شدني كثيرا مقال المميز دائما الدكتور عبد العزيز الخضيري في هذه الجريدة تحت عنوان «من ينحر كفاءتنا الوطنية؟!»، واستثار حماسي الطريقة الرائعة للطرح حول مستقبل وطننا من خلال الاستغلال الأمثل لمواردنا البشرية والاستفادة القصوى من الكفاءات الوطنية المميزة لدفع عجلة النمو الاقتصادي والتنمية بمفهومها الشامل. ولعل السبب الرئيس في تفاعلي مع ما خطته أنامل الدكتور عبد العزيز الخضيري، هو النظرة الاقتصادية التي أفرزتها الأزمة الاقتصادية العالمية ودور الرأسماليين في تدهور الأوضاع الاقتصادية للشعوب بشكل عام، وما نتج عن دور التملق والتسلق الذي اتبعه كثير من أصحاب القرار «الأقزام» لمصالحهم الشخصية المرتبطة بمصالح أصحاب النفوذ المالي، هذا كان الحال في دول العالم الأول الذي تسير انتخاباته وفق مصالح الرأسماليين, وتأتي قياداته الإدارية لمحاباة مصالح أصحاب النفوذ المالي، فكيف يكون الحال في دول العالم الأخرى؟! فقد أفرزت الأزمة المالية العالمية سمات متقاربة لأحداث كثيرة كان فيها الفساد وعدم كفاءة القيادات التنفيذية المختلفة سمة مشتركة في كثير من الأحيان للفشل والأزمات، ويعود السبب الرئيس لكثير من القضايا إلى وجود حقيقي لرأسمالية معدلة وراثيا تواكب تطلعات وأهداف الرأسماليين المتنفذين, إضافة إلى فساد بيئات العمل لتلك المنظمات. فتلاقي مصلحة التنفيذيين مع وجود متملقين ومنافقين في المنظمة يجعل النتائج التدميرية للمنشآت متوقعة، لكن فقط حينما تحدث، ولتلك النتائج طريقة سهلة جدا لوضع كبش فداء، فالفاسدون أصدقاء أعداء، تحكم صداقاتهم وعداواتهم المصالح. ولعل الرابط المهم هنا هو دور القيادات التنفيذية في وضع حد للجشع الرأسمالي وقتل الفساد واستئصال الكذب من خلال التوظيف الصحيح للعقول التي تدير دفة التشريعات والتنظيمات ومن ثم تطبيقها في سبيل المحافظة على مكتسبات الوطن ومقدراته، وامتداد ذلك في تطوره وازدهاره من خلال فتح الباب أمام الكفاءات المميزة لأخذ زمام القيادة وإعطاء المساحة الكافية لهم لخلق ثقافة جديدة في الإدارة والتنفيذ بعيداً عن الأنانية والفساد الإداري والأخلاقي وبعيداً عن المحسوبيات القبلية والعرقية والمناطقية. وإذا كانت هناك فئة معينة تحاول الحصول على نجاحات شخصية دافعها الأساسي المحافظة على مناصبها التي أخذتها في أوقات غابرة أو أجواء مغبرة، فإن الدور المهم على الجميع هو تغيير هذا النمط الأغبر الذي ينخر في نجاحات الوطن ويثبط العزائم عن الوصول إلى الطموح والمكان الطبيعي لوطن يملك الكثير والكثير من المزايا ويملك فوق ذلك الكثير والكثير من الكفاءات التي لم تجد الاستغلال الأمثل لقدراتها ولم تجد الطريق الأفضل لتفجير طاقاتها لمصلحة الوطن. الواقع اليوم يقول إننا نعيش جفافا كبيرا في القيادات التنفيذية، ليس بسبب ندرة الكفاءات لكن بسبب الطريقة التي تحاول بها القيادات الحالية المحافظة على مناصبها والعيش في أبراج عاجية وكأن تلك المنظمات ملك يمين لهم أو ميراثا عائليا، لتجعلهم يعملون بسلطة مطلقة من دون الخوف من عين الرقيب أو رقابة العين والقلب، حتى أصبح عدد من المنظمات مناطق نفوذ للإقطاعيين فيها وتكون مكانا خصبا للمتملقين والمنافقين. إن الحاجة إلى هيئة لتقييم الأداء الحكومي خلال الفترات الإدارية المتلاحقة أصبحت حاجة ملحة في ظل سعينا إلى تطوير الاقتصاد, وهنا الموضوع لا يحتاج إلى وزارة مستقلة, كل ما نحتاج إليه أن نسّخر بعض الأجهزة الحكومية والخاصة لتكون بمثابة لجنة لتقييم أداء المنظمات, وأن تكون هناك استراتيجية واضحة يقدمها هرم المنظمة, وتكون هناك معايير محددة لتقييم الأداءKPI داخل المنظمات المختلفة، وتقييم القدرات الإدارية التي تقودها. صادقاً أتمنى أن يكون لدينا جهاز رقابي محترف يرصد العوائق ويقلل الأخطاء ويقضي على الفساد ويعطي مساحات لكفاءات الوطن ويضعنا على طريق الإصلاح الإداري الصحيح وللاستفادة مما نعيشه اليوم من رخاء اقتصادي وفكر إصلاحي لبناء مستقبل أكثر إشراقاً ونموا أكثر استدامة.