إلى «سلوى» بل دون حياء تحول «ألم» إلى «نغم»! وتحذف نقاط «زحمة» لتصبح «رحمة»!