لعل تكرار فشل عدد من الوزارات لدينا في صنع التطوير وإقرار التغيير ووضع حد للمشكلات المتفاقمة طيلة هذه الأعوام مع تبدل الوزراء، مؤشر حقيقي لمسألة غاية في الأهمية، فعلى الرغم من وفرة الأكاديميين والمتخصصين والاستشاريين في تخصصات مختلفة مثل الطب والهندسة والعلوم التطبيقية والقانون وغيره، إلا أن هناك ضعفا في العقل الإداري يفرض وجوده على قطاعات متعددة. هذا الضعف في العقلية الإدارية يشير إلى أننا نعاني من نقص كبير في الكفاءات الإدارية المؤهلة التي خاضت بحر علوم الإدارة المعاصرة وعاينت تجارب الأمم ودرست الأفكار والنظريات المستجدة لكيفية إيجاد الحلول المستعصية للمشكلات الإدارية الحكومية، التي حتما لا تغطيها وفرة الكفاءات في الاختصاصات المختلفة والدقيقة الأخرى. ومن هذه الكفاءات الإدارية الجيدة الدكتور طارق كوشك المتخصص في الإدارة والمحاسبة الحكومية، الذي ظهر في حلقات الإعلامي القدير علي العلياني، للحديث عن مشكلات وزارة الصحة، وقد أشار إلى شيء من ذلك في ضرورة عدم اتخاذ القرارات الارتجالية أو الخطط غير المجربة أو المأمول بنجاحها من دون الاطلاع على تجربة بعض الدول الأخرى في مجال إدارة القطاعات الحكومية، وحل مشكلة البطالة، ورفع مستوى الخدمات والكفاءة وتطوير المنشآت وزيادة الطاقة الاستيعابية لأعرض شريحة من المواطنين بأقل تكلفة ممكنة، التي ينتج عنها قطاع عام يعمل بأسلوب إدارة وكفاءة القطاع الخاص، ولكن من دون خصخصة، للحد من تحول العمل الخدمي العام إلى تجاري وتنافسي؛ لكيلا يفتح المجال لارتفاع الأسعار. فمثلا، من هو صاحب القرار المسؤول عن توفر عدد كبير من أصحاب تخصص طبي معين لدرجة فائضة عن الحاجة، بينما توجد تخصصات طبية أخرى لا تقل أهمية، تعاني من نقص حاد في عدد من المدن الكبرى تصل إلى طبيب واحد أو اثنين فقط؟ هذه مسألة إدارية لا علاقة لها بعزوف الكثير من الأطباء عن بعض التخصصات، وإقبالهم على تخصصات أخرى، لأن الواقع أن التسهيلات المتاحة لدراسة بعض التخصصات والتضييق في القبول لدراسة تخصصات أخرى، لا بد أن ينتج عنه هذا الاختلال الفوضوي في التوازن بين متطلب سوق العمل ومخرجات التعليم.